أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


تسلّل العصر الجديد في الكنيسة.. “التنمية البشرية” مؤسسه مركزه هدفه تحقيق الذات بوساطة العُري والرؤى و”العلاجات اللطيفة”

– ترويج للمخدرات ولعقاقير هلوسة بعناوين جذّابة تنادي بالأخوّة العالمية، وبلايين الدولارات لنشرها باسم العلم.. (جيزل فرح طربيه – ar.zenit.org)

* *

قبل أن نطرح الإشكاليات الكثيرة لحركة التنمية البشرية، بحسب لاهوتيين وإكليروس إختصاصيين من الكنيسة الكاثوليكية من جهة، وعلى ضوء رسائل وإرشادات بابوية من جهة أخرى، نوّد التكلّم عن ظروف نشأة هذه الحركة ضمن تيّار العصر الجديد والمراكز والأشخاص الذين روّجوا لها وساهموا في انتشارها.

في البداية، يمكننا أن نصنّف “حركة التنمية البشرية“ كمظهر من مظاهر مايسمّى بـ”الثقافة المضادّة”[1] Contre –Culture التي نشأت في تيّار العصر الجديد وجاءت كردّة فعل على ثقافة القرن الماضي. من أهم المراكز التي ولدت فيها هذه الحركة، مركز إيسالن “Esalen Institute” في بيغ شور في كاليفورنيا.

تأسّس هذا المركز التابع لتيّار العصر الجديد، سنة 1962 كمركز متخصّص للرياضات ودورات التنشئة في التربية الإنسانية “البديلة”، وفيه تبلور ما يعرف بحركة تنمية القدرات البشرية “Human Potential Movement” وأسّسه شخصان هما (مايكل مورفي Michael Mac Murphy 1930 – وديك برايس Dick Price) بهدف تحفيز برامج بديلة تطوّر الوعي الإنساني، وصفَه ألدوس هاكسلي بتنمية الإمكانيات الإنسانية.

نقرأ في وثيقة “يسوع المسيح الحامل الماء الحي” (فصل7، فقرة3): “إنّ هدف المركز الأساسي هو الوصول إلى تحقيق الذات بوساطة العُري والرؤى و”العلاجات اللطيفة” (إحدى تسميات المعالجات الطبية البديلة). وإذ أصبحت بيغ شور واحدًا من أهمّ مراكز “حركة القدرات الإنسانية الكامنة”، نشرت أفكار الطبّ الكُلياني Holistic؛ [2]؛ في عالم التربية والسياسة والإقتصاد، من خلال دورات في الديانات المقارنة، الميثولوجيا، التصوّف، التأمّل (الشرقي الآسيوي تحديدًا)، العلاج النفسي، توسيع الوعي، إلخ. وهو مع مركز فيندهورن Findhorn من أهم مراكز تنمية “وعي الدلو”…

بالفعل، لقد جمع هذا المركز تعاليم “إنتقائية” من كلّ جنب وصوب: من تعاليم ديانات الشرق الأقصى وفلسفاتها، وسائل من الطب البديل، ممارسات عرافة وتنجيم وخفائية، تقنيات نفسية بديلة مثل الجستالت والسوفرولوجي والتاسوعية، تأمّلات شرقية كاليوغا، إهتمامات بيئية، حميات غذائية نباتية للطاقة، … فجذب إليه عدداً كبيراً من علماء النفس والمعالجين النفسيين والمفكّرين والفنّانين وعلماء الفيزياء وغيرهم.

وقد تبيّن لنا، من خلال الأبحاث التي نقوم بها، أنّ أغلب المروّجين لبعض التقنيات التي تنتشر الآن بقوّة في بعض المراكز الكاثوليكية، لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمركز إيسالين. منهم مثلاً هيلين بالمر Helene Palmer التي روّجت للتاسوعية Enneagramm؛ [3]؛ وهذه قد أشارت إليها وثيقة “يسوع المسيح الحامل الماء الحيّ” “كأداة لها جذور إيزوتيريكية لتحليل الشخصية بحسب تسعة أصناف، ويخشى أنّه “متى استعملت أداة للنموّ الشخصي، يدخل التباساً في العقيدة وممارسة الإيمان المسيحي” (الفصل 1، فقرة 4، من الوثيقة). سنتكلّم عن كلّ هذه التقنيات بالتفصيل في مقالات لاحقة إن شاء الله ونشير إلى إشكالياتها بحسب مراجع كنسية كاثوليكية.

من الأسماء المعروفة في مركز إيسالين، نذكر مثلاً ألين واتس Allen Watts ؛(1915-1973)؛ وهو لاهوتي من جامعة فرمونت متخصّص في الزن [4] وله أبحاث حول مفاعيل المواد النفسية المخدّرة، بول تيليك Paul Tillich (كاتب وفيلسوف ولاهوتي بروتستانتي ألماني أميركي) ، أبراهام ماسلو Abraham Maslow (مؤسّس علم النفس الإنساني)، كارل روجرز Carl Rogers (مخترع مبدأ éLa non- directivit في التربية)، كارلوس كاستانيدا Carlos Castaneda (كاتب أميريكي دكتور في الأنتروبولوجيا، إهتمّ بتقنيات توسيع الوعي ومارس الشمانية).

يصرّح مؤسّسو هذا المركز أنّهم يشجّعون النموّ الباطني للفرد ويسعون إلى نوع من النهضة الروحية، من خلال خلط تقنيات قديمة من ديانات الشرق الأقصى باكتشافات التكنولوجيا المعاصرة. في هذا المركز ولدت تحديداً “حركة التنمية البشرية” التي تهدف إلى تنمية القدرات من أجل تحرير الجسد والنفس من كلّ المؤثرات الإجتماعية الثقافية والتربوية، بواسطة تقنيات تفعيل الخيال والإبداع، وتوسيع الوعي. لتصبح هذه الحركة من أهمّ وسائل ومكوّنات تيّار العصر الجديد. من بعض عناوين الدورات التي تنظّمها: إكتشف القدرات الخفية فيك، حرّر قواك اللامحدودة، وما شابه. ولتيّار العصر الجديد مراكز أخرى مثل فيندورن Findhorn؛ [5]، لوسي تراست Lucis Trust؛ [6]، تجمّع رينبوي Rainbow Gathering ، مونتي فريتا [7] Monte Verità وغيرها.

ترافق مع تأسيس وعمل هذه المراكز التي أطلقت تيّار العصر الجديد، وضمن ما يوصف بتيّار الثقافة المضادّة Contre Culture ، وضمن الإطار نفسه الذي يهدف إلى توسيع الوعي، لكن عبر الترويج للمهلوسات والمخدّرات النفسية، عمل أشخاص مثل الساحر والخفائي أليستر كراولي Aleister Crowly؛ (1875-1947)، الذي أسّس ديانة ثيليما Thelema التي تشجّع على الإباحية وتعاطي المخّدرات من أجل التواصل مع الملائكة وهو الذي ألهم فيما بعد أنطوني لافي Anthony Lavey مؤسّس عبادة الشيطان.

كذلك ألدوس هاكسلي Aldous Huxley؛ (1894-1963)، مع أستاذ علم النفس من جامعة هارفرد تيموثي ليري Timothy Leary؛ (1920-1996)، الذي اعتنق الهندوسية وأطلق حركة الهيبيز، وفي خضم حرب فيتنام قاموا بأبحاث عن المخدّرات والعقاقير الهلوسة وشجعوا على تعاطيها. تمّ الترويج لكلّ هذه الممارسات، تحت عناوين جذّابة تنادي بالأخوّة العالمية، وإعادة التوازن النفسي الداخلي ومع الآخر والطبيعة. في الوقت عينه عرضت أوبرا هير Hair التي ردّدت في إحدى أغنياتها: “انسجام، ولاء، شفافية، تعاطف، نور وحق، لا أحد ينزع الحرية… لا أحد يُسكت الروح، الصوفية ستكشف لنا الألوهة وسيتعلّم الإنسان من جديد كيف يفكّر، الدلو! الدلو!” ( إشارة إلى عصر الدلو الذي يبشّر به العصر الجديد، وهو يتميّز بالسلام العالمي والتضامن الإنساني والوئام والانسجام والتنوّر الشخصي على عكس عصر السمكة الذي سبقه والذي بشّر بالمسيحية).

كما قام ألين واتس بالتعاون مع د. كيث ديتمان Keith Ditman بأبحاث حول “المفاعيل الصوفية” للعقاقير المخدّرة. أيضًا نشر كارلوس كاستانيدا سنة 1968 كتاب بعنوان: “تعاليم دون جوان” The Teachings of Don Juan وهي أطروحة الدكتورة التي قدّمها في العلوم الإنسانية والتي يروّج فيها لاستعمال الفطريات المهلوسة من “أجل بحثٍ صوفي في الكائن الباطني” وهو مرجع مهم في أدب العصر الجديد.

نذكر أيضاً ستانيسلاف غروف Stanislas Grof مؤلّف كتاب “ما بعد الدماغ” Au-delà du cerveau وهو مرجع أساسي لعلم النفس عبر الشخصي Psychologie Transpersonnelle ، حاول هذا المعالج النفسي المعروف دوليًا، استطلاع مستويات الوعي المعدّلة Etats de conscience modifies بواسطة المواد الطبية النفسية بالإضافة إلى المخدّرات. لكنّه ترك أبحاثه مرغماً سنة 1976 لأنها غير شرعية. وهو الذي ابتدع التنفّس الهولوتروبيك الكُلياني Holotropique الذي يمزج فيه التنفّس بالاسترخاء مع الموسيقى الهادئة. بهدف توجيه الوعي نحو حالة مُعاشة “كُليانية”.

تواجه حركة التنمية البشرية انتقادات كثيرة من علماء إجتماع وعلماء نفس وباحثين لعدّة أسباب خصوصًا بسبب عدم جدّيتها وفاعليتها وعدم ارتكازها على أسس علمية. مثلاً في سنة 2005، انتقد ستيف ساليرنو Steve Salerno حركة التنمية البشرية في أميركا، وقال أنّ لا فاعلية لها وهي خطيرة إجتماعياً لأنها موحاة من تيّار العصر الجديد. وأشار إلى أنّ الأميريكيين يصرفون حوالي 8 بلايين دولار على برامج ومنتجات التطوير الذاتي والتنمية البشرية. و أنّ 80% من متابعي التنمية البشرية هم من المداومين الأوفياء حتى ولو لم يتقدّموا فيها، لأنّ من يقرأ مؤلّفات التنمية البشرية وتطوير الذات، يصبح من المدمنين عليها. وهي لا ترتكز على أسس علمية بالرغم من استعمالها لمصطلحات تبدو بالشكل علمية. [8]

لمجد المسيح

يتبع..

[1] هو تيار ثقافي يجمع عدّة مظاهر ثقافية، ومجموعة من القيم والمبادئ لجماعة معيّنة، يظهر في مرحلة معينة من الزمن وهويتناقض ويعاكس ثقافة المرحلة التي يظهر فيها.(مثل ما حصل تحديدًا في سبعينيات القرن الماضي، حركة الهيبيز، الثورة الجنسية، الحركات النسوية،…)

[2] الكليانية: مفهوم أساسي لتغيير النموذج. الانسانية فيه جزء من شبكة شاملة تتناغم فيها العناصر كلها الانسان والحيوان والطبيعة وحتى الارض(غايا) بإيحاء من الاعتقاد بالحلولية ووحدة الوجود المأخوذة عن ديانات الشرق الاقصى..

[3] تعطي وثيقة يسوع المسيح الحامل الماء الحي تحديدًا للتاسوعية في معجم في الفصل السابع، وتقول إنها رسم بياني مكون من دائرة يحوي محيطها 9 نقاطتقسمه إلى 9أقواس من 40 درجة. يجري وصل

[4] الزن في اليابانية zen، في الصينية chan، كلمة سنسكريتية تعني التأمل، وهي حركة من أصول بوذية أدخلت إلى اليابان من الصين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر،

[5] فيندهورن جماعة زراعية كليانية أنشأها بيتر وإيلين كادي، وقد نجحت في تنمية نباتات ضخمة بطريقة غير مألوفة. منذ سنة 1965 أصبحت علماً مهماً في الحركة المسمّاة العصر الجديد. وهي تمثّل المثل العليا لدى هذه الحركة في التغيير والبحث عن وعي عام، التناغم مع الطبيعة، رؤية عالم متبدّل، .. وقد أوحت لظهور فرق اخرى مثل البدائل Alternatif ومؤسسة المركز المفتوحOpen Center وأوميغا في نيو يورك” (فصل 7، فقرة 3، من وثيقة يسوع المسيح الحامل الماء الحي)

[6] كان اسمه قبلاً لوسيفر تراست او مركز لوسيفر، ثم تغير الاسم حتى لا تكشف أهدافه الحقيقية.

[7] جبل الحقيقة: هي جماعة طوباوية مركزها قرب أسكونا في سويسرا وهي منذ القرن 19 مكان لقاء الاعضاء الاوروبيين والاميركيين للثقافة المضادة في مجالات السياسة وعلم النفس والفن والبيئة … هدفها خلق ديانة عالمية مندمجة”(فصل 7، فقرة 3 من الوثيقة السابقة نفسها)

[8] Steve Salerno,Sham: How the Self-Help Movement Made America Helpless, Forum crown ed. 2006