العميد شارل أبي نادر-
حسب ما صدر عن العدو الاسرائيلي مؤخرا، فقد انهى عملية درع الشمال، التي كانت لكشف وتدمير انفاقا، كان حزب الله قد اقامها بين الحدود اللبنانية وفلسطين المحتلة، وبحسب اوساط العدو فقد تم العثور على ستة انفاق، تم تدمير خمسة منها، والسادس ( الاوسع والاخطر)، المكتشف قرب رامية جنوب غرب عيتا الشعب، هو على الطريق لِيُدَمَّر.
المعطيات التي واكبت عملية الكشف، كانت توحي بان العدو يراها أقرب الى عميلة عسكرية وليست هندسية فقط، فقد أعطاها اسماً وحضّر وحداته لإمكانية إتباعها باعتداء من قبله، الى أن إكتشف ان حزب الله لم يُظهِر أية ردة فعل تجاه هذه الاعمال الهندسية، ولم يعلق على الموضوع بتاتاً، وتابعت اوساطه انه معني فقط بالرد على اي اعتداء يطال السيادة اللبنانية، داخل الاراضي المُثبَّتة دوليا ولبنانيا.
الان، وبعد الانتهاء من عملية درع الشمال الهندسية، و إدعاء العدو باكتشاف مجموعة من الانفاق الهجومية، اقامها حزب الله لاستعمالها في اية حرب او معركة اوعملية خاصة، بهدف أسر جنود او مدنيين صهاينة، او بهدف السيطرة على اراضي محتلة قريبة او بعيدة عن الحدود، فكيف سيكون شكل الاستثمار الاسرائيلي لهذا “الاكتشاف الميداني”؟ وهل سيكون اكتشاف هذه الانفاق ذريعة لتنفيذ اعتداء على لبنان بحجة مخالفة الاخير عبر حزب الله للقرار الدولي 1701؟ ام سيكون تدمير هذه الانفاق فرصة لسحب فتيل تفجير الاوضاع على الحدود مع لبنان؟ ام ان الهدف الاسرائيلي من قصة الانفاق ليس هو خلق ذريعة الحرب او ذريعة اللاحرب، بل هو في مكان آخر غير ذلك؟
بمعزل عن صحة الادعاءآت الاسرائيلية، من الممكن وصف الانفاق بذريعة مهما كانت نتيجة الكشف، وحتى مع وجودها حقيقة فهي ليست جديدة طبعا، ومن غير الطبيعي عسكريا ان حزب الله كان بعيدا عن فكرتها تخطيطا وتنفيذا خلال فترة المواجهة الطويلة مع العدو سابقا، ومنذ ما قبل حرب تموز ال2006، لانها تُعتبر عسكرياً من اكثر الاساليب فعالية في حروب المقاومة والمواجهة بين طرفين متفاوتي القدرات، وربما حاليا قد يتجاوزها حزب الله ولا يفكر بها بعد ان توصل الى امتلاك قدرات نوعية حققت له معادلة الردع .
اذا كانت الانفاق ذريعة اسرائيلية للحرب على لبنان، وذلك بعد اعتبار الاخير قد خالف القرار 1701، فهذا يعني ان العدو في إحجامه عن الاعتداء على لبنان حتى الان، كان يبحث عن ذريعة ووجدها في الانفاق، فيكون في ذلك قد اخطأ استراتيجيا عندما ترك حزب الله خلال كامل هذه الفترة يتجهز بالاسلحة والقدرات النوعية، والتي طالما كان يلاحقها بشراسة في سوريا منذ عدة سنوات، ويكون العدو، قد وقع في خطأ قاتل عندما ترك لحزب الله هامشا واسعا من الوقت ومن المناورة لتقوية قدراته، خاصة انه كان يستطيع خلق ذريعة الحرب ساعة يشاء وبعدة طرق .
بالمقابل، لا يمكن استبعاد فكرة ان إختلاق العدو لموضوع الانفاق واكتشافها وتدميرها ، يمكن ان يكون ذريعة لسحب فتيل الحرب ولمنع تفجيرالاوضاع مع لبنان ومع محور المقاومة باغلبه، حيث يكون من خلال الاعلان عن تدميره لهذه الانفاق ( حسب إدعائه )، قد انتزع من حزب الله اهم اسلحته الفعالة عند اية مواجهة، وبالتالي يحقق العدو في ذلك استبعادا للمواجهة الحساسة مع حزب الله، والتي طالما كان يخشاها بسبب غموض معطياته عن ما يملكه من قدرات نوعية ستؤذي عمقه ومنشآته الحيوية، و يكون العدو حينها قد أوجد تبريراً للتملص من المواجهة التي يخشاها، فيُرضِي عبر هذا التبرير الرأي العام داخل كيانه، والذي ينام ويستيقظ على أمنه المُهَدَّد من اخطار حزب الله وايران .
بالمقابل، من خلال الانتهاء السريع من عملية كشف وتدمير جميع الانفاق الحدودية مع لبنان كما إدعى العدو، في الوقت الذي استغرقت عمليته في البحث عنها في غزة وقتا اطول من ذلك بكثير، وحتى الان لم تنتهي وما زالت موضع متابعة ومراقبة وبحث، ومن خلال المعطيات التي تتحدث عن امتلاك العدو معلومات عن وجود الانفاق سابقا منذ ما قبل العام 2014 ، وعدم تطرقه اليها في حينه، فيمكن استنتاج التالي:
رأى العدو انه في اثارة موضوع الانفاق، يمكن له ان يستغل ذلك في مناورة اخرى، كُشِفت خيوطها بعد تزامن الاعلان عن اكتشافها مع وصول الوفد الاميركي الى لبنان، والذي جاء بعنوان تقييد حركة وقدرات حزب الله، مستعملا ذريعة الانفاق بشكل أساسي، للعمل على ربط نزاع مع لبنان عبر الاميركيين او عبر الامم المتحدة، يُضغط من خلاله ديبلوماسيا على الدولة اللبنانية في الموضوع الاهم بالنسبة للعدو وللاميركيين، والذي هو تقييد حركة ونفوذ وفعالية وتأثير حزب الله في لبنان وفي سوريا.
-موقع المرده-