– هي ليست معركة وزير بالزائد أو بالناقص إنما معركة رئيس من خشب أو رئيس مع صلاحيات
***
كثر كانوا يعتقدون أنهم سينتهون من “مشكلة ميشال عون” بمجرد وصوله إلى قصر بعبدا؛ دعكم من الخصوم، هناك بين أقرب المقربين من يقولون اليوم إن الجنرال رئيس ولديه أكبر كتلة نيابية فلماذا إضاعة كل هذا الوقت من أجل وزير بالناقص فسواء كانوا 7 أو 8 أو 11 النتيجة هي نفسها، خصوصاً أن ثلاثة أو أربعة هم وزراء دولة. وبين أقرب المقربين من يذهبون أبعد في تصديق دعاية الخبثاء بأن جبران باسيل يريد ثلثا معطلا للإمساك بالبلد في حال حصل أي عارض صحي مفاجئ للرئيس. ماكينة الخبث تتكل على تصديق المواطنين لأي شيء يردهم من المنافقين الذين يتنقلون على الشاشات بوصفهم إعلاميين دون أن يسأل أحد نفسه ماذا سيفيد باسيل الثلث المعطل وحتى النصف + 1 في حالة الشغور الرئاسي. هناك خبثاء يكذبون ليلا نهارا، ليس من بينهم واحد قادر على أن يشرح كيف سينفع الثلث أو غيره باسيل في حال مراوحة الأمور مكانها وتضخم الإحباط الشعبي من نجاحهم في إفشال عهد ميشال عون. كان للمعركة أسماء كثيرة، وغالباً ما استخدم فيها مرات كثيرة إسم جبران باسيل، لكنها ما تزال هي نفسها: معركة إسقاط ميشال عون.
هذا الرجل – المشروع الذي يحلم بالانتقال من دولة المليشيات إلى دولة القانون هو المشكلة. هذا الرجل المشروع الذي يحلم بالانتقال من إمارات المجالس والهيئات والصناديق والجزر والعصي إلى دولة المؤسسات هو المشكلة. وإليكم هنا الحقيقة كاملة:
هناك من اعتقد أن انتخاب عون رئيسا سيريح أعصاب الرجل باعتباره حقق حلمه، ويريحهم باعتبار أن ما من شيء أكثر من رئاسة الجمهورية. وعليه ستتشكل الحكومة على عجل وسيهرع الرئيس إلى توزيع مغانم المواقع الإدارية على الحاشية. لكن الاعتبارات لم تكن في محلها، لا هذه صحت ولا تلك. ميشال عون لا يحلم برئاسة الجمهورية إنما برئاسة جمهورية قوية، وليست الرئاسة تعويض نهاية الخدمة إنما مجرد محطة لتحقيق الحلم. بعد كل ما قيل عن تسوية رئاسية بين المستقبل وعون، أصر عون على فرض أكثر قانون انتخابيّ يلحق ضرراً بتيار المستقبل، مفشلاً كل مخططات نبيه بري ووليد جنبلاط للالتفاف على النسبية. لماذا؟ ليس لأنه ينقلب على حلفائه إنما لأن الثوابت الأساسية ثابتة وفي مقدمتها النسبية. وها هو يعين بدري ضاهر مديراً عاماً للجمارك، فماذا كانت باكورة قراراته؟ إجراءات إدارية تحول دون تشغيل أي هاتف مهرب وغير مجمرك على الأراضي اللبنانية ملحقاً بذلك ضررا هائلا بشبكة التهريب التي تُصدّر الهواتف المهربة من الضاحية لكل الأراضي اللبنانية. عين رولان خوري رئيساً لمجلس إدارة كازينو لبنان الذي هو بالمناسبة أحد أبرز الصناديق السوداء منذ الاستقلال، فماذا فعل رولان؟ لم يوظف عونيّا واحدا (أو غير عوني) بعدما كان الكازينو مسرح التوظيف الرئيسي بالنسبة لرئاسة الجمهورية، موقفاً كل مزاريب الهدر التقليدية ليرفع المداخيل السنوية من 60 مليون إلى 90 مليون رغم التراجع العامودي في عدد السياح العرب.
ولنذهب من هنا إلى النصف الثاني من اليوم الزحلي مع جبران باسيل. لقد تحالف التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية مع مدير مؤسسة كهرباء زحلة أسعد نكد على وقع الإشاعات الكثيرة بأن باسيل ألزم نكد بالانضمام للائحة كشرط لتجديد إمتياز كهرباء زحلة. فرقة الكذب والنفاق نفسها التي تتحدث عن ثلث باسيلي رئاسي روجت بقوة لنظرية المؤامرة بين باسيل ونكد، ثم أتى موعد انتهاء صلاحية الامتياز فتبين أن وزارة الطاقة ومن خلفها باسيل لا يريدون التجديد لنكد؛ لم يستحي الكذابون والمنافقون ويعتذروا عن أكاذيبهم السابقة إنما باتوا من المطالبين بتجديد الامتياز، وبات باسيل هو “العاطل” الذي يريد لزحلة أن تغرق بالعتمة. لكن ماذا حصل؟ وقف باسيل في زحلة أمس، محاطاً بنكد ووزير الطاقة سيزار أبي خليل ليحتفل بحفاظ زحلة على كهربائها 24 على 24 أولاً، وخفض الفاتورة بالنسبة للمستهلكين ثانياً، وتأمين ربح مالي خيالي للدولة اللبنانية من العقد الجديد ثالثاً. الصفقات التي كان يمكن توقيعها مع أصحاب الامتيازات تفوق أضعاف كل ما يخبرونكم به عن بواخر وغيره، لكن باسيل في عهد ميشال عون واصل ألغاء الامتيازات مؤمناً ربحا متساو للدولة أولاً والمواطن ثانياً والقطاع الخاص الذي ما زال يربح ثالثاً. وهو قال في زحلة لأسعد نكد أمس إنه اليوم قانونيّ مئة بالمئة وليس لأي أحد في الدولة أو خارجها أن يمننه أو يبتزه أو غيره؛ ربحه له وحده.
وعليه كان يفترض بالعماد ميشال عون أن يطمئن الأفرقاء السياسيين إلى أن تغير أو لان أو خفف قليلاً من عناده قبل تشكيلة حكومة العهد الأولى وإذا به يقول يومياً إنه هو هو، يريد بناء دولة. الكذب والنفاق والغبار كثيف، لكن ما على الرأي العام سوى سؤال نفسه سؤالين: من يتحدث ولماذا؟ من هم هؤلاء المنافقون على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي وماذا يريدون؟ بمجرد أن يجيب كل شخص نفسه عن هذين السؤالين سينصف عون. ليس السؤال متى تتشكل الحكومة إنما أي حكومة ولماذا. وهنا لا بدّ من الحديث عن الثلث الضامن؛ لا علاقة للثلث بما بعد عون؛ لا يمكن أحد بعد عمر عون الطويل تجاوز باسيل ليس بفضل وزرائه إنما بفضل تمثيله المسيحيّ الوازن؛ الثلث الضامن ضروري لفرض أمر واقع في ملف الكهرباء أولاً، والعلاقات اللبنانية – السورية ثانياً، واللبنانية – الخليجية ثالثاً، والنفط رابعاً، والإصلاح القضائي الجذري خامساً، ووضع حد لتفلت مجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة وجميع الصناديق. لقد خلصت التجربة العونية إلى أن تبويس اللحى لا يفيد؛ إما يكون هناك إصلاح أو لا يكون. الحلفاء وحلفاء الحلفاء من جميع الألوان ضروريين للوحدة الوطنية والاستقرار السياسي وغيره لكن لا يمكن المضي معهم في مشروع بناء الدولة؛ بناء الدولة يحتاج ثلثا وحبة مسك ومواجهات وتصويتا في مجلس الوزراء. لقد قال باسيل في زحلة كلاماً كبيراً عن تقديمهم – عبثاً – كل ما يلزهم من مبادرات حسن نية لتأمين القرار السياسي اللازم لبناء معامل الكهرباء على الغاز تنفيذاً لخطتهم الكهربائية. تبويس اللحى لم يؤدّ غايته. وفي حال فشلت الحكومة المقبلة في تأمين هذا الغطاء السياسي لهذه الخطة لا أحد يمكنه الوقوف في وجه الجزر الكهربائية حيث سيحق للمواطنين السؤال عما يحول دون اعتماد مولد كبير في كل منطقة، كما يحصل في زحلة. قال باسيل إنهم حاربوا منذ البداية فدرالية الكهرباء لكن هناك من يريد إفشال كل ما هو مركزي.
من يراقب ميشال عون لا بدّ أن يلاحظ التالي: هو يرفع الصوت – يهدأ قليلاً عشية المعركة – يربح قليلاً – يهدأ كثيراً – يرفع الصوت مجدداً– يفاوض – يربح قليلاً – يتراجع في التكتيك لكن في الثوابت – يرفع الصوت – يجمد الوضع – يربح قليلاً. من اعتقدوا أنهم سيخلصون منه عند انتخابه رئيسا، ما كانوا يعتقدون أنه يريد رئاسة مع صلاحيات. الثلث المعطل هي الصلاحيات التي خسرتها رئاسة الجمهورية. وميشال عون، لا أحد آخر، يخوض اليوم معركة استعادة الصلاحيات. ميشال عون ممثلاً بجبران باسيل و… فتحوا عيونكم جيداً: ميشال عون مدعوماً من حزب الله. ميشال عون ممثلاً بجبران باسيل ومدعوماً من حزب الله، يخوض معركة تأمين الصلاحيات لرئاسة الجمهورية. ولى الزمن الذي لا يكون لرئيس الجمهورية حق الفيتو فيه. حق الفيتو بيد، وحق إيقاف المماطلة والتمييع وتضييع الوقت في كل ما تم الاتفاق عليه، ولا سيما الكهرباء. أيهما أسوأ: أن تمر سنوات العهد الستة دون حكومة، أو أن تشكل حكومة وتمر سنوات العهد السنة دون تأمين الكهرباء. يفترض بهذه المعركة أن تكون معركة رأي عام؛ يفترض بالرأي العام أن يعلم أنها ليست معركة وزير بالزائد أو بالناقص إنما هي معركة رئيس من خشب أو رئيس مع صلاحيات.