– البيئة العربية أكثر الشعوب مهيأة للحروب..
– استحضار “الذاكرة الجماعية” الخلافية للسنة والشيعة هدفه إراحة إسرائيل
بول باسيل –
قامة وطنية في المؤسسة العسكرية ، قامة إنسانية في العلاقات الإجتماعية ، قامة أخلاقية في القضايا الوطنية والسياسية ، إنّه العميد جورج نادر خامة مزدانة بالضمير، وإن قلبّها الزمن بتحولاته القاسية، فعيناه وفكره لا يغيبان عن لبنان ، الوطن ، الرسالة ، والأرض والشعب..
جريدة “الثبات” التقت العميد نادر مستطلعة منه أحوال التحولات العسكرية والإستراتيجية في الشمال السوري مع تطورات احداث حلب، إضافة الى رؤيته لأزمة الحكومة والوطن.. وعن خبرته الإنسانية العميقة التي سكبها في كتاب صادرٍ حديثاً “هذا أنا… جورج نادر”.
حرب عالمية على الأراضي السورية، هي ملخص ما يحصل في هذا البلد الجار بحسب العميد جورج نادر، يقول: قوى كبرى تتصارع على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، والغنية بالبترول والغاز، وضمن السياق هذا لا يمكن إغفال المخطط اليهودي الأكبر لكافة الحروب.. يضيف نادر: بعيداً من الشعر العربي واتهامات الإمبريالية والصهيونية المعلبة الجاهزة من قبل البعض، لا يمكن إخفاء العامل اليهودي المستفيد ممّا يحصل، وتحديداً الصهيونية كون اليهود بمعظمهم مرتبطين بمنظماتها، وبالوكالة اليهودية.
يتذكر نادر تصريح رئيس حكومة اسرائيل نتانياهو منذ 5 سنوات مع بداية الأزمة السورية، وإشارته الى رفضه ما يحصل في الشام من كبت للحريات إضافة الى أمور أخرى، ليأتي على السريع تعليق لمدير عام المخابرات الإسرائيلية لينقض كلّ ما قاله نتانياهو، واضعاً ما يحصل بالوضع المستحسن.. يعقّب نادر شارحاً: ما يحصل في سورية نتائجه وانعكاساته ستستمرّ لمئة عام بأقل تقدير.. هذا الصراع امر ممتاز استراتيجياً بالنسبة لإسرائيل، والفرق بين الشخصية الأولى والثانية، أنّه بالأول نتانياهو يتحدث انطلاقاً من عاطفته والثاني ينطلق من المصلحة الإستراتيجية المخابراتية لإسرائيل.
البيئة العربية مهيأة للحروب
برأي نادر: كل ما يحصل ويدور في سورية، المستفيد منه الأكبر دولة اسرائيل. فاليوم جميع العرب والمسلمين نسوها تماماً، لأنّ جلّ تفكيرهم حالياً السنّة والشيعة في المنطقة ومناطق نفوذهما، إضافة الى انّ الحديث يتمحور حول “داعش” و”النصرة” وليبيا والعراق وخطر الإرهاب والنزوح والإسلاموفوبيا.. وهذا كلّه انطلاقاً مما سلف يضمن وجود اسرائيل في المنطقة الى أجل غير مسمّى..
عن المستفيدين الباقون من الأزمة السورية بحسب العميد نادر، هم صناع القرار في اميركا وروسيا، ومن خلفهم كبريات شركات الأسلحة، فهم يمولون الحروب في كل مكان، سواء للجيوش النظامية أو الميليشيات.. في ليبيا يتمّ بيع الجيش الليبي إضافة الى بقية الميليشيات، وكذلك في العراق وسورية.. البيئة المهيأة أكثر من غيرها لإحتضان السلاح هي البيئة العربية، كونها أكثر بيئة ديكتاتورية يعاني شعبها.. فما حصل في سورية لم يكن من فراغ أو لا شيء، هناك حكم صارم عمره 40 سنة. وإن كان بالشكل علماني، فالحكم متمركز بيد اقلية علوية ضمن ساحة سنية ذات أغلبية.
كما في العراق كذلك في سورية
بحسب نادر سورية التي تشهد خضمّ حرب عالمية على أرضها، لن تعود كما كانت حتى بالشكل برأيه، يقول: كما في العراق هكذا في سورية، بذور الفتنة السنية – الشيعية في اعلى مستوى. في بلاد الرافدين، سابقاً كانت أقلية سنية تتحكم بالأكثرية الشيعية، واليوم الصلاحيات انتقلت الى مجلس الوزراء الشيعي، ورئيس الجمهورية كردياً.. ورئيس مجلس النواب سنّي.. تماماً كالصيغة عندنا في لبنان. ففي شمال العراق هناك اقليم كردستان، وفي الجنوب اقليم للشيعة وفي الوسط يوجد الدولة المركزية، أمّا شرق وجنوب شرق العراق فهو للسنة.. وهكذا الجميع يتحدث عن العراق الموحّد بالشكل ولكنّه بالفعل يوجد فدرالية غير معلنة وواقعية، والجميع قابلٌ بها.
العرب نسوا فلسطين
بتقدير العميد نادر، سورية متجهّة الى نفس السيناريو، وان لم تظهر ملامحه اليوم، يقول: تلك الفدراليات التي ستنشأ في سورية والعراق والأردن، من شأنها ضمانة اسرائيل لحوالي 100عام، لأنها ستُصبح دولاً متناحرة، تستفيق على بعضها على الدوام باسم الدين. وهكذا يستفيق التاريخ مستذكراً الدماء، والعنف والتقاتل فيما بين الطوائف، والراسخة في الذاكرة الجماعية.. فالدم يغذّي الدم، والعنف وإن بردات فعله يغذّي العنف المضاد، وبأحسن الأحوال هذه الدول أو الدويلات الناشئة ستعيش هدنة مستترة فيما بينها متناسية الصراع الفكري مع اسرائيل كما الصراع لإستعادة أرض فلسطين.
برأي نادر، سياق وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الولايات المتحدة، يندرج في سياق ردّة الفعل العالمية على الموجة العارمة التي تعمّ العالم من “الإرهاب الإسلامي – السني”، فيما بالواقع هو إرهاب تكفيري أكثر ما قتّل من الإسلام هم من السنّة تحديداً، وبالعامية، “داعش” والقاعدة قتلت من السنّة أكثر ممّا قتل الرئيس الأسد وأبيه من السنة بمئة ضعف… وانطلاقاً مما سبق، من يكون العدو الأكبر للسنة غير القاعدة وداعش. ولكن مع الأسف بات الإسلام هوية للإرهاب لتخويف الشعوب. والمُستفيد من كل ما سبق ليس الإسلام بل اسرائيل.. يتابع نادر حديثه: الأمر الجيّد الوحيد من مجيء ترامب يتلخّص بالإعلان الرسمي العلني على محاربة التطرف الإسلام السني المتمثل بداعش والذي بوجوده دمّر أوّل من دمّر الدين الإسلامي قبل أي دين، والحضارة العربية قبل أيّة حضارة…
الفدرلة مشروع بطيء
نناقش نادر، عن امكانية تقسيم سورية في ظل اختلاط طائفي في الوسط والساحل، يقول: أغلبية الشعب السوري ضاق ذرعاً من الجميع، والآن يُخيّر الشعب بين النظام (السيء) وداعش (الأسوأ).. طبعاً لن يختاروا الثاني على الأول، ولكن ما إن يطلّ خيار آخر هو “الفدرلة” لن يقول الجميع “لا” لها.. لأنها خيار يناسب الجميع، طالما الدولة العلمانية الحقة بعيدة المنال، لا بل مستحيلة. وهذا هو المخطط برأيي.. نكرّر السؤال: ولكن الا يُصعب تحقيقه مع انتقال مئات آلاف السنة من الوسط الى الساحل السوري المحسوب على النفوذ العلوي.. يردّ: نحن لا نتحدث عن تحولات ديمغرافية صرفة، في الإقليم الكردي في العراق يوجد مسيحيون، ولكن النفوذ لهم، وهكذا بالنسبة لبقية الأقاليم في العراق، أمّا في سورية فالحرب لم تنتهي بعد أولاً، وعمليات النزوح قد يتمّ التعامل معها.. وهنا يمكن فتح الموضوع الى عمليات النزوح غير المضبوطة في لبنان، والتي تشكّل خطراً كبيراً على لبنان وصيغته الفريدة.. وحتى لا نستعرض برأيي الأميركي والروسي متفقين على فرض الحل الفدرالي في سورية، والمسألة تبدأ مع إقتناع الفريقين أنهما غير قادرين على فرض شروطهما. فالجيش السوري بعد إنهاكه، سيتمّ انهاك القوى الرديفة، كما أنّه سيتمّ انهاك المنظمات الإرهابية، وفي حينه سيطلّ الحل المنشود وفق استراتيجيات دول الكبرى، وطالما اليوم الكلمة للميدان، الميدان قال كلمته لا يمكن لأحد ربحها..
أزمة نظام
عن أزمة لبنان المُستدامة، رغم عودة الرأس الى هرم المؤسسات الدستورية في لبنان، يعتبر العميد نادر، أنّ الأزمة في لبنان يشار على الدوام الى عوارضها، ما نشهده أزمة نظام، والخروج منه له طريق واحد، السير بقانون نسبي يزيل الخطاب الطائفي، يقول: أين سواسية المواطنين تجاه القانون والأعراف الدستورية تسمو على الدستور نفسه بخطابها الطائفي.. ضرب الطبقة السياسية لن يصبح امر واقع الاّ بقانون انتخابي نسبي، اليوم نائب البترون أو النبطية لا يمكنهما بالفعل ان يكونا نواب الأمة وجزء صغير من الأمة ينتخبهم على سبيل المثال، ولكن نظرية “نائب – الأمة” لها وقعها إن سرنا بقانون لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية، او أقلّه لبنان بدوائر موسعّة، لأنه في حينه سيخمد الخطاب الطائفي.. كما أنّه بالنسبية ستشعر الأقليات داخل كل الطوائف أنّه سيُعبر عنها. وهذا ما يحمي لبنان طوائفياً من الخارج كما من الداخل، ففي الشيعة يوجد حتماً 20% ضدّ الثنائية الشيعية المتمثلة بحزب الله وحركة أمل، ولدى السنة يوجد 30% بأقل تقدير خارج منظومة المستقبل، ولدى المسيحيين والدروز يوجد حوالي 35% خارح ثنائية التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية وآحادية آل جنبلاط.. هكذا النظام النسبي من شأنه حماية الكلّ.. من شعور تحكّم طائفة على اخرى، ومن شعور جنوج داخل كل طائفة، وفي حينه نحمي الميثاق من دون الإحتماء به..
كتاب.. هدية للأجيال للتحسين والإنطلاق نحو الأفضل
عن الكتاب الذي وقعّه العميد نادر “هذا أنا.. جورج نادر” لا يصنّفه الجنرال في سياق “المذكرات” كونه يشير الى حقبة وحالة أمنية سياسية عاشها من سنة 1980 وحتى اليوم.. في الجزء الأول يشير الى انطلاقة مسيرة حياته المدنية والإجتماعية والظروف المعيشية الفقيرة التي عاناها في بلدته “القبيات”، ليقول لشباب اليوم أنّه اليوم مع تأمين كلّ ما تحتاجونه من رفاهية وتعليم، ما عليكم الاّ النظر الى الأمام.. في الجزء الثاني يتحدث العميد نادر عن خبرته العسكرية، سيما بخوضه الحروب للدفاع عن لبنان، فيؤكد أنّ التقاتل الداخلي يضرّ بالجميع، وأنّه في غمارها لا يوجد من منتصر، فمن هم مولعون بالسلاح والقتال من الشباب أدعوهم الى تنمية شغفهم بالدخول الى المؤسسة العسكرية، فالجيش اللبناني بحاجة الى دم جديد، ففي المؤسسة العسكرية تُقاتل بشرف، وتأكل لقمتك بشرف، وتعيش بشرف، وذلك أفضل من الذهاب الى ميليشيا او أي حزب، ولأنّه وإن احتميت بطائفتك، سيتكون تلقائياً أحزاب وميليشيا مقابلة، اما في الجيش اللبناني لا عدو لك سوى الخارج العدو الرابض على الحدود والإرهاب العالمي..
في الجزء الثالث من الكتاب يشير العميد نادر الى بعض الأخطاء العملانية، يضيء اليها بنقد وعقلانية، ليضعها بتصرّف رفاق السلاح للإستفادة منها..
أمّا لوني الأبيض والأسود المنعكسة على شخصه في غلاف الكتاب، يشير الى الوجه القاتم والمضيء داخل كلّ منا… والأكيد المحتوم أنّ البياض الناصع الذي يشعّ من وجه “جورج نادر” سيستمرّ اشعاعه من خلال الأجيال الآتية.. في الختام لا ينسي العميد شكر أصدقائه الإعلاميين ميشال نصر وشانتال داغر والسيد جاد دانيال. لما بذلوه من دعم وجهد ليكون الكتاب في متناول القراء واللبنانيين.