العميد د. امين محمد حطيط
لم يكن معسكر العدوان على سورية يتوقع ان ينهار بنيانه وتسقط اهدافه كما يحصل الان ودفعة واحدة من حلب في الشمال الى خان الشيح والتل في الجنوب السوري. ومن يتابع ما يحصل ويسترجع في ذاكرنه مناورات العدوان حول حلب منذ مطلع العام الجاري وحتى الساعات الأخيرة التي سبقت انطلاق عملية تطهير الاحياء الشرقية في حلب من الإرهاب يعرف جيدا ماذا تعني حلب وقضيتها بالنسبة لهذا المعسكر الاجرامي الذي شن هذه الحرب الكونية ضد سورية ومحور المقاومة.
لقد عملت اميركا قائدة العدوان و معسكره المستحيل في حلب من اجل تحقيق احد امرين فيها : امتلاك السيطرة على المدينة لإنفاذ مشروع التقسيم الذي اعتمدته بديلا لمشروع اسقاط سورية و السيطرة الكاملة عليها ، او منع الجيش العربي السوري من اسقاط الإرهاب في حلب و منع سورية من استعادة كامل المدينة الى حضن الوطن ، و من اجل ذلك لجأت اميركا الى مختلف الوسائل العسكرية والمدنية و السياسية الخداعية و المناورات الاحتيالية منذ 27شباط الماضي و دفعت الإرهابيين لشن اربع عمليات عدوانية كبرى ضد حلب ، و عندما كانت تفشل في الميدان كانت تلجأ الى التباكي على حقوق الانسان و تنذر و تهدد لمنع معركة حلب و منع تطهيرها .
وفي المقابل كان معسكر الدفاع عن سورية وبكل اركانه ومكوناته يواجه السياسة الأميركية بكل قوة وحزم ويؤكد ان لا رجعة عن قرار تحرير حلب واستعادتها قتالا او تسوية ومصالحة فالاستعادة حتمية والوسيلة قابلة للتفاوض والاخذ والرد. في موقف أرسى على نظرة استراتيجية مفادها ان التنازل او التساهل في حلب يعني هدر كل مكتسبات الحرب الدفاعية التي خاضها معسكر الدفاع هذا وكل منجزاته وانتصاراته ولذلك كانت استراتيجية الدفاع تقوم على ركنين: الحزم في الإصرار على انجاز التحرير، والمرونة في الوسيلة من اجل خفض مستوى الخسائر في طرفي المواجهة الى الحد الأدنى.
و عملا بهذه الاستراتيجية تحركت سورية و حلفاؤها على خطين متوازيين يتساندان دون ان يعرقل احدهما الاخر لا بل يقوم كل منهما في خدمة الاخر ، خط العمل العسكري الميداني المحترف الى الحد الأقصى ، و خط العمل السياسي التصالحي و فتح الباب امام خروج المسلحين من الميدان و خروج المدنيين من اسر الإرهاب و قبضته الاجرامية ، فكانت الإنذارات و الهدنات المتكررة و العفو الرئاسي و فتح الممرات الامنة مفتوحة في الوقت الذي كانت القوى العسكرية المكلفة بمهمة تحرير حلب تنفذ عملياتها وفقا للخطة الموضوعة ، و تحتوي الهجومات المتلاحقة التي يقوم بها الإرهابيون من خارج حلب .
والان وقد حصل ما حصل وأنجزت قوى معسكر الدفاع عن سورية تحرير نصف المساحة التي يسيطر عليها الارهابيون في حلب، بات من الممكن الحديث عن النتيجة الأولية لعملية التحرير في مرحلتها هذه حيث يمكن ان تحدد على الصعد العسكرية والسياسية والاستراتيجية على الوجه التالي:
أ. عسكريا:
1) بات من المؤكد القول ان ملف حلب سيطوى عسكريا وبشكل نهائي في غضون أيام لا تتعدى الأسابيع الخمسة ولن تتعدى أيام العام الجاري على حد توقع القيادة العسكرية الروسية، خاصة وان من تبقى في حلب من الإرهابيين لا يملك شيئا يعول عليه من القدرات الهجومية لتحويل وجهة المعركة، ثم انه لا يملك قدرات صمود ودفاع كافية تمنع استكمال التحرير وان تحرير النصف المتبقي من الاحياء بات مسالة وقت فقط تحدده القيادة السورية مع الحلفاء مع حرصهم على الدماء والبناء ما أمكن.
2) ستتغير بعد حلب طبيعة المواجهة الدفاعية التي تخوضها سورية وحلفاؤها، من حرب على جبهات واسعة ومفتوحة على جغرافيا سورية كلها الى حرب مناطق محصورة محددة في 3 مناطق اقل صعوبة وخطرا من حلب، وهي منطقة المثلث الشمالي الغربي ادلب جسر الشغور سهل لغاب، والمنطقة الشرقية من الرقة الى دير الزور، والمنطقة الجنوبية التي تفكك عقدها اليوم عبر المصالحات التي كان اخرها في التل وخان الشيح والتي اسقطت مخاطر امنية كبرى على جبهة الجنوب. اما منبج والباب فكما ذكرنا سابقا لن يكون امرهما صعبا وستستعيدها قوى الدفاع عن سورية بأسرع مما يظن البعض.
3) ان القوى العسكرية التي ستتوفر بعد تحرير حلب ستكون كافية للاندفاع شمالا حتى الحدود مع تركيا واستعادة السيطرة على كامل الريف الشمالي لحلب وبهذا سيدق المسمار الاخير في نعش الاحلام التركية بمنطقة امنة تحت سيطرة اردغان او باي ابتزاز اخر يفرض الاخوان المسلمين في السلطة.
4) أحدثت معارك تحرير حلب معطوفة عل الإنجازات السورية التصالحية في خان الشيح والتل جنوبا لدى إسرائيل ضيقا واحتقانا شعرت فيه بتساقط أوراق التدخل من يدها فأقدمت على توجيه “رسالة اعتراض واحتجاج” حملهما صاروخان أطلقهما الطيران الإسرائيلي من الأجواء اللبنانية على نقطة على طريق دمشق بيروت في محاولة لرفع معنويات المسلحين المنهارة، والقول بان إسرائيل لم تسلم بالهزيمة في سورية بعد.
ب. سياسيا:
1) لقد اثبتت معركة حلب وما دار من مناورات حولها صلابة الإرادة لدى معسكر الدفاع عن سورية وصلابة الموقف عند القيادة السورية والحلفاء وعندما قال الرئيس الأسد ان حلب ستكون مقبرة أحلام السلطان وقال السيد حسن نصر الله ان حلب ستطهر من الإرهاب ولا عودة عن هذا القرار، كانا ينطلقان من علم وثقة بقدرتهما على انجاز المهمة وهذا يحصن مستقبلا المواقف السياسية لمعسكر الدفاع عن سورية ويمنحه مناعة إضافية ضد مناورات التهويل والتهديد.
2) لقد اسقطت معركة حلب أي إمكانية لأطلاق مشاريع عدوانية جديدة من شانها ان تحقق اهداف المشروع الأصلي للعدوان كليا او جزئيا ـ وهنا نذكر بان مشروع تقسيم سورية الى دولتين حلب عاصمة الدولة التي ستقودها اميركا عبر الارهابين في مقابل دمشق عاصمة دولة مستمرة في محور المقاومة ـ هذا المشروع كان بديلا لمشروع وضع اليد على كامل سورية، واليوم ومع سقوط الإرهاب في حلب سقط هذا المشروع وارتاح معسكر الدفاع من خطر جدي فعلي.
ج. استراتيجيا.
1) سيؤرخ مستقبلا للازمة السورية ويكتب ما قبل وما بعد استعادة حلب. فمن اللحظة التي يعلن فيها ان حلب امنة لكل أهلها وهو اعلان كما ذكرنا ننتظره فيما تبقى من أيام هذه السنة، من تلك اللحظة سيؤرخ لهزيمة المشروع الغربي الاستعماري في المنطقة ولن تكون حلب بهذا مقبرة أحلام اردغان فحسب بل وأيضا مقبرة للأحلام الغربية الاستعمارية في المنطقة وقد كان صريحا الاعلام الغربي والاسرائيلي بوصف ما جرى في حلب بانه هزيمة استراتيجية لأميركا.
2) ستتجه المنطقة التي عرفت كيف تبني قوتها الذاتية وكيف تنشئ تحالفاتها الدولية الحقيقة وتحقق لنفسها مناعة قوية تمكنها من الإمساك بأمرها بيدها ستتجه الى بناء شرق أوسط لأهله على أنقاض الحلم الأميركي بإقامة شرق أوسط أميركي مستفيدة مما يجري في العراق وما تم في الموصل ومن تشريع الحشد الشعبي ايضا.
وأخيرا اكاد اشبه سقوط الإرهاب في حلب وما سيترتب عليه من نتائج بعيدة المدى بسقوط القسطنطينية في أواسط القرن الخامس عشر، وقد يقول البعض ان في هذا مغالاة ـ وأقول لا بأس فقد قيل مغالاة عندما وصفت الحرب على سورية في أشهرها الأولى بانها حرب كونية، وان من الرحم السوري يولد النظام العالمي الجديد والان بات الكل يسلم بذلك، وسنرى معا كيف ان انهيار العدوان على بوابة حلب كيف سيغير المنطقة والعالم فسورية اختصرت أزمات العالم وحلب اختصرت ازمة سورية والان تربح سورية السبق في حلب.
المصدر: البناء