حسان الحسن-
في ذكرى إنتصار المقاومة على الإحتلال في عدوان تموز 2006، ثم في عملية فجر الجرود على المسلحين التكفيريين في سلسلة الجبال الشرقية في العام 2017، يستذكر رئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود، أبرز الأحداث التي رافقت صعود نجم هذه المقاومة، كذلك المؤامرات التي حيكت ضدها في آن معا، وإنطلاقا من تجاربه، خلال وجوده في قيادة الجيش ثم رئاسة الجمهورية، يقارب فخامة المقاوم، اللقب المفضل لديه، الوضع الراهن والمستقبلي، آملا من الأجيال الصاعدة، التوقف عند بعض المحطات والمواقف التاريخية، التي أسهمت في حماية سيادة لبنان، وسلامه الأهلي، وحقه في مقاومة الإحتلال، و تحرير الأرض، خصوصاً في ضوء الضغوط الأميركية المالية على لبنان. ويؤكد أن المؤامرة على المقاومة مستمرة، وستستعر في ضوء إنتصارات الجيش العربي السوري، متخوفاً من إستهدافها من الداخل اللبناني، بعد فشل المؤامرة على محور المقاومة على الأرض السورية.
ويذّكر لحود أنه منذ إستعادة عرسال في العام 2017، قالها على شاشة المنار، ” ان القصة لم تنته، بل بدأت منذ الآن”، و ياللمصادفة، يسأل لحود: ” ماذا يفعل أكثر من مليون ونصف نازحٍ مجهولي الهوية في لبنان، وما هو دورهم المستقبلي، ولماذا كل هذه الغيرة من الدول الشريكة في الحرب على سورية على هؤلاء النازحين، وهل حقاً جميعهم من التابعية السورية، وهل دقق الرئيس ميشال سليمان في جوازت سفرهم وهوياتهم، ومن يؤكد أنه ليس فيهم قوقاز وما شاكل، أو حتى جواسيس إسرائيليين” ؟
بالإضافة الى ذلك يرتكز الرئيس الأسبق في تحليله هذا، الى لجوء الولايات المتحدة للضغط على لبنان بالعقوبات المالية، كما يحدث راهنا، بالتالي السعي الى ترهيب حلفاء المقاومة، في محاولة لعزلها عن بيئتها الحاضنة، لكن الأميركيين لم ولن يلقوا نتيجةً، مذكراً بتهديد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة له مادلين أولبرايت، غداة الإنسحاب الإسرائيلي غير المكتمل من جنوب لبنان في العام 2000، ورفض لبنان الإملاءات الأميركية الداعية الى الإعتراف بالإنسحاب الكامل حيث بقي 18 مليون متر مربع تحت الإحتلال، يومها أقفل لحود الهاتف في وجه رئيسة الدبلوماسية الأميركية، وقال لها: “إنها الرابعة فجراً، أني ذاهب الى النوم”. ويسأل العماد الرئيس: “هل نالوا من عزيمتنا، أو تمكنوا من إجبارنا على التخلي عن سيادتنا”؟
كذلك الأمر بالنسبة للتهديد الذي تلقاه من السفارة الأميركية في بيروت، بإستهداف الطيران الحربي الإسرائيلي موكب رئيس الجمهورية، في حال قصد نهر الوزاني في الجنوب، على أثر، قرر لحود عدم ترؤس جلسة مجلس الوزراء، حيث ذهب الى الوزاني وشرب منه، ولم يحدث شيئ.
ويعتبر فخامة المقاوم أن المؤامرة على المقاومة ودورها، لم تنته فصولها بعد، خصوصاً غداة الإنتصارات المتتالية في سورية، ويعود بالذاكرة الى العام 1991، يوم صدر قرار عن مجلس الوزراء، بإستعادة منطقة شرق صيدا، ومنع السلاح المتفلت فيها، تحديدا الفلسطيني منه، والإنتشار في الجنوب، فقد إعتاد السياسيون في حينه إصدار “قراراتهم”، قبل يومين من توقيت بدء التنفيذ، لإرباك الجيش، وتحمليه المسؤولية، في حال فشل في تنفيذ تلك “القرارات”.
ويلفت الى أنها” كانت لنا أول تجربة بعد دمج الجيش، ووضع عقيدته الوطنية، يومها رفض العميد وهبة قاطيشا (النائب القواتي الراهن ) المشاركة بالمهمة، مبديا تخوفه من إمكان بروز حالات إنشقاق في الجيش، كما حدث إبان الحرب اللبنانية.
ويشير لحود الى أن رئيس الجمهورية الياس الهرواي، طلب منه التراجع، فلم يقبل قائد الجيش إلا بصدور قرار معاكس عن مجلس الوزراء، لكن هذا القرار المعاكس لم يصدر، فأعطى القائد الأوامر ببدء العمليات والإنتشار في شرق صيدا، وشدد في حينه على الضباط قادة العملية، ألا عودة الى الوراء، مهما بلغت الأثمان، وعلى الأثر ضرب المسلحون طوقا على مساكن الضباط في محيط صيدا، وهددوا بقتل النساء والأطفال، فكان الرد أن قصف الجيش هؤلاء المسلحين بمدافع “الهاون”، وأجبرهم على التراجع، وبعد مضي ساعة، أرسل الشيخ رفيق الحريري، الى لحود، موفدا من قبله، هو العميد محمد فرشوخ، الذي شغل لاحقا منصب مساعد مدير المخابرات، يقول العماد:
“يومها حمل لي رسالة من الحريري، يطلب فيها عدم تقدم الجيش نحو المخيمات، وكان المقصود إبقاء الجنوب، “بقعة فوضى”، ينتشر فيها السلاح المتفلت، وتصويرها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، أنها منطقة خارج سلطة الدولة، وبالتالي عدم التفريق بين سلاح المقاومة والسلاح غير الشرعي، “وهيك بروح الصالح بعزى الطالح”، وقد تعطى الأوامرالخارجية للمسلحين بالهجوم على المقاومة، بتآمرٍ داخلي، فتستريح “إسرائيل”، وعندها يسهل إستهداف هذا السلاح، بذريعة “ضب السلاح المتفلت”، ودائما برأي الرئيس الاسبق. الذي توجه بالسؤال الى فرشوخ وقتها: “هل تأخذ أوامرك من الشيخ؟”.
وتابع الجيش التقدم في إتجاه مساكن الضباط، ويقول قائد الجيش الأسبق :”لن أنسى في حينه أن الهرواي إستدعاني وقال لي: “لقد إشترينا زخيرة من (القوات اللبنانية)، سنرسلها لك، قبل أن ترسلها الأخيرة الى يوغوسلافيا، لقد دفع ثمنها الحريري”، ويضيف: “رفضت رفضا قاطعا هذا العرض الميليشيوي، وفي اليوم الثاني، جاء دعم لوجستي كبير من الجيش العربي السوري، شاحنات محملة بالذخيرة من دون طلب مني، نجحت العملية وإنتشرنا في الجنوب، وأمرت قادة الوحدات المنتشرة في المنطقة، تسهيل عمل المقاومة، خلافا للأوامر السابقة، (أي قبل تسلمي القيادة)، فكانت تلك الأوامر، تطلب من الجيش توقيف أي مسلح يوجد في بقعة إنتشار القوات التابعة الى الأمم المتحدة، وتسليمه للمخابرات”.
ويتابع: “بعدها طلبني الهرواي، في وجود غازي كنعان، وقال لي “يا إميل دعمك هذا لحزب الله سيورط لبنان، ففي حال قام الحزب بعملية ضد “إسرائيل”، بدورها قد تستهدف لبنان وليس الحزب، فتدخل كنعان قائلا: “معليش أنت عودك طري، طول بالك شوي، فكان ردي:”مش عاجبكم شيلوني من منصبي”.
وعلمت بعدها أنهم إشتكوا علي عند الرئيس حافظ الأسد، غير أن هذه الشكوى زادت لديه منسوب ثقته بي، من دون أن تربطني علاقة أو حتى معرفه به.
وهكذا دواليك، وفي العام 1993 لولا موقف قائد الجيش في حينه، ولولا دعم الأسد، لكانت إنتهت المقاومة في غضون ساعتين، ولاينسى الرئيس لحود يوم وضعوا خريطة لإنتشار الجيش في الجنوب، من أجل القضاء على المقاومة، بل طلبوا حرقها بواسطة “lance flame”، الذي يستخدم لحرق العشب وما شاكل، بحسب أوامر الحريري، يومها فضل لحود الإستقالة من قيادة الجيش على أن ينفذ هذه الأوامر المشبوهة. والدافع الوحيد لإتخاذه قرار دعم المقاومة وحمايته، هي قناعاته الوطنية بدورها، رغم حجم الهجوم الكبير والمؤامرات التي كانت تحاك ضدها، ولكن بالإرادة الحرة، والعزم والتصميم، تحقق النصر التاريخي في أيار من العام 2000، وفي تموز2006، ثم فجر الجرود في العام 2017.
ويلفت رئيس الجمهورية الأسبق، أنه كان يبتعد كل البعد عن الإعلام ولا يتحدث الإ مرة واحدة في السنة، إبان توليه قيادة الجيش، ووجوده في سدة الرئاسة الأولى، ولم يطل على وسائل إلا بعد محاولة تطويقه من “السياديين الجدد”، وجلّ ما يسعى إليه اليوم، هو التأكيد للأجيال الشابة، أنكم أنتم أصحاب القرار، ويقول: “ما في باب عالي اليوم”. ويختم بالتوجه إليها، بهذا النداء: “ما دمتم أصحاب حق، لا تخافوا من أعتى قوة في العالم”.