خاص tayyar.org – حسان الحسن-
لا يمكن من الآن معرفة حقيقة مسار الانتخاب الفرعي المرتقب في طرابلس وتحليله في شكلٍ صحيح، ونتائجه المتوقعة من الآن، أي قبل إعلان القوى المؤثرة في الشارع الطرابلسي موقفها وكيفية مشاركتها، سواء أكان ترشيحاً أو اقتراعاً، لمصلحة أحد المرشحين لملء المقعد النيابي الذي شغر بعد إبطال المجلس الدستوري نيابة ديما جمالي.
إبطال جاء نتيجة الطعن الذي تقدّم به الدكتور طه ناجي الذي تعتبر أوساطه أنه نال ثقة الناخبين في الدائرة التي ترشّح عنها أي دائرة الشمال الثانية التي تضمّ طرابلس، المنية والضنية، وأنه الممثل الحقيقي لهم، منذ الانتهاء من عملية فرز الأصوات في الانتخابات النيابية التي أجريت في أيار الفائت.
وتعتبر مصادر ناجي أن إرادة الناخبين سُلبت مرتين؛ الأولى عند تزوير الإرادة الشعبية، والتلاعب في عملية احتساب الأصوات، عقب الانتهاء من الانتخابات، وبالتالي إعلان جمالي نائباً، وهذا بتأكيد أعلى سلطة قضائية في لبنان، بدليل قبولها الطعن بنيابة جمالي.
والمرة الثانية، عند إصدار المجلس الدستوري قراراً بإعادة إجراء انتخاب فرعي بعد إبطال نيابة جمالي، بدلاً من إحقاق الحق، وإعلان فوز ناجي بالمقعد النيابي، خصوصاً بعد إقرار المجلس أنّ هناك خطأً في عملية الاحتساب لصالح مرشح “المشاريع”. ولكنّ المجلس اعتبر أن فارق كسر الأصوات بين لائحتي الكرامة الوطنية و”المستقبل” ضئيل وهو 0،0007 لصالح ناجي، ما دفعه إلى إصدار قراره بإجراء الانتخابات، والذي شكّل ضربة معنوية للثقة بأعلى سلطة دستورية، وألحق غبناً في حق الناخبين الطرابلسيين والشماليين، على حد قول الأوساط.
وتعقيباً على ما تقدّم، تعتبر مصادر سياسية طرابلسية مراقبة أن فريق الثامن من آذار على المحك، لأن قرار “الدستوري” ينطبق عليه القول “إنه أخرج جمالي من الباب ليدخلها من الشباك”، من خلال قراره بإعادة الانتخاب وفقاً للقانون الأكثري. كما يدحض هذا القرار إدّعاء تيار المستقبل أن البتّ بالطعن الذي اعتبره طعنة في الظهر، جاء نتيجة ضغط سياسي، فلو كان كلام “المستقبل” صحيحاً، لكان أعلن المجلس الدستوري فوز ناجي، برأي المصادر.
أمام هذا الواقع، لا مفرّ أمام الفريق المذكور من المعركة، لرفع الغبن الذي لحق بأحد مكوّناته، خصوصاً أن الفريق السني خارج عباءة المستقبل أثبت حضوره الشعبي في الشارع السني خلال الانتخابات النيابية الأخيرة في مختلف المناطق اللبنانية، كذلك انتزع حقه في التمثيل في الحكومة الراهنة، بعد كباشٍ سياسيٍ بين اللقاء التشاوري وحلفائه من جهة، وبين تيار الحريري من جهة أخرى. فعليه إن أيّ تراجع يؤدي إلى توجيه ضربة معنوية لحضور هذا الفريق في الشارع الطرابلسي، ودائماً برأي المصادر عينها.
وفي الحسابات الانتخابية أيضاً، لا يمكن اتخاذ نتائج الانتخابات الفائتة معياراً، لتقدير نتائج الانتخاب المرتقب، خصوصاً أنه سيجري ضمن نطاق دائرة طربلس الانتخابية، أي بدون المنية والضنية مركز الثقل الانتخابي للتيار الأزرق في محافظة الشمال.
وفي الشأن عينه، وفي المعلومات أن الرئيس نجيب ميقاتي أبلغ المقرّبين منه أنه سيدعم مرشح “المستقبل” في الانتخاب المقبل، لكن من دون أن يطلق ماكينته الانتخابية لخوض غمار هذا الانتخاب، بما في ذلك عدم رصد أي اعتماد مالي لهذه الغاية. وكشفت الانتخابات الفائتة أن لميقاتي تأييداً لدى الناخبين العلويين في عاصمة الشمال، من خلال الأصوات التي حصدتها لائحته في جبل محسن، ولكن بالتأكيد ليس في وسعه تجييش مؤيديه العلويين، كما لو كان مرشحاً بنفسه، أو تجيير أصواتهم لمرشح آخر، خصوصاً إذا لم يستحضر سلاح المال، وهو كان الأمضى في العملية الانتخابية السابقة، الأمر الذي يعطي أفضلية التصويت للمرشح المنافس للمستقبل لدى الناخبين العلويين، خصوصاً إذا كان من صفوف 8 آذار.
وما يسهم أيضاً في تعزيز فرص تقدّم مرشح “8 آذار” المحتمل، وتراجع “المستقبل” هو التباينات داخل فريق الأخير، خصوصاً بعد استعجال الحريري، بإعادة تسمية جمالي كمرشحة عن المقعد الشاغر، وهي سورية الأصل من مدينة حمص، ولا تحظى بتأييد واسع في الشارع الطرابلسي، وفي المقابل إقصاء النائب السابق مصطفى علوش عن البرلمان والحكومة. إضافة إلى وجود حركة اعتراضية ضمن الفريق عينه، والتي يعبّر عنها النائبان السابقان خالد الضاهر ومعين المرعبي، ولكن من المستبعد أن تبلغ الأمور حدّ الانشقاق عن فريقهما، والخروج على أوامر الحريري.
وما قد يضعف “المرشح الأزرق” أيضاً، عدم حماسة مؤيدي اللواء أشرف ريفي، لمعركة الحريري على أرض الفيحاء، بحسب الأجواء التي رشحت عن اجتماع منسق “المستقبل” في عاصمة الشمال ناصر عدره مع كوادر من فريقي ميقاتي وريفي في الأيام القليلة الفائتة، بحسب ما تؤكد مصادر مطّلعة. كذلك تسهم فرضية ترشيح النائب السابق مصباح الأحدب للانتخاب المرتقب في تقليص عدد الناخبين المقترعين لمرشح المستقبل، فمعلوم أن الأحدب كان حليفاً للحريري، وخطابه لا يجذب شارع 8 آذار، بالتالي هو عاجز عن اختراق هذا الشارع.
في المحصلة، لا يمكن التكهّن بنتائج الانتخاب المرتقب في شكلٍ دقيق، قبل دعوة وزارة الداخلية الهيئات الناخبة للاقتراع، وإعلان المرشحين، وطبيعة التحالفات. ولكن يمكن قراءة مؤشرَين؛ أولاً، يبدو جلياً أن قرار المجلس الدستوري بإعادة الانتخاب، هو لإعطاء فرصة للمستقبل للاحتفاظ بمقعده. ثانياً، لا يُعوّل على تدخّل حزب الله في المعركة، كونها سنية – سنية، فهو يدعم حلفاءه سياسياً، ولكنه لا يرغب في الدخول في معارك جانبية، خصوصاً في مركز الثقل السني في لبنان، وهو في خضم حربه على الفساد. وقد نقلت أوساط قريبة منه أن جهود الحزب منصبة في ورشة مكافحة الفساد، ويحترم في الوقت ذاته القرار الذي قد يصدر عن حلفائه في شأن الانتخاب المرتقب.