– اليوم برعاية مشكورة من عون والراعي نسير قدماً لمستقبل أفضل..
***
أكد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كلمته بعد قداس “التوبة والمغفرة” تخليدا لذكرى شهداء الجبل، في كنيسة سيدة التلة في دير القمر، “عندما وصلت إلى المختارة في ذاك النهار المشؤوم، منذ 42 عاماً قادماً من بيروت برفقة النقيب رجا حرب، بعد أن تبلغت خبر الإغتيال، كان كمال جنبلاط لا يزال في السيارة في وسط الباحة، باحة الدار، مضرجاً بدمائه، ومن حوله جمهور صاخب، وغاضب، هائج لا يوصف، وكان الشيخ محمد أبو شقرا، شيخ عقل الدروز، يحاول جاهداً تهدئة الأمور”.
أضاف: “ولست أدري كيف إستجمعت قواي، وصرخت بهم “خذوه إلى المستوصف”، مستوصف الشؤون الإجتماعية داخل البيت آنذاك، لتضميد جراحه ووضعه لاحقاً على فراش الموت مع رفيقيه تمهيداً للصلاة، وثم الدفن. واستجابوا، وعندما شرعت بصعود الدرج مع الشيخ محمد أبو شقرا، أتى من قال: “إنهم يقتلون المسيحيين في المزرعة”.
فطلبت من الشيخ محمد أبو شقرا أن نذهب إلى المزرعة ومعنا رجا حرب، حيث قصدنا بيت المختار أبو رامز يوسف البعيني وهناك علمنا، أن المختار، وجمعاً كبيرا من الخيرين والعقلاء إستطاعوا حماية من تبقى من إخوانهم المسيحيين في بيوتهم. إطمأنينا نسبياً ووضعنا آلية أو تصوراً للاخلاء. وفي وسط هذا الجو من القلق، والفوضى، وفي طريق العودة إلى المختارة وصل خبر المعاصر. فذهبنا للتو ومعنا موكب جرار من الصعب أن يعلم المرء من فيه ومن أين أتوا. وفي ساحة البلدة، استوضحنا الأمر، فعلمنا بأن مجموعةً من أهالي المعاصر التي كانت متواجدة في الكنيسة، حماها عقلاء وخيرون، لكن الباقي، اصابهم ما اصاب اخوانهم في المزرعة الذين كانوا في واجب تعزيةٍ قتلوا لاحقاً على طريق العودة وفي أماكن أخرى. وحل الظلام، ظلام الطبيعة إلى جانب ظلام الحدث، وظلام النهار. وكدنا أن نعرّج إلى الباروك، لكن لم أكن ولا الشيخ محمد أبو شقرا لنعلم ماذا سنفعل. بالمناسبة، كانت على مداخل الشوف وفي معظم الشوف، وفي الباروك والمزرعة، كانت الوحدات الخاصة سورية”.
تابع: “وأعتذر إن كنت أغفلت بعض الوقائع. فخيانة الذاكرة بعد 42 عاماً تطغى أحياناً، وتلخيص الحدث أفضل من الاسترسال بالتفاصيل التي قد تفتح الجراح ونحن في صدد ختمها إلى الأبد. وعدنا إلى المختارة وخلال صياغة النعي، فرضت ساعةَ الصلاة في النهار التالي الساعة الواحدة بعد أن وصل خبر بطمة حيث تكررت المأساة وإستمر مسلسل الدم وأنقذ ما أمكنَ أنقاذه”.
وقال جنبلاط، في النهار التالي، بكت الطبيعة ولا تزال تبكي الشهداء الأبرار، جميع الشهداء، وودعنا كمال جنبلاط، وكاد الجبل أن يودع وحدته التاريخية وأدركنا جميعاً مشروع الفتنة الذي كان يحضر للبنان. ومنذ ذلك النهار، سرنا وسار لبنان على طريق الجلجلة، من حرب إلى حرب، من جولة إلى جولة، من هدنة إلى هدنة، من مجزرة إلى مجزرة، من مبادرة إلى مبادرة، ومن إغتيال إلى إغتيال، طبعاً غير متناسين أحداث الـ 75 والـ 76. وفي سنة 1990، وفي يوم داني شمعون زحف الجبل لوداعه في دير القمر قبل اي مصالحة رسمية. وبين عام ألفين وألفين وواحد بدأنا العمل على المصالحة مع رفاق أعزاء، وفي طليعتهم الراحل سمير فرنجية، فاستجاب البطريرك صفير، والتقط كعادته اللحظة التاريخية فكان لقاء المختارة في الرابع من أب 2001.
اضاف، وإذا كانت الظروف السياسية آنذاك منعت العماد عون من الحضور نتيجةَ أنه كان في المنفى، وحالت دون حضور سمير جعجع بسبب وجوده في السجن، لكن وجود غبطة البطريرك وغطاءه جسّد إرادة العودة والمصالحة. لقد كان لبنان بغالبيته في ذاك النهار المجيد، وفتحنا الطريق سوياً مع البطريرك صفير لمزيد من المحطات المشرقة والرائدة على طريق التلاقي، والتواصل، والوحدة الوطنية وصولا إلى رفض الوصاية وتحرير لبنان”.
تابع: “في السادس من آب 2016 كانت الذكرى الـ 15 للمصالحة برعاية البطريرك الراعي وحضور الرئيسين ميشال سليمان وأمين الجميل في مناسبة تدشين كنيسة الدر في المختارة بعد ترميمِها.
وختم كلمته قائلا: “واليوم، وبرعاية كريمة ومشكورة من الرئيس ميشال عون ومباركة الكاردينال الراعي نسير قدماً تأكيداً أن المصالحة أقوى وأهم، وفوق كل اعتبار من أجل لبنان واحد موحد، ومستقبل أفضل”.