– ليست وثيقة مصالح شخصية لتسقط عند أوّل منعطف
– لها واستراتيجية مستقبلية لأنها تُعيد تأسيس حياةٍ وطنيةٍ نشأت منذ14 قرنًا، بين مجموعتين بشريتين مضطهدتين سكنتا جبال لبنان هربًا من الظلم الروماني ومن يوستنيانوس وحُكم بني أميّة.
– لها واستراتيجية مستقبلية لأنها تُعيد تأسيس حياةٍ وطنيةٍ نشأت منذ14 قرنًا، بين مجموعتين بشريتين مضطهدتين سكنتا جبال لبنان هربًا من الظلم الروماني ومن يوستنيانوس وحُكم بني أميّة.
– أوهام صحفيين
أ.د. جورج زكي الحاج
قبل افتتاحية السفير للأستاذ طلال سلمان، ومنذ مدةٍ وأنا أسمع على بعض وسائل الإعلام اللبنانية، التي دأبت على إبقاء النار مستعرةً، ومن بعض “المحلّلين” الجهابذة الذين أهلكوا اللبنانيين منذ سنوات بتغذيتهم الانقسامات السياسية والطائفية، ومعظمهم لا يفقه من الفكر السياسي شيئًا… كنت أسمع تركيزًا على خلافاتٍ ستحصل، وانقساماتٍ بدأت، وعن ضرب التحالف بين التيَّار الوطني الحر وحزب الله، وتحديدًا بين رئاسة الجمهورية وقيادة الحزب، ويرتكز هؤلاء المحلّلون على أمورٍ هي هوامش، ولا قيمة لها في الحياة السياسية بعامة.
في كتابي “صباحلت الخميس”، الذي قدّم له العماد ميشال عون، والذي هو مجموعي تعليقاتي السياسية الأسبوعية عبر أثير إذاعة “صوت الغد” يوم كانت ناطقةً باسم التيَّار، وبتاريخ الخميس السابع من شباط في العام 2008، وتحت عنوان “صار عمرا سنتين، وعقبال الميه”، تكلمت على ورقة التفاهم التي أُبرمت بين الكبيرين، والتي كنت قد أشرت لها قبل حصولها في كتابي “عودة الحق” الذي تزامن مع عودة الجنرال من المنفى، ويومها كان جهابذة السياسة يقولون بولادة الوثيقة ميتة، ويتنبأون بسقوطها يومًا بعد يوم… قلت في تعليقي يومها بالحرف الواحد: “…ورقة التفاهم وُلدت لتبقى… وستبقى رغم أنوف الكارهين… ونحن أبناء المناطق البعيدة نعرف طعمها ونُدرك قيمتها، ونعرف حاجة اللبنانيين إليها، وسنحافظ عليها مهما كان الثمن غاليًا، لأنّ الحفاظ عليها هو الحفاظ على الوطن والكيان.”
قبل افتتاحية السفير للأستاذ طلال سلمان، ومنذ مدةٍ وأنا أسمع على بعض وسائل الإعلام اللبنانية، التي دأبت على إبقاء النار مستعرةً، ومن بعض “المحلّلين” الجهابذة الذين أهلكوا اللبنانيين منذ سنوات بتغذيتهم الانقسامات السياسية والطائفية، ومعظمهم لا يفقه من الفكر السياسي شيئًا… كنت أسمع تركيزًا على خلافاتٍ ستحصل، وانقساماتٍ بدأت، وعن ضرب التحالف بين التيَّار الوطني الحر وحزب الله، وتحديدًا بين رئاسة الجمهورية وقيادة الحزب، ويرتكز هؤلاء المحلّلون على أمورٍ هي هوامش، ولا قيمة لها في الحياة السياسية بعامة.
في كتابي “صباحلت الخميس”، الذي قدّم له العماد ميشال عون، والذي هو مجموعي تعليقاتي السياسية الأسبوعية عبر أثير إذاعة “صوت الغد” يوم كانت ناطقةً باسم التيَّار، وبتاريخ الخميس السابع من شباط في العام 2008، وتحت عنوان “صار عمرا سنتين، وعقبال الميه”، تكلمت على ورقة التفاهم التي أُبرمت بين الكبيرين، والتي كنت قد أشرت لها قبل حصولها في كتابي “عودة الحق” الذي تزامن مع عودة الجنرال من المنفى، ويومها كان جهابذة السياسة يقولون بولادة الوثيقة ميتة، ويتنبأون بسقوطها يومًا بعد يوم… قلت في تعليقي يومها بالحرف الواحد: “…ورقة التفاهم وُلدت لتبقى… وستبقى رغم أنوف الكارهين… ونحن أبناء المناطق البعيدة نعرف طعمها ونُدرك قيمتها، ونعرف حاجة اللبنانيين إليها، وسنحافظ عليها مهما كان الثمن غاليًا، لأنّ الحفاظ عليها هو الحفاظ على الوطن والكيان.”
لا شكّ في أنّ الذين يُبشّرون بخلافٍ سيقع بين الفريقين المذكورين باتوا معروفين، ولغاياتٍ لم تعد خافيةً على أحد، وبخلفية طفولية في السياسة.
ولا شكّ في أنّ الرهان على هذا الخلاف موجودٌ في أذهان بعض أبناء الطائفتين المتفاهمتين، الذين لم ينضج عندهم بعد الحس الوطني لا الطائفي.
ولا شكَّ في أنّ المنتفعين من هذا الخلاف هم الذين اعتادوا على الانقسام والتقاسم، وعلى الوطن/ المزرعة، وعلى مبدأ العصابات ولو هلك المواطنون جميعهم.
ولا شك في أنّ المروّجين لهذا الخلاف يُضمرون النيّة السيّئة للحكم نفسه، وهو يريدون إعاقة مسيرته، رغم أنهم هلّلوا ، في وقت ما، لإيصال العماد عون إلى سدّة الرئاسة.
لكنّ الذي لا شك فيه هو جهلهم قراءة الرجال ومواقفهم، وجهلهم تركيبة شخصيتيّ العماد والسيّد.. لأنهم اعتادوا على نمطٍ معاكسٍ من الرجال على مدى الحياة السياسية في لبنان، وعلى سياسيين هم لوالب في قراراتهم، بحيث ينامون على ولاء، ويستيقظون على ولاءٍ آخر… ولو أنهم راجعوا أقوالهم وتصريحاتهم على مدى سنةٍ واحدةٍ فقط، لأدركوا كم هم كذّابون، وبئس سياسة الكذّابين.
إنّ وثيقة التفاهم هذه ليست وثيقة مصالح شخصية حتى تسقط عند أوّل منعطف، ولم تتوقف عند تفاهم الرجلين فقط، وإنما انغرست في عقول السواد الأعظم من المحازبين، ولست بحاجةٍ إلى إيراد الأمثلة لتأكيد ذلك… فهذا التفاهم كان في مراتٍ عديدة أشبه بالتحالف المتين، بحيث لم تستطع الويلات أن تؤثّر فيه أو عليه.
ولا شكّ في أنّ الرهان على هذا الخلاف موجودٌ في أذهان بعض أبناء الطائفتين المتفاهمتين، الذين لم ينضج عندهم بعد الحس الوطني لا الطائفي.
ولا شكَّ في أنّ المنتفعين من هذا الخلاف هم الذين اعتادوا على الانقسام والتقاسم، وعلى الوطن/ المزرعة، وعلى مبدأ العصابات ولو هلك المواطنون جميعهم.
ولا شك في أنّ المروّجين لهذا الخلاف يُضمرون النيّة السيّئة للحكم نفسه، وهو يريدون إعاقة مسيرته، رغم أنهم هلّلوا ، في وقت ما، لإيصال العماد عون إلى سدّة الرئاسة.
لكنّ الذي لا شك فيه هو جهلهم قراءة الرجال ومواقفهم، وجهلهم تركيبة شخصيتيّ العماد والسيّد.. لأنهم اعتادوا على نمطٍ معاكسٍ من الرجال على مدى الحياة السياسية في لبنان، وعلى سياسيين هم لوالب في قراراتهم، بحيث ينامون على ولاء، ويستيقظون على ولاءٍ آخر… ولو أنهم راجعوا أقوالهم وتصريحاتهم على مدى سنةٍ واحدةٍ فقط، لأدركوا كم هم كذّابون، وبئس سياسة الكذّابين.
إنّ وثيقة التفاهم هذه ليست وثيقة مصالح شخصية حتى تسقط عند أوّل منعطف، ولم تتوقف عند تفاهم الرجلين فقط، وإنما انغرست في عقول السواد الأعظم من المحازبين، ولست بحاجةٍ إلى إيراد الأمثلة لتأكيد ذلك… فهذا التفاهم كان في مراتٍ عديدة أشبه بالتحالف المتين، بحيث لم تستطع الويلات أن تؤثّر فيه أو عليه.
وثيقة التفاهم لها أبعاد اجتماعية واستراتيجية مستقبلية لأنها تُعيد تأسيس حياةٍ وطنيةٍ نشأت منذ أربعة عشر قرنًا، بين مجموعتين بشريتين مضطهدتين سكنتا جبال لبنان هربًا من الظلم الروماني ومن يوستنيانوس وحُكم بني أميّة.
وثيقة التفاهم هي بين أخوين أدركا أن خصامهما سيهدم البيت العريق، وأنّ تفاهمهما سيرأب الصدع.
وثيقة التفاهم هي بين كبيرين، لو قُدّر للبنان أن يكون لهما مثيلان في السبعينيات من القرن الماضي، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه… وكم حاول القريبون والبعيدون وعلى مدى نيِّفٍ وعقدٍ من الزمن أن يُسقطوها… فما استطاعوا، لأنها ليست مرحلية كما يحلو للبعض أن يراها، وليست تبادل مصالح، تتلخص بتغطية الحزب بعباءة التيّار، أو إيصال العماد إلى الرئاسة.
والعلاقة بين التيّار والحزب لن تكون كما راح أحد الصحافيين يُحلل، في مقابلة تلفزيونية، ويتنبأ بتفسّخها، محاولاً استنباط أسبابٍ لا يُفكر بها أحد الطرفين، كانزعاج الحزب من اتفاق المسيحيين، أو من انفتاحهم على المكوّنات الأخرى… وقد تعب ذلك الصحافي في إيجاد أسبابٍ هي مجرد فرضيات ليبني عليها نظريته الميمونة، وأنا واثق من أنها أوهام أكثر منها حقيقة، وموجودة في فكره هو لأنه شعر أنّ ما راهن عليه سنينًا طويلةً أسقطته الأيام ولم يتحقق.
إنّ النقزة التي أحدثها التقارب بين التيّار والقوّات لا تكون صحيحةً إلاّ إذا سار التيّار ضدّ الحزب، أو كما تريد سياسة القوّات اللبنانية التي هي الخصم السياسي لحزب الله، ولكن هل أنّ سياسة التيّار في هذا الوارد؟.. لا أعتقد ذلك، فعندها نكون قد هدّمنا كثيرًا مما بنيناه، ومما نادى به العماد عون نفسه…أما التقارب من القوات ومن غيرهم من المكونات السياسية والطائفية، فهو مطلبٌ وطني لبناني كما هو مطلبٌ مسيحي، وإلاّ إلى متى سنستمر في تلك السياسة التي لا مثيل لها في العالم؟ ولا أعتقد أن حزب الله هو من السذاجة بمكان كي ينزعج من تقارب التيّار أو غيره من مُكوِّنٍ آخر… فوثيقة التفاهم أبعد من تقارب فئتين، وأكبر من وزيرٍ هنا ونائبٍ هناك، وأرفع من المصالح الضيّقة…إنها على مستوى الكيان والوجود، وتحديد سياسة لبنان في محيطه، والموقف من العدوّ التاريخي، الذي هو إسرائيل، بعدما أوقعته الميكيافيلية التي رافقته منذ الاستقلال في حروبٍ دامية وتفسّخاتٍ كبيرة.
والارتياح النفسي الذي تركته وثيقة التفاهم بين أبناء الطائفتين المذكورتين، بات ثابتًا في كثيرٍ من المناطق، وليس من الحكمة بمكان العودة إلى الوراء… حتى أنّ كثيرين كثيرين من أبناء التيّار قالوا إنهم سيبقون مع الحزب، إذا حصل خلافٌ، لا سمح الله، معه… وكثيرين كثيرين من أبناء الحزب قالوا: لن نترك العماد عون، وسنبقى مؤيّدين لطروحاته إذا حصل خلافٌ، لا سمح الله، معه أو مع حزبه.
وثيقة التفاهم هي بين أخوين أدركا أن خصامهما سيهدم البيت العريق، وأنّ تفاهمهما سيرأب الصدع.
وثيقة التفاهم هي بين كبيرين، لو قُدّر للبنان أن يكون لهما مثيلان في السبعينيات من القرن الماضي، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه… وكم حاول القريبون والبعيدون وعلى مدى نيِّفٍ وعقدٍ من الزمن أن يُسقطوها… فما استطاعوا، لأنها ليست مرحلية كما يحلو للبعض أن يراها، وليست تبادل مصالح، تتلخص بتغطية الحزب بعباءة التيّار، أو إيصال العماد إلى الرئاسة.
والعلاقة بين التيّار والحزب لن تكون كما راح أحد الصحافيين يُحلل، في مقابلة تلفزيونية، ويتنبأ بتفسّخها، محاولاً استنباط أسبابٍ لا يُفكر بها أحد الطرفين، كانزعاج الحزب من اتفاق المسيحيين، أو من انفتاحهم على المكوّنات الأخرى… وقد تعب ذلك الصحافي في إيجاد أسبابٍ هي مجرد فرضيات ليبني عليها نظريته الميمونة، وأنا واثق من أنها أوهام أكثر منها حقيقة، وموجودة في فكره هو لأنه شعر أنّ ما راهن عليه سنينًا طويلةً أسقطته الأيام ولم يتحقق.
إنّ النقزة التي أحدثها التقارب بين التيّار والقوّات لا تكون صحيحةً إلاّ إذا سار التيّار ضدّ الحزب، أو كما تريد سياسة القوّات اللبنانية التي هي الخصم السياسي لحزب الله، ولكن هل أنّ سياسة التيّار في هذا الوارد؟.. لا أعتقد ذلك، فعندها نكون قد هدّمنا كثيرًا مما بنيناه، ومما نادى به العماد عون نفسه…أما التقارب من القوات ومن غيرهم من المكونات السياسية والطائفية، فهو مطلبٌ وطني لبناني كما هو مطلبٌ مسيحي، وإلاّ إلى متى سنستمر في تلك السياسة التي لا مثيل لها في العالم؟ ولا أعتقد أن حزب الله هو من السذاجة بمكان كي ينزعج من تقارب التيّار أو غيره من مُكوِّنٍ آخر… فوثيقة التفاهم أبعد من تقارب فئتين، وأكبر من وزيرٍ هنا ونائبٍ هناك، وأرفع من المصالح الضيّقة…إنها على مستوى الكيان والوجود، وتحديد سياسة لبنان في محيطه، والموقف من العدوّ التاريخي، الذي هو إسرائيل، بعدما أوقعته الميكيافيلية التي رافقته منذ الاستقلال في حروبٍ دامية وتفسّخاتٍ كبيرة.
والارتياح النفسي الذي تركته وثيقة التفاهم بين أبناء الطائفتين المذكورتين، بات ثابتًا في كثيرٍ من المناطق، وليس من الحكمة بمكان العودة إلى الوراء… حتى أنّ كثيرين كثيرين من أبناء التيّار قالوا إنهم سيبقون مع الحزب، إذا حصل خلافٌ، لا سمح الله، معه… وكثيرين كثيرين من أبناء الحزب قالوا: لن نترك العماد عون، وسنبقى مؤيّدين لطروحاته إذا حصل خلافٌ، لا سمح الله، معه أو مع حزبه.
فالعلاقة أمتن من تصوّر البعض لها، لأنها اتسمت بطابع الحميمية إلى جانب السياسة والعقل، ولأنها أعادت إلى أذهان الناس أيّامًا وعقودًا طويلةً كانت الحِقب الذهبية للبنان ولمكوّناته على السواء، والمراهنون على الخلافات وعلى سقوط وثيقة التفاهم، ما زالوا يؤدون مهمتهم الهادفة إلى إبقاء لبنان منقسمًا على ذاته، ووصل بهم رهانهم إلى مصادرة الزمن القادم، وإلى تخيُّل مرحلة ما بعد العماد والسيّد ــ أطال الله بعمرهما ــ وهذا ليس بمستغرب على الذي كان يعرف ما كان يدور من حديثٍ بين الرئيسين أوباما وبوتين في خلوتهما السرّية، وبماذا كان يحلم الرئيس ترامب في أثناء قيلولته، وكانوا ينتظرون نهاية الشهر حتى يستمعوا إلى ما ستقوله العرّافة النادرة ليلى عبد اللطيف، كي يبنوا مسيرتهم السياسية حسب أقوالها… ولست أدري مَن كان منهم يُزوّد الآخر؟
أما إذا كان هؤلاء يريدون تحويل أفكار الناس عن الصراع المذهبي الدائر في المنطقة، وإبعاده عن مجتمعنا، فهذا لا يكون بالترويج لخلافاتٍ طائفيّةٍ من نوعٍ آخر، وبالتأسيس لحربٍ جديدة لا يتمناها أحد.
وحبّذا لو تكون وثيقة التفاهم بين التيّار والحزب موجودةً بين مكوّنات الوطن اللبناني جميعها، وبصراحةٍ متناهية، وبجُملٍ واضحة لا تقبل التأويل ولا الوجهين في التفسير، على غرار قوانيننا كلها… وليكن اللبنانيون جميعهم للبنان من دون غيره قبل أيِّ أرضٍ وأيِّ سماء.
أما إذا كان هؤلاء يريدون تحويل أفكار الناس عن الصراع المذهبي الدائر في المنطقة، وإبعاده عن مجتمعنا، فهذا لا يكون بالترويج لخلافاتٍ طائفيّةٍ من نوعٍ آخر، وبالتأسيس لحربٍ جديدة لا يتمناها أحد.
وحبّذا لو تكون وثيقة التفاهم بين التيّار والحزب موجودةً بين مكوّنات الوطن اللبناني جميعها، وبصراحةٍ متناهية، وبجُملٍ واضحة لا تقبل التأويل ولا الوجهين في التفسير، على غرار قوانيننا كلها… وليكن اللبنانيون جميعهم للبنان من دون غيره قبل أيِّ أرضٍ وأيِّ سماء.