أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


أسرى «الخيام» يتذكّرون الفاخوري: القاتل بالغاز!

حسين الامين-

مجدداً، ثمة في لبنان من يريد أن يعيد تذكير اللبنانيين، إن كانوا قد نسوا أصلاً، بـ«مآثر» عملاء العدو الإسرائيلي على مدى سنوات الاحتلال الطويلة.

وفي كل مرة تتحرك فيها قضية العملاء الفارّين، يدفعنا الأمر الى البحث في أرشيف سنوات الاحتلال لمراجعة أهم «إنجازات» العميل موضع الحديث، وفي كل مرة النتيجة واحدة؛ التمسك أكثر بضرورة محاسبة هؤلاء وإنزال أشد العقوبات بهم. حصة اليوم، كانت من نصيب العميل «الكبير» العائد الى لبنان عبر مطار بيروت، عامر الياس الفاخوري (56 عاماً)، القائد العسكري لثكنة الخيام، ومعتقلها الشهير، لفترة تجاوزت 10 سنوات. هذه المرة، كان للخبر وقع مختلف. مختلف وقاس، بقدر قسوة ذكريات الأسرى الذين مروا تحت سياطه في معتقل الخيام، أو الذين عذَّبهم على كراسيه الكهربائية، أو علّقهم على أعمدة الساحة الخارجية حتى قضى عدد منهم معلّقاً. ذكريات كثيرة، أكثر من أن تُحشر في زنزانة إفرادية ضيقة، من زنازين الفاخوري التي تفاخر بها أيام عزّه في المعتقل.

لعلّ أبرز ما يذكره الأسرى المحررون الذين مرّوا على معتقل الخيام، فضلاً عن التعذيب اليومي والممارسات «الروتينية» ضدهم من قبل المسؤول العسكري للمعتقل وجنوده، هي انتفاضة 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 التي نفّذها المعتقلون للمطالبة بدخول الصليب الأحمر الدولي الى المعتقل. ليلتها، ومع تعالي أصوات المعتقلين بالتكبير والصياح داخل الزنازين، ومع الضرب على الأبواب بقوة، أمر العميل الفاخوري برمي قنابل غازية الى داخل الزنازين. رياض كلاكش، وهو أسير سابق قضى 14 عاماً في معتقل الخيام، يروي كيف أدت القنابل الغازية «الى حالة تشبه الشلل بين المعتقلين»، ثم أدت لاحقاً الى «اختناق الأسيرين بلال السلمان (مركبا) وإبراهيم أبو عزة (بنت جبيل)، اللذين استشهدا عند الفجر». عند الصباح، وبعدما توتر الموقف أكثر داخل السجن بعد استشهاد الأسيرين، يروي كلاكش أن عامر الفاخوري جاء وصعد أعلى الحائط، وخاطب المعتقلين المتجمعين في غرفة الشمس، قائلاً إن: «القنبلة التي ألقاها الجنود ليست إلا قنبلة دخانية عادية… لكن المعتقلَين اللذين توفيا تحسسا منها نتيجة مرض ما!». عندها، يقول كلاكش إنه رد على الفاخوري بالتأكيد أنها «قنبلة غازية سامة مئة بالمئة، وأنتم تريدون قتلنا»، وهذا ما أكده عدد من الأسرى الذين تحدثوا إلى «الأخبار» عن تلك الحادثة، مضيفاً أحدهم إنه بعد انتهاء الانتفاضة، أشرفَ الفاخوري على تعذيب من شاركوا فيها فرداً فرداً في الساحة الخارجية للمعتقل، مشيراً الى أنه أثناء حفلة من حفلات التهديد والوعيد التي كان يمارسها، وقف الفاخوري أمام المعتقلين متبجحاً يقول: «صرت قاتل 19 واحد منكم!».

ومن «مآثر» العميل المذكور، أنه في ليلة من ليالي الخيام الباردة، أمر برفع الأسير علي عبد الله حمزة (من بلدة الجميجمة ــــ بنت جبيل)، على العمود في الساحة الخارجية. «ترك في الصقيع، حتى وُجد عند الفجر مستشهداً، وجسده متجمداً كقطعة ثلج»، يروي أسير كان حاضراً ليلتها. بعد ذلك، «دفَنَه العملاء العسكريون بأمر من الفاخوري في مكان ما، ولم يظهر مكان دفنه حتى اليوم». أما الأسيرة المحررة سكنة بزي، والتي اعتقلت في سن السابعة عشرة، فتتحدث عن أساليب التعذيب التي كان يمارسها جنود الفاخوري بأمر منه ضد المعتقلين، «من التركيع تحت المغسلة، وسكب الماء الساخن وغيره»، مضيفة إنه «كان يحدّد حجم الزنازين الإفرادية التي كان يوضع داخلها الأسرى… وما أضيقها وأقساها!». «نحن نرفض»، تكرر سكنة العبارة مراراً. لا تستطيع «ابتلاع الخبرية». تعلّق بحرقة: «نحن سجنّا ودفعنا زهرة أعمارنا في السجن في سبيل التحرير والحرية، لا لنتساوى اليوم مع العملاء والسجّانين والجلّادين».

في واحدة من «حفلات» التهديد، قال الفاخوري للمعتقلين متبجحاً: «صرت قاتل 19 واحد منكم!»

قمع الإضرابات و«التمرد» داخل السجن، جعل للعميل الفاخوري «حظوة» عند ضباط جيش العدو. ففي فترة وجيزة، تمت ترقيته من رتبة ملازم الى ملازم أول، ثم تدرّج في الرتب العسكرية في «جيش لحد»، الى أن وصل الى رتبة رائد في آخر أيامه في المعتقل. يروي الأسير المحرر محمد الضاوي أن «الرتب العسكرية التي حصل عليها العميل الفاخوري كانت بفعل «إبداعه» في فنون التعذيب، وقمع الاعتصامات والإضرابات». يُتبع ذلك بنوبة سعالٍ؛ «أنا اليوم برئة واحدة، ولا أزال أعاني أمراضاً مزمنة نتيجة التعذيب والإقامة في المعتقل»، يعلّق كمن يبرّر وضعه الصحي المتأزم. ولكي تكتمل صفات «العميل» بشخصية عامر الفاخوري، فقد امتهن السرقة أيضاً. يروي أحد الأسرى الذين كانوا يعملون في مطبخ المعتقل، كيف كان الفاخوري ومعه مساعده، «يسرقون حصص الأسرى الغذائية، فمثلاً كانوا يأتون ببيضة واحدة لكل أسير، لكن الفاخوري كان يسرق نصف البيض ويبيعه، ويأمر بتقديم بيضة لكل أسيرين». يتندّر الأسير المحرر الذي يعدّ أوراقه للرحيل عن البلاد، بشيء من «السخرية» التي ترافق الألم، على عامر الفاخوري الذي «قد ما سرق من المعتقل والمعتقلين، اشترى سيارة BMW وقتها!».

قال الفاخوري يوما لأحد المعتقلين أثناء تعذيبه: «رح يجي يوم صير أنا ضابط بالجيش اللبناني، وإنتو عناصر عنا». يومها أجابه الأسير أن «هذا اليوم لن يأتي»، و«إن أتى فسنقلب الموازين رأساً على عقب». لم تتحقق «نبوءة» الفاخوري. لكن عودته اليوم بلا محاسبة ولا جرم يذكر، دفعت الخمسيني صاحب الوعد «القديم» للتأكيد على «صلاحيته حتى اليوم». يذكّر الأسير نفسه، بعملية «تصفية» العميل سليم ريشا (19 تشرين الأول 1997) التي نفذها المقاومون. يومها نشر الإعلام الحربي مشاهد العملية. في مقطع الفيديو، يظهر ريشا بثياب النوم في غرفته الخاصة أمام كاميرا المقاومة، ثم ينزل من منزله (داخل الشريط المحتل). ورغم اتباعه إجراءات أمنية عديدة، فجّرت المقاومة عبوة بسيارته بعد أمتار قليلة من انطلاقه، لتطوى صفحته الى الأبد!

-الأخبار-