– خطاب باسيل لو وجّهه نحو الحجر لعاد الى الحياة ولكنه لم يفعل فعله في تليين قلوب العرب
***
بعيدا من شماتة صغار النفوس، عن هزالة التمثيل العربي في القمة العربية الاقتصادية المنعقدة في بيروت، مع العلم ألاّ سبب لهذه الشماتة، وبخاصة ان الوضع العربي المشرذم معروف، فلو كانت الدول العربية موحدة ومتماسكة، لما سمحت للولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من تقرير مصيرها، واللعب على انقساماتها وافتعال الحروب في ساحاتها، فمنذ حرب افغانستان الى العراق فليبيا وسوريا واليمن الخ… قتل وجرح وهجّر الملايين من العرب، ودمرت البنى التحتية في معظم الدول العربية، ولولا الانقسامات العربية لما أصبح العدو الصهيوني صديق وايران الصديقة عدو، ولولا التشرذم العربي لما كان لبنان بحاجة للتوجه الى الحكام العرب بالكلمة الوجدانية التي كتبها أمس وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية الاقتصادية التنموية، وتلاها على مسمع ممثلي هذه الدول التي تصمّ آذانها عن صراخ الالم الصادر عن شعوبها، فكيف ستصغي لصوت ضميرها الذي حاول أمس باسيل ان ينهضه من سباته، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود، اما فصل خطاب باسيل الذي لو وجّهه نحو الحجر لعاد الى الحياة، ولكنه لم يفعل فعله قط في تليين قلوب العرب، فجاء حين قال: ” في ظل الاستقلال والحكم الوطني، وايّ حكم وطني هذا الذي يفضّل الاجنبي على الوطني ويُبدّي الغريب على القريب ويهجّر شعبه ليستبدلَه بآخر؟”
إن مستوى الحضور في القمة، يندرج في خانة الشكل، أمّا في المضمون، فالذي يفصل ما يحصل بالقمة العربية الاقتصادية المنعقدة في بيروت عن الاحداث الجارية بالمنطقة فهو منفصل عن الواقع، لان الدول الكبرى المؤثرة في الحرب السورية، تعمل على إرساء الحلول لمنطقتنا، على المديين المتوسط والطويل، لأن التوجه على المدى القصير تبلور بانسحاب الولايات المتحدة عسكريا من المنطقة وسيطرة روسيا على زمام المبادرة، في حين ان واشنطن لم تنسحب كليا من الشرق الاوسط، وتحاول التعويض عن الانسحاب العسكري سياسيا اليوم من خلال حلفائها العرب، هؤلاء الذين يكذبون لأنهم وعدوا لبنان واللبنانيين بمستوى تمثيل في القمة على أرفع مستوى، وإذ بهم يخضعون للاملاءات الاميركية، بمعاقبة لبنان، فيعتذر رؤساؤهم عن حضور القمة، وهذا متوقّع، فلو كان الرئيس العماد ميشال عون، قائدا عاديا، لما رأينا هذا الهجوم على لبنان، فلو سار في مشروع الاستسلام العربي في فلسطين كما في سوريا، ولو سلّم رأس المقاومة في لبنان بتخليّه فقط عن تغطيتها داخليا، وانضم الى المحور الاميركي، لما كان تغيّب أي زعيم عربي، من اكبر دولة عربية الى اصغرها، ولكانوا اغدقوا على لبنان الخيرات او المكرمات كما يحلو للدول الخليجية تسميتها، غير انهم بدل ذلك يمارسون الضغط الاقتصادي على لبنان بهدف خنقه، ويغلفون مشروعهم هذا بلباس العقوبات على حزب الله فيما الهدف هو ضرب الحكم الاستقلالي الذي ارساه الرئيس عون في الحكم، منذ عودته الى قصر بعبدا في ال 2016، فدول الاستعمار القديم الجديد لا تتساهل مع رئيس مقاوم في وطن صغير على الخارطة العالمية ولكن كبير في الحضارة الانسانية، يخربط مخططات الكبار، منذ ان كان رئيسا للحكومة الانتقالية في العام 1988 ومستمر على نفس الخط المقاوم للمشاريع الاستعمارية في المشرق، برئاسة الجمهورية، أمّا الدولة الوحيدة التي نتأسف على عدم حضورها القمة، فهي سوريا المنتصرة على الارهاب ومشغليه، وقد عبّر باسيل في كلمته عن أهمية موقع سوريا في هذا المشرق وعلى امتداد خارطة العالم العربي، فقال: “سوريا يجب ان تكون في حضننا بدل ان نرميها في احضان الارهاب، دون ان ننتظر اذناً او سماحاً بعودتها، كي لا نسجّل على انفسنا عاراً تاريخياً بتعليق عضويتها بأمرٍ خارجي وباعادتها باذنٍ خارجي، وكي لا نضطر لاحقاً الى الاذن لمحاربة ارهاب او لمواجهة عدو او للحفاظ على استقلال، مضيفا ان سوريا هي الفجوة الاكبر اليوم في مؤتمرنا، ونشعر بثقل فراغها بدل ان نشعر بخفّة وجودها. سوريا يجب ان تعود الينا لنوقف الخسارةَ عن انفسِنا، قبل ان نوقفها عنها. ”
في الخلاصة ، نأسف لتورط بعض افرقاء الداخل في لبنان بمحاولة تفشيل القمة، لأن القمة لن تفشل، فالفشل ليس موجودا في قاموس العهد القوي، فسواء كان التمثيل على مستوى رفيع في القمة الاقتصادية التي انطلقت أمس، او لم يكن، فلبنان حقق انجازا اولا بعقد القمة في بيروت، لأن لبنان هو المنظم للقمة وليس صاحب الدعوة؛ على رغم أنف بعض المغرضين المعرقلين في الداخل، تارة بحجة عدم دعوة سوريا الى القمة وطورا على خلفية دعوة ليبيا الى القمة، وثانيا بفضل التنظيم الناجح لاستقبال القمة الذي قام به لبنان وهي تحضيرات في موضع فخر وتليق بوطننا.. فهؤلاء الذين لا يبرعوا سوى بالتخريب، لا يؤمنون بمؤتمر “سيدر” ولا بخطة ماكنزي التي ستحول اقتصادنا الريعي الى اقتصاد منتج، يحافظ على ثروتنا الشبابية كما الطبيعية، فيخرّبون بمحاولة تعطيل قمة عربية اقتصادية تنموية، لبنان بأمس الحاجة اليها لان مقرراتها ستفيد لبنان حكماً بما انها منعقدة في عاصمته، فضلا عن أهمية المبادرة التي سيطرحها الرئيس العماد ميشال عون غدا في القمة، لإعادة اعمار وتنمية الدول العربية التي دمرها الربيع العربي كما الحروب وعلى رأسها سوريا، ومحور مبادرة رئيس الجمهورية يقوم على ازمة النازحين واللاجئين..فشكرا للرئيس العماد ميشال عون، الذي ينقذ لبنان من فم التنين في كل مرّة، وهو قبطان السفينة الذي لا نثق بغيره في هذه المرحلة لقيادتها، وقد خاطب الحضور، في هذا الاطار بعد المشاركة في قداس عيد القديس انطونيوس بدعوة من الرهبانية الانطونية، قائلا: “لا تخافوا! نحن لن نترك السفينة، وسنقوم بعملية انقاذ لجميع من هم على متنها. نحن موجودون هنا، ولسنا معتادين على التخلي عن مسؤولياتنا”. وختم بالقول: “في زمن سابق، واجهنا الدبابة والطائرة والمدفع، ولم نخف. وكنت هنا في بعبدا الى جانبكم. نحن لن نترك بعبدا ولن نجعل احدا يسيطر على لبنان!”
اما نحن شعب لبنان العظيم فنقول كما قلنا في حرب التحرير في العام 1989 : ” ما بدنا من العالم عون…عنّا عون بيكفينا”.