لم يُقدِّم الرئيس السابق فؤاد السنيورة جديداً في مؤتمره الصحافي المطوّل الذي خصصه للردّ على النائب حسن فضل الله، بل كرّر بيان مكتبه الإعلامي الأخير مع توسيع إطاره والتعمّق في التفاصيل، مستعرضاً المراحل السابقة من العام 1997 مستعيناً بعرض جداول ومستندات، محاولاً تضييع «الشنكاش» في حديثه عن التمييز بين حسابات الموازنات وحسابات الخزينة، إلا أنه ومن حيث يدري أو لا يدري نقل المعركة سريعاً الى الملعب السياسي مستحضراً سلاح التهديد بالفتنة المذهبية مستخدماً سياسة الهروب الى الأمام على قاعدة أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، لكنه تهجّم على حزب الله، علماً أن لا أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله ولا النائب حسن فضل الله ولا أي مسؤول آخر اتهم السنيورة بالاسم! فالنائب فضل الله أودع القضاء ما في جعبته من مستندات وأدلة ومشى، فلماذا علا صراخ السنيورة في السياسة والإعلام؟ ولماذا لا يحذو حذو فضل الله ويخوض المعركة القضائية؟ فحزب الله لن ينجرّ الى المعركة السياسية والمذهبية بحسب ما قالت مصادره لـ»البناء» «لكي لا تضيع القضية ويضيع المال المنهوب بل مستمرّ في مكافحة الفساد كما عاهد السيد نصرالله، فعمل لجنة التحقيق في الحزب يتركز على الجانب التقني والعلمي بكل موضوعية ولا أهداف سياسية لنا كما يدّعي البعض».
لكن حزب الله بالنسبة للسنيورة «براءة ذمة سياسية ومذهبية» يضعه متراساً لإطلاق النار عليه ما يجعله عصياً على الملاحقة القضائية بعدما فقد حصانته الرئاسية والنيابية.
مُحاطاً بالنواب المسقبليين منهم الجدد ومنهم القدامى وشخصيات من فريق 14 آذار أُعيد إحياؤها على عجل و»غب الطلب»، اعتبر السنيورة الذي بدا الخوف والقلق في عينيه واضحاً، أن الحديث عن مبلغ الـ 11 مليار دولار «عاصفة في فنجان وهي مُحاولة يقوم بها فريق مُعيّن لحرف انتباه الناس نحو مسائل أخرى تُخفي ما يقوم به من ممارسات»، معتبراً أن الحديث عنها لا يؤدي إلا الى إثارة الفتن وعدم الاستقرار ولا يوصل لإيجاد أي حل بل يتم خلق مشكلة دون إيجاد حل».
وشنّ هجوماً على حزب الله من دون أن يسمّيه قائلاً: «الفساد الأكبر والشر الأعظم هو الفساد السياسي وكل من يقيم دويلات داخل الدولة ويسيطر على مرافقها ويعطّل الاستحقاقات الدستورية».
ووجّه النائب السابق رسالة مشفرة الى رئيس الحكومة سعد الحريري تتضمّن من جهة إشراكه في مسؤولية الإنفاق في السنوات الماضية، حيث كان رئيساً للحكومة ومن جهة ثانية دعوة الحريري للتضامن معه وعدم التخلي عنه، معتبراً ان «الكلام عن عدم وجود مستندات نكتة سمجة هدفها تشويه صورة كل الحكومات التي رأسها رفيق الحريري والنيل منه ومن كل رؤساء الحكومات الذين أتوا بعده بمن فيهم سعد الحريري»، ومعلناً أنه أعدّ «دراسة كاملة سأزوّد بها الرؤساء الثلاثة والنواب والوزراء للانتهاء من القصص التي تشوّه عقول الناس وكي يكون الأمر واضحاً لدى الجميع». لكن الأنظار تتّجه الى موقف الرئيس الحريري فهل سيغطي السنيورة أم سيتخلّى عنه عملاً بالمثل القائل «العين بالعين والسن بالسن»، أي موقف السنيورة إبان أزمة الرئيس المحتجز في السعودية. ومع أن السنيورة أكد في رده على سؤال بأن الحريري سيدعمه في هذه المعركة إلا أن أوساطاً مراقبة تشير الى أن رئيس الحكومة مصاب بإحراج شديد، فكيف سيقف مع السنيورة المشتبه به في ملفات فساد وهو أي الحريري يُكلِل خطاباته بلازمة مكافحة الفساد والفاسدين! وكيف سينفض يديه من رئيس نطق وحكم وقرر باسم المستقبل وشغل منصب رئيس الكتلة الزرقاء طوال سنين خلت؟ إلا أن مصادر نيابية تتوقف عند صمت الحريري في هذا الملف وتشير لـ»البناء» الى أن «رئيس الحكومة يقوم باتصالات ولقاءات لاحتواء الموقف وتهدئة الأجواء والحوار للبحث عن تسوية لقضية الـ 11 ملياراً وملفات السنيورة»، ولم تستبعد مصادر أخرى «تواصل الحريري مع حزب الله ورئيس الجمهورية بهذا الشأن بعدما قصد الرئيس بري فجأة منذ أيام». لكن السؤال كيف سيوازن حزب الله بين تعهّده كشف مكامن الفساد حتى النهاية وبين الضرورات الواقعية التي تفرضها التسوية السياسية بين التيارين الأزرق والبرتقالي؟
وحاول السنيورة إيجاد المبررات السياسية والمالية والقانونية للاستمرار بالصرف على القاعدة الإثنتي عشرية والاستعانة بمجلس النواب ورئيسه لإضفاء الشرعية على سياسته المالية، قائلاً: «الرئيس نبيه بري هو أول من تحدّث عن الـ 11 ملياراً إثر خروجه من بعبدا و»قعدنا 11 سنة بلا موازنة وعلى القاعدة الإثنتي عشرية لأسباب كثيرة منها الإقفال القسري للمجلس. وأنا أصلاً أرسلت موازنات كثيرة إلى المجلس لم تُدرس». وأكد أن «الانفاق الذي تمّ أكان من اعتمادات الموازنة او حساب الخزينة وعلى مدى كل السنوات لم يكن إنفاقاً مخالفاً للقانون بل قانوني بموجب قوانين صادرة عن المجلس النيابي وخضع للأصول ذاتها والآليات المنصوص عليها في قانون المحاسبة القانونية».
-البناء-