المحامي أنطوان ع. نصرالله –
أنا الذي أكره المناسبات والاحتفالات والأعياد التي تستهلك وقتَنا وأعصابنا،
رأيتُني ومن دون أن أشعر أكسر هذا الكره، وأحمل إليها في عيدها باقة ورد حمراء، أعرف سلفاً بأنّني لن أستطيع أن أُسلّمها إليها باليد، ولكنّني على الرغم من ذلك كنتُ سعيداً فرحاً لأنني من خلالها كنتُ أُعبّر لها عن سعادتي لأنني عشتُ في زمن «فيروز»، ولكي أشكرَها هي التي لا تعرفني، وأعظمُ أنواع الشكر لمَن لا يعرفك شخصياً، لأنّ صوتها الدافئ والمحِب كان رفيق دربي في هذه الحياة وعلّمني ووعّاني ومسَك بي لكي لا أسقط وأضيع…
فهي ومن دون أن تدري كانت معي في طفولتي حينما كان يُصرّ والدي أن أنام على دفء صوتها الناعم والصلب في آن واحد، ومن يومها وهي ترافقني وتشدّ أزري. لطالما أقنَعني ترنيمها أن أبقى في هذا الوطن التعيس، فلبنان معها مستقل ولو كان تحت الاحتلال. فهي علّمتني أن أحبّه كثيراً لحتّى «تخلص الدني…». رقّة صوتها ودفئه كانا أملي في زنزانة الانتظار الثقيل الذي عرفتُه وأنا مرميّ على رصيف النسيان… وهو يصاحبني في صحراء أجتازُها يومياً علّني أصل إلى واحة الرجاء…
ومعها تعلّمت الحبّ وكبرَت عندي المشاعر، أغانيها كانت رسائلي الوحيدة مع من أحبّ، وأفضل هدية كنت أقدّمها خوفاً من أن «يسرق منّا المشوار».
وهي من علمني أن أهرب من الوقت كي «ينساني الزمان» ذلك القهّار الذي لا ينسى أحداً ويمرّ على جميع الناس بلا استثناء. فأبقى هناك «على سطح الجيران» الذي هدّمته يد الحضارة التي لن ترحمنا… تُلزمني صاحبة العيد يومياً بالتفاؤل والإيجابية، على الرغم من قسوة الأيام وغدرِ الناس وقوّة الظالم، وأن أنتظر معها على بوّابة العمر المشرّع على كلّ الخيبات…
وما زلتُ إلى اليوم كلّما سمعتُ رنّة صوتها أتعمشق بكلمات تخرج بوداعةٍ غريبة وجمالٍ ما بَعده جمال، فتتّسع الأماكن على الرغم من ضيقها، وتتجمّل الطبيعة التي نعمل يومياً على نَحرها وتخريبها، ونتصالح مع ذلك «البحر الكبير» ونتمشى لنطال «القمر البعيد» وتلك «السماء العالية»، فمعها نعيش الحلم واقعاً ونأمل بغدٍ أفضل.
هي القادرة على أن تدهشَني كلّما سمعتُها تغنّي أو ترنّم بذلك العمق وتلك السهولة، فأشعر بأنني ما زلت أعيش وأستحقّ هذه الحياة… صوتها وأداؤها حملا إليّ أجملَ الكتابات وأصعبَها فسهّلا المعاني والصور، فتحوّلَت بفضلها من مواضيع جامدة مكتوبة على الورق، إلى صلاة أردّدُها يومياً بسهولة مؤمنٍ ينتظر من ينقِذه مِن نيران الشكّ الذي لا ينتهي…
وكأنّ صوتها خُلِق لكي يُعلّمنا ويرافقنا ويُجمّل حياتنا…
إلى تلك الأيقونة في عيدها ألفُ شُكر، إلى صوت «فيروز» ألف تحيّة، إلى أداء «فيروز» ألفُ وردة ووردة… إلى «فيروز» الإنسانة ألفُ كلّ سنة وأنتِ بخير.
المصدر: الجمهورية