حسان الحسن-
جاءت “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسورية” لتعبّر، من جهة، عن طبيعة العلاقات اللبنانية السورية المميزة، ومن جهة أخرى عن الروابط التاريخية والمصيرية التي تجسّدت في دورة حياة عمرانية واقتصادية وثقافية وسياسية واحدة بين البلدين على مرّ العصور، بحسب ما جاء في مقدمة “المعاهدة”.
ومن أجل متابعة تنفيذ أحكام “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” الموقّعة في أيار من العام 1991، أنشئت الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني السوري، وقد عُيّن نصري الخوري على رأسها ليكون مسؤولاً عن حسن قيام أجهزة الأمانة العامة بالمهام المحددة لها.
عن دور المجلس وأمانته العامة بعد العام 2011 تاريخ بدء الأزمة في سورية، يقول الخوري “في العام 2010 اتّخذت هيئة المتابعة والتنسيق في المجلس في حضور رئيسي مجلسي الوزراء اللبناني والسوري وحضور خمسة عشر وزيراً من كلا الجانبين، مجموعة من القرارات، تصبّ جميعها في إعادة تفعيل العلاقات بين لبنان وسورية في مختلف المجالات، والتمسك بمعاهدة التنسيق والأخوة، والعلاقات المميزة بين البلدين. ثم وقعت الأزمة في العام 2011، وانقسم اللبنانيون في المواقف تجاهها. على رغم ذلك ووسط الظروف الصعبة حاولت الأمانة العامة للمجلس جاهدةً الإبقاء على خطوط التواصل مفتوحة بين الجهات الرسمية في البلدين، والتنسيق بينهما على أكثر من صعيد، خصوصاً في شأن المشاكل الحدودية منذ تلك الفترة أي منذ العام 2011، ومنها المشاكل الأمنية، وإشكالات لها علاقة بتحديد الأراضي والتداخل الجغرافي. وفي هذا الإطار، كانت لجنة التنسيق العسكرية والأمنية المؤلفة من الجيشين اللبناني والسوري، إضافة الى ممثلين عن الأجهزة الأمنية وممثلين عن المحافظات التي يمتدّ نطاقها الجغرافي الى الحدود المشتركة بين البلدين، كالبقاع والشمال، تعقد اجتماعات للنظر في هذه الإشكالات، وإيجاد حلول لها. ولم تنقطع هذه الاجتماعات الشهرية الدورية، حتى في أصعب الظروف”.
ويضيف الخوري “حاولنا أيضاً إبقاء التواصل في مجال تنظيم شؤون الكهرباء والاتصالات، فعلى رغم الظروف الصعبة التي كانت تمرّ فيها الجارة الأقرب إلى لبنان، استمرّت في مدّه بالطاقة الكهربائية، وفي بعض الأحيان كانت تتراكم المستحقات السورية المتوجبة على الدولة اللبنانية، جراء عدم سدادها في وقتها، وعندها كانت تتدخل الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني السوري، وتسعى لإيجاد الحلول المناسبة لذلك. وكانت هناك أيضاً اجتماعات بين المعنيين في الجانبين لتنظيم شؤون الموارد المائية المشتركة بين البلدين، كنهري العاصي والكبير الجنوبي، كذلك في شأن المجال الزراعي، والتفاهم على إدخال المنتوجات الزراعية بين البلدين وما شابه”.
أزمة النزوح
في ملف النازحين السوريين، يؤكد الخوري “أن الأمانة العامة سعت الى إيجاد حلٍ ملائمٍ لأزمة النزوح السوري الى لبنان ما بين العامين 2013 و2014، ووضع جدول زمني لإعادة النازحين الى سورية، وتم التواصل مع الجهات الرسمية في لبنان وسورية، وفي مقدمهم رئيسا الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، والحكومة نجيب ميقاتي في حينه، وبالتنسيق أيضاً مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وجرى التوصل الى اتفاق يفضي الى تأليف لجنة مشتركة لبنانية – سورية، تشارك فيها الدوائر المعنية في شؤون النازحين في الأمم المتحدة، لتضع برنامجاً مرحلياً لبدء عودة النازحين الى بلادهم. ولكن بعد التوافق على أسماء أعضاء اللجنة، أبلغ الجانب اللبناني “الأمانة العامة”، أنه غير قادر على إصدار القرار المناسب في شأن تأليف هذه اللجنة، وتمنى التمهّل آنذاك”.
على رغم الأزمة السورية، استمرّت السفارتان في البلدين بالقيام بأعمالهما، على رغم اضطرار السفير اللبناني الى تسيير أعمال سفارته من بيروت لدواعٍ أمنية خلال فترة معينة، ليتلو تلك المرحلة شغور في الرئاسة الأولى إلى حين انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وبعدها انتداب لبنان سفيراً جديداً في دمشق. ودور السفارتين في البلدين يتكامل مع المجلس الأعلى اللبناني السوري، بحسب الخوري الذي يكشف “أن بعض الوزراء اللبنانيين من أصحاب المواقف التصعيدية من سورية وحكومتها، كانوا يتواصلون معه لحل مشاكل تتعلّق بشؤون وزاراتهم، وبالتالي تسيير شؤون المواطنين. فانقطاع التنسيق ينعكس سلباً على حياة المواطنين في البلدين”.
ويؤكد “أن العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري لم تنقطع، على رغم كل الظروف الصعبة التي مرّت في الأعوام السابقة”، لافتاً الى “أن عدد الذاهبين الى سورية والعائدين إليها في الوقت الراهن، أكثر بكثير من أعداد الوافدين الى لبنان، بحسب إحصاءات الأمن العام اللبناني والسوري، ما يعني أن عملية عودة النازحين السوريين الى بلادهم مستمرة، وإن بوتيرة بطيئة، كذلك هناك كثافة في عدد اللبنانيين الوافدين الى سورية، لأسباب مختلفة منها التسوق، والسياحة، وزيارة الأماكن الدينية”.
وعن سبب بطء وتيرة عودة النازحين، يرى الخوري “أن المنظمات الدولية عملت منذ اللحظات الأولى للأزمة السورية على التشجيع على النزوح، وعلى عرقلة تحقيق العودة المرتجاة من خلال الضغوط على الدولة اللبنانية، لتعطيل العودة لأسباب سياسية ومنفعية في آنٍ معاً”.
ويتحدث في هذا الإطار عن مخططات سياسية خطرة تتعلق بالنازحين، أشار اليها الرئيس ميشال عون منذ الأشهر الأولى للأزمة، ضارباً المثل بشأن بعض الفارّين من الجيش السوري والتحاقهم بالتنظيمات الإرهابية، والذين تم اعتقالهم على يد الأجهزة الأمنية اللبنانية، ثم أحيلوا الى المحكمة العسكرية التي أصدرت أحكاماً بإبعادهم عن لبنان، إلاّ أن المنظمات كانت تتدخل وتضغط على الدولة لإبقائهم في هذا البلد، ضمن تجمعات أو مخيمات شكلت بؤر توتر وقواعد للإرهاب. ويشير إلى “أن هذه المنظمات سجّلت الكثير من الحالات على أنها نزوح، وهي ليست كذلك، وعلى سبيل المثال بعض السوريين المسافرين للعمل في بعض الدول العربية وغيرها عبر مطار بيروت، وكل ذلك في سبيل تشديد الضغوط على الدولة السورية”.
ويقول الخوري “إن أكبر معطّل لعودة النازحين المأمولة، هو المنظمات الدولية، فالأمم المتحدة لا تزال تستخدم في العقود المتعلقة بشؤون النازحين مع الدولة اللبنانية، مصطلح لاجئين وليس نازحين، ويتحفّظ عليه لبنان، لأن للاجئين حصانات دولية، تمنع الدولة المضيفة من أن تعيدهم الى بلدهم، إلاّ عند توافر ظروف معينة، تحدّدها الأمم المتحدة. وهذا مؤشر خبيث على مخطط خطر يُعدّ ليس للبنان فحسب، بل للمنطقة بأسرها”.
ويشدد على ضرورة تفعيل التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية، خصوصاً في شأن عودة النازحين، مشيراً الى “وجود حالات تتطلب تسوية أوضاع قبل العودة، كذلك حالات أخرى لديها خصوصية أمنية وفي حاجة الى قرارٍ سياسيٍ، ومنها على سبيل المثال سماح السلطات السورية للمسلحين الذين كانوا منتشرين في جرود عرسال اللبنانية وسواها، بالعبور الى أراضيها، والتوجه الى الشمال أو الشرق السوري”.
وفيما اتخذ الرئيس عون حالياً المبادرة في هذا الشأن، وكلّف اللواء إبراهيم بالتنسيق مع الجانب السوري، تحقيق أكبر قدر ممكن من عودة النازحين الى ديارهم، إلاّ أن العودة المرتجاة، بحسب خوري، “تتطلّب قراراً في مجلس الوزراء تجمع عليه كل مكوّناته، وكذلك اتّخاذ موقف شجاع وحاسم من دور المنظمات الدولية المعرقل للعودة، والتي تعمل على ترهيب العائدين وهؤلاء الذين ينوون العودة، من خلال إخضاعهم لاستجوابات عن أسباب عودتهم، والدليل على ذلك تسجيل أسماء ألفي نازح على سبيل المثال يرغبون بالعودة الى بلادهم، فيعود منهم نحو ألف وخمسمئة فقط، وذلك نتيجة الضغوط المذكورة”.
كذلك يشدد الخوري على ضرورة اتخاذ موقف موحّد وشامل في مجلس الوزراء في وجه المخططات الدولية التي يُستخدم فيها عامل النزوح، إلى جانب دور المنظمات الدولية، لما في ذلك من أخطار كبيرة على الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية في لبنان.
مرحلة الانفتاح العربي
وبعد الانفتاح العربي الجديد على سورية، هل ثمة تغيير في الأداء اللبناني في شأن تفعيل العلاقات؟، يجيب الخوري “إن العلاقة موجودة، ولكن مطلوب تفعيلها وتفعيل الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين والمؤسسات المولجة الإشراف على حسن تنفيذها”.
ويضيف: “ما بين العامين 2008 و2010 علت بعض الأصوات في لبنان، مطالبة بإعادة النظر في الاتفاقيات المذكورة، ثم زار الرئيس ميشال سليمان دمشق، وعلى إثر ذلك صدر بيان رسمي تليته أنا من موقع المعني، وتم الإعلان بموجبه عن الاتفاق لتأليف لجنة وزارية موسعة، لإعادة النظر في تلك الاتفاقيات، ترأسها في حينه الوزير والنائب جان أوغاسبيان. وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعات عدّة في حضور الوزراء المعنيين، وتم من خلالها تعديل بعض بنود الاتفاقيات، بناء لطلب الجانب اللبناني. وأكدت اللجنة التمسّك بالعلاقات الأخوية، كذلك تفعيل الاتفاقيات وعمل المؤسسات المنبثقة عن معاهدة التنسيق والأخوة، وتم توقيع محضر بمجمل هذه الاتفاقيات الموافق عليها من الجانبين، من رئيسي الحكومتين اللبنانية سعد الحريري والسورية ناجي العطري في حينها. وبعد استقالة حكومة الحريري الأولى في العام 2010، طُرحت بعض الاتفاقيات المذكورة للتصويت عليها في مجلس النواب اللبناني، بعدما أبرمها الجانب السوري، فعارضها بشدة بعض الوزراء الذين وقعوها، وحاولوا إسقاطها في البرلمان، الأمر الذي دفع رئيس المجلس الى سحبها من التداول، في انتظار الظروف الملائمة لإقرارها”.
هذه الوقائع، برأي الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري، “تعني أن العلاقة بين لبنان وسورية قائمة، ولكن المطلوب اليوم إعادة تفعيلها، وهذا الأمر يتطلّب قراراً سياسياً، ولن يتحقق من دون إجماعٍ داخلي، وقد آن الآون لذلك”.
القمة الاقتصادية
وعن عدم دعوة دمشق الى القمة العربية الإقتصادية التي عُقدت في بيروت، لمس الخوري من المسؤولين السوريين عدم اهتمام في هذا الشأن، “فهم يعتبرون أن قرار تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية غير شرعي، في ضوء تحفّظ كلّ من لبنان، والعراق والجزائر عليه. وانطلاقا من ذلك، على الذين اتخذوا هذا القرار التراجع عنه. وعندما تدعو الجامعة دمشق الى حضور اجتماعتها، عندها ستنظر في الأمر، بحسب المسؤولين السوريين”.
أما في ما يتعلق بدور لبنان بما أن القمة عُقدت على أراضيه، فيؤكد الخوري “أن سورية تقدّر أصدقاءها، وتدرك تماماً حقيقة موقفهم، بالتالي هي تتفهم الموقف الرسمي اللبناني، ولديها حرص على الاستقرار في لبنان”. وهنا يجدد دعوة السلطات اللبنانية الى كسر الطوق الذي يمنع إعادة تفعيل العلاقات مع الجارة الأقرب، خصوصاً بعدما وصلت الى مرحلة الخروج النهائي من أزمتها، وبعد استعداد الشركات الأجنبية وغيرها للمشاركة في عملية إعادة إعمار سورية، لافتاً الى أن الدراسات الاقتصادية الأوروبية تحدثت أن معدل النمو في سوريا سيصل الى نحو 9%. وفي هذا المجال يؤكد الخوري “أن بعض الدول الأوروبية وسواها، تهرول الى سورية، للاستثمار فيها، وسواء شاركت أم لم تشارك في إعادة الإعمار، فلدى دمشق أصدقاء كثر، لديهم كل القدرة على إعادة إعمارها، ولذا على الدولة اللبنانية أن تعيد الأمور الى نصابها، ولدى فخامة الرئيس كل الحرص على ذلك، وسيتخذ القرار لإعادة تفعيل العلاقات في اللحظة المناسبة”، آملاً في أن يزور سورية في العام الراهن.
وعن عودة علاقات بعض الدول العربية مع دمشق، يشير الخوري الى “أن لدى غالبية الدول العربية علاقة مع سورية، خصوصاً في مجال التبادل الدبلوماسي، وإن تراجع بعضها، ولكن استمر على مستوى قناصل، ما عدا السعودية وقطر والمغرب. وكذلك الخطوط الجوية مفتوحة مع غالبية الدول العربية، على أمل أن تفعّل أكثر فأكثر”.
وفي هذا الصدد، يلفت الى إعادة فتح معبر نصيب مع الأردن، ويأمل أن يحذو لبنان حذو الأخير، “ويتخذ خطوات عملانية في تطوير علاقته بسورية، بدون ضجة سياسية”، على حدّ قوله.
ويكشف الخوري أن عدداً من رجال الأعمال اللبنانيين بدأوا بإنشاء شركات في سورية، استعداداً للمشاركة في عملية إعادة الإعمار، في مجالات متعددة، خصوصاً في الطاقة والاتصالات، إضافة الى الأعمال المصرفية، والزراعة وسواها، آملا في أن تكون الدولة اللبنانية، داعمة لهؤلاء.
ويختم الخوري بالتأكيد مجدداً “أن تفعيل العلاقة مع سورية فيه مصلحة مشتركة للبلدين وللشعبين، لما هناك من تداخل جغرافي واجتماعي وشعبي بين البلدين”.
-موقع التيار الوطني الحر-