أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


فصح الميلاد لتهيئة الفرد قبول التجسد الإلهي، لأنه يستحيل عَ المنغمس بالأكل والملاهي قبول السرّ

– صوم الميلاد بحسب الطقسين الأرثوذكسي والماروني 

***

بحسب الطقس الأرثوذكسي:

لمحة عن تاريخه :
يعود تاريخ التعييد لميلاد الربّ بالجسد، في بعض الكنائس الشرقيّة، إلى أواخر القرن الثاني، بحسب ما ورد في بعض النصوص للقدّيس اكليمنضس الإسكندريّ أوّل من ذكر هذا العيد. هذا التعييد كان يتمّ في يوم عيد الظهور الإلهيّ في السادس من شهر كانون الثاني. استمرّ ذلك إلى القرن الرابع؛ والقرن الخامس في كنيسة الإسكندريّة. استند الاحتفال بهذين العيدين في اليوم ذاته إلى ما ورد في إنجيل لوقا 3: 23، مباشرة بعد معموديّة يسوع من يوحنّا في الأردن، “ولمّا ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة”.

من هنا افتُرض أنّ يسوع اعتمد من يوحنّا في اليوم ذاته الذي وُلد فيه بالجسد قبل ثلاثين سنة. أمّا كنيسة روما فكانت تعيّد لميلاد الربّ بالجسد، لكن في الخامس والعشرين من شهر كانون الأوّل. أقدم شهادة على ممارسة كنيسة روما تعود إلى العام 336.

شهد القرن الرابع اعتماد التاريخ الغربيّ في الشرق لعيد الميلاد، وقد تمّ ذلك في أنطاكية خصوصاً بمبادرة من القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم. دخل هذا التاريخ أيضاً كبادوكيا على زمن القدّيس باسيليوس الكبير(+379)، والقسطنطينيّة على زمن القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ (379-385)، وأورشليم السنة 431. يبدو أنّ التاريخين الأوّلين لتعييد الميلاد في الشرق والغرب ارتبطا بأعياد وثنيّة.

في الغرب كان الخامس والعشرون من شهر كانون الأوّل يصادف في يوم عيد ميلاد الشمس الوثنيّ؛

بينما في الشرق كان السادس من شهر كانون الثاني يصادف في يوم عيد الميلاد العذريّ للإله ديونيسوس. فكان اختيار هذين اليومين في سبيل محاربة التأثير الوثنيّ على المؤمنين المسيحيّين، وخصوصاً الممارسات التي كانت ترافق الأعياد الوثنيّة (كالحفلات والسكر والدعارة).

نجد في القرن الرابع فترة تهيئة (صوم) لعيد الظهور الإلهيّ مدّتها ثلاثة أسابيع، وذلك عند القدّيس هيلاريون أسقف بواتيه، وبعد ذلك في مجمع ساراجوسا في إسبانيا. في الإسكندريّة يذكر القدّيس ثيوفيلس الإسكندريّ صوماً ليوم واحد في هذه المناسبة، وذلك في نهاية القرن الرابع. امتدّت هذه الفترة حتّى أصبحت أربعين يوماً (تشبّهاً بالصوم الكبير) في القرنين الخامس والسادس، وارتبطت في هذين القرنين بعيد الميلاد. ومن هنا عُرف أيضاً بصوم القدّيس فيلبّس الرسول لأنّه أصبح يبدأ في 15 تشرين الثاني، أي مباشرة بعد عيد القدّيس فيلبّس (14 تشرين الثاني). في بعض الأماكن أصبحت العظات، في الآحاد التي تسبق عيد الميلاد، تكرّس لموضوع العيد.

بربيتيوس أسقف مدينة تور في فرنسا (461-490) يذكر صوماً يسبق عيد الميلاد ويبدأ في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني. انتقلت هذه الممارسة إلى بعض الكنائس الغربية الأخرى في مجمع عُقد السنة 581.

بقيت هذه الممارسة (الصوم والتهيئة) محلّيّة وغير موحّدة، غير أنّها انتشرت خصوصاً في الأوساط الرهبانيّة في أديرة سوريّة وفلسطين خلال القرن السادس. نجد في هذه الفترة تبايناً كبيراً في ما يختصّ بتبنّي مختلف أعضاء الكنيسة لصوم الميلاد. غير أنّ الكنيسة رأت في هذا الصوم منفعة روحيّة كبيرة وقصداً إلهيّاً ملهماً من الروح القدس (القدّيس يوحنّا الدمشقيّ) فحاولت تعميمه على كلّ أعضائها. في هذا الإطار لم يعرف صوم الميلاد الصرامة التي للصوم الكبير بل كان منذ البدء مثلاً يُسمح فيه للرهبان الذين يعملون خارج بناء الدير أن يتناولوا وجبتين في اليوم (ظهراً ومساءً) وليس وجبة واحدة فقط، وكان يسمح أيضاً بأكل السمك باستثناء يومَي الأربعاء والجمعة (الأصوام في البدء كانت تتبع نظام وجبة واحدة فقط يوميّاً عند المساء مع امتناع عن الحيوان ومنتوجاته). الممارسة الحاليّة تسمح بثلاث وجبات لمن يريد…

ويستعد الأرثوذكس والأقباط لبدء صوم الميلاد المقدس، الذى يستمر ٤٣ يوما لينتهى فى السابع من يناير المقبل، ويسبق الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح.

وقد انتشر ما بين القرن الرابع والقرن السادس الميلادى، الحديث عن صوم يسبق الاحتفال بعيد الميلاد مدته أربعون يوماً، ويسمى «أربعينية الميلاد» ويكون الصوم فيه ثلاثة أيام فى الأسبوع، غالبا الإثنين والأربعاء والجمعة.
وأول من فرض صوم الميلاد بصفة رسمية هو البطريرك «٦٦» للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، البابا ثيؤدسيوس، (١٠٤٦- ١٠٧٧)، فى قوانينه التى حدد بها الأصوام المفروضة، ومنذ أن بدأ هذا الصوم، واستقر الرأى على أن تكون عدد أيامه أربعين يوماً حتى يماثل الأربعين المقدسة التى صامها موسى النبى، حتى استلم لوحى الشريعة التى نقش عليها الوصايا العشر.

وأضافت الكنيسة القبطية، الأيام الثلاثة التى صامها الأنبا إبرام بن زرعة السريانى (٩٧٥-٩٧٨) البطريرك «٦٢» من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والشعب القبطى معه قبل «نقل جبل المقطم»، فصار صوم الميلاد فى الكنيسة القبطية ٤٣ يوما، ثم عدل البابا غبريال الثامن (١٥٨٧- ١٦٠٣) البطريرك السابع والتسعون فى قراراته التى سنها بخصوص تعديل الأصوام، وصدرت فى سنة ١٦٠٢ «أن يبدأ الصوم من أول شهر كيهك ويكون فصحه عيد الميلاد»، أى تكون مدته ٢٨ يوما فقط، إلا أن الكنيسة عادت بعد وفاته إلى المدة المحددة سابقا ٤٣ يوما.

كما أن الكنيسة السريانية الأنطاكية كانت تصوم صوم الميلاد بدءا من نصف نوفمبر إلى الخامس والعشرين من ديسمبر أربعين يوما.

قال القس كيرلس كيرلس: «فى الحقيقة لا توجد مصادر أخرى تشير إلى ممارسة الصوم ستة أسابيع قبل عيد الميلاد، إلا عند جريجوريوس أسقف تورس، وكان الصوم فيها أيام الإثنين والأربعاء والجمعة فقط، كما كانت فرنسا هى بداية وأصل هذه الأسابيع الستة التى تصام قبل عيد الميلاد والتى رتبت فى القرن السادس لتتشابه مع الصوم الكبير».

فيما ذكر القمص صموئيل تواضروس السريانى نوع الطعام الذى يؤكل فى هذا الصوم قائلا: «عرف المسيحيون هذا الصوم منذ القرون الأولى، وقد زاوله المسيحيون فى كل الأرض وربما رجال الدين أولاً استعدادا للاحتفال بعيد الميلاد المجيد، واتفقوا على تحديد مدته بأربعين يوماً، ويؤكل فى هذا الصوم السمك مع القطانى وكل أصناف الحلوى».

بحسب الطقس الماروني:

في 15 من شهر ت2 يبدأ صوم الميلاد وينتهي بعيد ميلاد السيد المسيح.

أهمية عيد الميلاد بالنسبة لخلاصنا تفرض بشكل طبيعي هذا الصوم كتحضير لنا كي نكون مستعدين ان تستقبل في مذود قلوبنا المسيح ” الآتي” من المشارق ليمنحنا من جديد ما خسرناه في السابق أي الحياة الأبدية .

تسمي بعض الكتب الكنسية القديمة عيد الميلاد فصحاً، وذلك بسبب ارتباط عيد الميلاد الوثيق بسر خلاصنا من الخطيئة ونجاتنا من الموت، لذلك فان ترتيب الخدم الليتورجية المرافقة للميلاد وما قبله وما بعده تشبه الى حد بعيد الخدم المرافقة للفصح. الكنيسة حددت صوم الميلاد لتهيئ لكل فرد المستوى الروحي الذي يستطيع من خلاله قبول سر الخلاص والمعلن في التجسد الإلهي، أي في ميلاد المسيح،لأنه يستحيل على الإنسان الطبيعي المنغمس في الأكل والشرب والملاهي ان يقبل هذا السر الفائق الطبيعة، لذلك إذا لم يرتفع الإنسان الى ما فوق الطبيعة بكل كيانه بالصوم حتى يتهيأ العقل للتفكير في إمكانية التجسد وضرورته فلن يستطيع ان يدرك هذا السر .

الفكرة الأساسية في الصوم هي التهيئى لـ “مجيء” الرب يسوع. قد يشعر البعض ان كلمة “مجيء” هي رمزية لان المسيح يأتي إلينا في كل وقت ويعيش معنا فينا .رغم ذلك فان اقتراب يسوع وحضوره الأزليين يأخذان طابعا خاصا وزخما قويا في زمن الصوم هذا لان الصوم يمنحنا نعمة ان نعي هذا الحضور بوضوح أكثر وبجدة. انه زمن انتظارنا للنور الذي سيظهر . ننتظر تجسد الإله، ان يصير إنسانا مثلنا لكي يخلصنا . :”صار الإله إنسانا لكي يصير الإنسان إلها “. تجسد يسوع لكي نستعيد الوحدة والشركة معه . ونحن نستعد لاقتبال الحدث بالصوم .

صوم الميلاد ليس قاسياً مثل الصوم الكبير، لا نصوم خلاله عن الطعام حتى الظهر، لكن لا يسمح بأكل اللحوم والمنتجات الحيوانية طيلة الصوم إنما تسمح الكنيسة بأكل الأسماك والمنتجات البحرية ما عدا الأربعاء والجمعة . كذالك تُمنع الأكاليل من 20 كانون الأول وحتى السابع من كانون الثاني ضمناً . الصوم يحافظ على كل فضيلة وهو بداية جهاد واكليل الذين في الإمساك وهو بدء الحياة المسيحية وأم الصلاة.

***

من أقوال القديس يوحنّا الذهبي الفم
في صوم الميلاد .

إخجل عندما تخطأ، ولا تخجل عندما تتوب،
فالخطيئة هي الجرح، والتوبة هي العلاج.
الخطيئة يتبعها الخجل، والتوبة يتبعها الجرأة.
لكن الشيطان قد عكس هذا الترتيب:
فيعطي جرأةً في الخطيئة، وخجلاً من التوبة.

عندما يشرق نور الشمس،
تهرب الوحوش الضارية
وتختبئ في أوكارها،
وهكذا حينما نبتدئ بالصلاة،
فهي شعاعٌ يشرق علينا،
فيستضيء العقل بنورها،
وحينئذٍ تهرب كلّ الشهوات
الوحشيّة الجاهلة.

إنْ كنتَ لا تستطيع أن تستر أخاك،
وأن تأخذ خطيئته وتنسبها إلى نفسك،
وأن تموت عنه، فعلى الأقلّ لا تدنه.

يشتاق الله لأن يغفر خطايانا
أكثر ممّا نشتاق نحن للتوبة.

أعطني البرهان على صومك بأعمالك:
لا تصوّم فمك فقط، ولكن صوّم عينيك
وأذنيك ورجليك ويديك وكلّ جسدك:

صوّم يديك عن الأخذ والجشع
وعن أعمال الشرّ.

صوّم رجليك عن الجري
وراء الذنوب والمعاصي.

صوّم عينيك عن السرور برؤية
كلّ ما هو شرّير.

صوّم أذنيك ولسانك
عن كلام الشرّ والنميمة.

صوّم فمك عن كلمات الكراهية
والانتقاد والظلم والافتراء.

جميلٌ أن تحرم نفسك
عن أكل لحوم الطيور والحيوانات،
لكن الويل لمن يستمرّ بأكل لحم إخوته.

الإيلية الكونية _الأب العلاّمة يوسف يمين