أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


عن “تدعّش” حزب الله… حكاية لا بدّ من ذكرها

ابراهيم درويش  –
في قرية اسمها جرجوع رسمها الله بين الارض والسماء، لم تنجح سنوات ما بعد الاحتلال في محو الوحشية الاسرائيلية التي ما كانت توفر فرصة لتصب حمم حقدها على عشرات الآمنين في منازلهم.
من على شرفاتهم كان يمكن للاهالي ان يشاهدوا عناصر المقاومة في حركة ناشطة قبل توجيه ضربة موجعة الى العدو الاسرائيلي.
نجحت اسرائيل مرات عدة في احراق مساحات سجد الخضراء، لكنها حتماً لم تنجح في محو خطوات المقاومين تقتحم تحصينات العدو من عمليات نوعية، الى ان زرعت الطمأنينة في افئدة اهلها.
للسائلين عما يمكن ان يجعل هذه القرية مادة لمقال، والجواب بسيط لجهة ان جرجوع لطالما شكلت نموذجاً في العيش المشترك والانفتاح والرقي والتحضر، فهناك في وسط البلدة يتقاسم الجامع والكنيسة المساحة المشتركة، يتكئان على بعضهما البعض، من دون ان يتعب اي منهما من الآخر.
في جرجوع اجتمع مجموعة من شبان البلدة وتحلقوا حول مجموعة من الافكار الاجتماعية، الى ان حصلوا على علم وخبر وزارة الداخلية، وبدأوا العمل تحت اطار جمعية حملت اسم “مجال”، وشرعت بالتنسيق مع المجلس البلدي الذي كان يرأسه ممثل عن حركة امل، سهل عملها واحتضنها ومدّ لها يد العون.
انتهت ولاية رئيس البلدية الممثل لأمل بعد ثلاث سنوات على انتخابه، وانتقلت ولاية رئاسة المجلس الى حزب الله، وكان لا بد للجمعية من التعاطي بحذر، فبعض نشاطاتها تتضمن اعادة احياء للفولكلور القروي القديم، وحلقات الدبكة التي ترى فيها تراثاً لا يجب التفريط به، في ظل الوجهة الدينية الملتزمة لحزب الله.
اجتمعتُ وأعضاء من الجمعية برئيس البلدية الجديد، ووضعناه في اطار توجس الجمعية وتخوفاتها من عدم استعياب الحزب لنشاطاتها، على الرغم من دور الجمعية الملتزم ثقافيا وترفيهيا واجتماعياً، وسعيها الى ملامسة النخبوية في التعاطي والافكار والنشاطات الهادفة، ومن باب أمانة النقل وعدم اخفاء الحقيقة، لا بد من نقل الجواب الرسمي الذي استحصلنا عليه “نحن نؤمن بالعمل المدني والاجتماعي وخصوصاً في القرى… لنا ضوابطنا الشرعية حول الموسيقى… لا نشارك ولا نمنع”.
ست سنوات مرت على انطلاقة الجمعية في قرية نائية، وهي تتعامل مع ممثلَي الطائفة الشيعية بسلاسة تامة، وتتابع عملها اليوم في كنف مجلس بلدي على رأسه حزب يتمتع بتمثيل شعبي واسع، ولاعب مفصلي في القرار السياسي اللبناني، وبحوزته ترسانة عسكرية تخطت الحدود اللبنانية، وفي كل سنة تتكرر الحفلات التراثية المتضمنة لحلقات الدبكة التراثية، حيث تشتبك ايادي الخير القروية على حب القرية، لا يحضر الحزب نعم، لكنه لم يتدخّل يوماً في مسار اي نشاط للجمعية، ولم يحرمها موافقة المجلس البلدي على تنظيم نشاطاتها.

 

في دار الكنيسة في وسط البلدة، تحيي الطائفة المسيحية احتفالاً سنوياً، يحضره ابناء البلدة، يرقصون فيه، بعض المسلمين والمسيحيين يشربون المشروبات الروحية، من دون أن يتدخل أحد في احتفالهم.
اكتب اليوم، ليس بهدف الدفاع عن حزب الله، بل انطلق من شهادة حية لواقع، اكون شاهد زور ان لم اسجله، منطلقاً من مقاربة موضوعية لحزب بات، شاء من شاء وابى من ابى، يشارك في مسار السياسة في المنطقة، ولم يحاول التفرد بالامساك بزمام الحكم في لبنان، وآخر جواب كان في التمسك بوصول العماد ميشال عون الى بعبدا، قبل ان يتبنى ترشيحه باقي المكونات السياسية في البلد.
لن ادخل في تفاصيل ما حصل في الجامعة اللبنانية، بعد كل ما استحصل عليه الموضوع من مساحات اهتمام الكتاب ووسائل الاعلام، وفتح الشهية امام المتربّصين لتوزيع تهم “التدعّش”، مع تأييدي الكامل لاحترام الحريات المكفولة في الدستور والقوانين اللبنانية، والرفض التام لمحاولات الاستثمار المجانية، بما يحيد الموضوع عن منحاه الحقيقي، لا سيما في ظل العناوين العريضة التي استخدمت: “حزب الله يسكت فيروز”… وحزب الله يكره فيروز التي تحب امينه العام، كما قامت احد القنوات ببث اغنية فلسطينية بصوت السيدة فيروز، في محاولة لدغدغة العواطف حول ان حزب الله يحجب اغاني القضية الفلسطينية، وفي ظل منصات الهجوم الجاهزة لاقتناص الفرص للانقضاض الشامل على هذا الفريق السياسي، ومحاولة العزف على اي هفوة وتضخيمها، “من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر”.

المصدر: ليبانون فايلز