النتيجة الأهم التي يمكن استخلاصها من عمليات المقاومة المسلحة المتصاعدة في الضفة الغربية المحتلة هذه الأيام التي أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين إسرائيليين وإصابة عشرة على الأقل، أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يقدم نفسه لبعض الحكومات العربية في منطقة الخليج(الفارسي) وأفريقيا بأنه القادر على حمايتهم وتقديم الخبرات الأمنية لهم، لحماية عروشهم، وقمْع أي انتفاضات شعبية ضدهم، بات غير قادر على حماية مستوطنيه، وتحقيق الأمن والاستقرار لهم.
بضاعة نتنياهو الأمنية التي يتباهى بها أمام أصدقائه العرب الجدد، أثبت رجال المقاومة في الضفة الغربية ابتداء من الشهيد أشرف نعالوه، منفذ عملية “بركان”، أو صالح عمر البرغوثي منفذ عملية “عوفرا”، وزميلهم الثالث الذي انسحب سالما من عملية “عوفرا” الثانية، بعد أن قتل مستوطنين ثأرا لاستشهادهما وأصاب آخرين، اثنين أثبتوا عمليا أنها بضاعة مغشوشة وبائرة وغير قابلة للتسويق.
66 يوما وكل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مصحوبة بوحدات خاصة في الجيش الإسرائيلي كلها مزودة بأحدث الأجهزة، وطابور خامس طويل من العملاء المخبرين، تبحث عن الشاب المقاوم البطل أشرف نعالوه دون أن تحقق أي تقدم، ولا نستبعد أن قوات الأمن الفلسطينية التي تعمل تحت خدمة الاحتلال، في إطار اتفاقيات التنسيق الأمني هي التي اكتشفت مكانه في مخيم عسكر لللاجئين الفلسطينيين شرق مدينة نابلس، وقدمت معلوماتها للإسرائيليين.
الشهيد نعالوه لم يستسلم، وقاوم حتى النفس الأخير في البيت الذي كان يحتمي فيه ووفره له المقاومون الشرفاء من زملائه وقبيل تنفيذه لهجوم ثان ضد المستوطنين في المنطقة، فهؤلاء رجالٌ عاهدوا خالقهم، جل وعلا، على الشهادة، والانتقال إلى دار الخلود عبر أقصر طرقها، وكان لهم ما أرادوا.
كل اللقاءات الثنائية، والوساطات المصرية، ولسنوات، فشلت في إعادة اللحْمة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وها هي المقاومة تعيد توحيدهما على أرضيتها، وبصورة أكثر قوة من أي وقت مضى، وعلى أيدي شبان في مقتبل العمر، ولا يؤمنون بالبيانات الانشائية والتصريحات الرنانة بل بالعمل المقاوم.
الضفة الغربية مثل الفيل الضخم، ربما يكون حركته بطيئة، ولكنه إذا انتفض فإنه يحطم كل شيء أمامه، وتصعب السيطرة عليه، أو مثْل الجمل العربي الأصيل، صاحب النفس الطويل، يصبر ويتحمل ولكنه عندما ينْتقم من الذين يهينونه فإن انتقامه بلا حدود.
ما نشهده حاليا في الضفة الغربية هو ثورةٌ انتقاميةٌ على مسلسل طويل من الإهانات على أيدي الاحتلال وقواته، ورد قوي معبر على كل الذين أسقطوا الشعب الفلسطيني من حساباتهم وتجاوزوه وصادقوا الاحتلال واعتبروه حليفا وحاميا.
أهل الضفة الغربية الشجعان لا يثورون على الظلم الإسرائيلي فقط، وإنما على سلطة تدعي أنها تتحدث باسْم الفلسطينيين جميعا، وترد على الإهانات الإسرائيلية، وآخرها اقتحام وكالة أنبائها (وفا)، ومحاصرة وزارة ماليتها، بالمزيد من التنسيق الأمني، والتعاون مع الاحتلال وأجْهزته.
القاسم المشترك في جميع عمليات المقاومة الأخيرة، سواء كانت دهْسا أو طعْنا أو إطلاق نار حي، أنها تستهدف مستوطنين وجنودا إسرائيليين يوفرون لهم الحماية، وتوجه رسالة قوية لهؤلاء وقادتهم، بأنه غير مرحب بهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووجودهم غير شرعي وعليهم الرحيل، وفي أسرع وقت ممْكن إذا كانوا يريدون الحفاظ على أرواحهم.
حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي تبنت عمليات “بركان” و”عوفرا” الثلاث الأخيرة، وقالت إنها جاءت احتفالا بالذكرى 31 لقيامها، وتوعدت كتائب “القسام” جناحها العسكري “بأن على العدو ألا يحلم بالأمْن والأمان والاستقرار في ضفتنا الباسلة، فجمْر الضفة تحت الرماد سيحرق المحتل، ويذيقه بأس رجالها الأحرار من حيث لا يحتسب العدو ويتوقع”.
المقاومة الفلسطينية لم تذهب حتى تعود، وإن عادت فإن عودتها دائما قوية ومؤثرة، تزلزل أسس الاحتلال وتجعل وجوده واستمراره مكْلفا وباهظ الثمن، ولن تخيفها تهديدات نتنياهو بالمزيد من المستوطنات، لأنها تثق بأنها ستعود إلى شعبها كاملة في المستقبل القريب.
حقائق كثيرة حجبتها الغطرسة الإسرائيلية، والدعم الأمريكي المفتوح، وأبرزها أن الشعب الفلسطيني لن يسْتسلم، وقادرٌ على قلب الطاولة على محتليه، وتغيير المعادلات كلها، ليس في فلسطين المحتلة فقط، وإنما في المنطقة العربية، مدعوما بالشعوب الإسلامية العربية الشريفة من المحيط إلى الخليج(الفارسي).
***
نقطة التحول بدأت بهزيمة “إسرائيل” في أربع حروب، وآخرها الأقصر مدة (48 ساعة) كانت درة صولجان المقاومة، لما أظهرته من أسلحة صاروخية نوعية متقدمة، ويعلم الله ما تخبئه المقاومة من أسلحة للمواجهة الخامسة ولم تستخدم بعد، ولا نستبعد أن استجداء نتنياهو للوسيط المصري لوقف إطلاق نار سريع كان رعبا منها.
السيد حسن نصر الله نصح المستوطنين الإسرائيليين بالرحيل فورا لأن الحرب القادمة والأسلحة المستخدمة فيها لن تمهلهم طويلا، والسيد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني نصحهم بدوره بتعلم السباحة لأنه لن يكون أمامهم غير البحر كوجهة للهروب.. ونحن الآن في انتظار نصيحة محمد الضيف، قائد كتائب “القسام” لهم.
الإسرائيليون أضاعوا كل فرص السلام واختاروا الاستيطان والعنصرية وإذلال من اعتقد أنه يمكن التفاوض والتعايش معهم.. لقد أخْطأوا في جميع حساباتهم، واقترب وقت دفع الثمن.. والله أعلمْ.
عبدالباري عطوان ـ رأي اليوم