– قبل أن يتراصَف الأوادم مع الزعران على منصَّة احتفال ذكرى الإستقلال (أمين أبوراشد)
***
لا يقتصر تصنيف الرأي العام، على الرؤية السياسية أو الحزبية، إذا اعتبرنا أن كلمة السياسة هي حُسن إدارة شؤون الناس، وأن كلمة حزب تعني، تكتُّل شعبي مُنَظَّم وبرامج عمل، ولا نرغب دخول زواريب السياسة والأحزاب في لبنان، لأن بعضها أوكار ومواخير وأرصفة تسكُّع خلف الزعيم.
في غياب معايير التقييم ووسائل التقويم، تنطَّح أحدهم وقرر مُسامرتي في السياسة، وبدأ الحديث عن إنجازات صفر لعهد فخامة الرئيس ميشال عون، فسألته: أنت تبني منزلاً فوق منزل والِدَيك، وأمضيت حتى الآن ست سنوات ولم تُنجِز بناءه رغم أن الأساسات موجودة ومتينة، فبأي منطِق عملي تُطالِب هذا العهد أن يبني لك دولة على أساسات مزارع مُتناحرة وبشراكة إلزامية مع “مزارعجيي”؟!
بناء عليه، وقبل أن يتراصَف الأوادم مع الزعران على منصَّة احتفال ذكرى الإستقلال، يجب أن نعترف أننا نحن شعبٌ مستقلّ عن الذاكرة والضمير، وأننا نُصفِّق للزعران عندما يُهاجمون الأوادم.
نحن بلا ذاكرة ولا ضمير، إذا أغفلنا أو أنكرنا أن استقلال 1943 تمّ استكماله خلال عاميّ 2000 و2006 بمواجهة العدو الإسرائيلي المُتغطرس، وعام 2017 بمواجهة شياطين الإرهاب التكفيري.
نحن بلا ذاكرة وبلا ضمير، عندما نسمح للعملاء من كل الفئات أن يُزايدوا على الشرفاء في الوطنية والسيادة والإستقلال الحقيقي.
نحن بلا ذاكرة ولا ضمير، لأننا غَفَرنا – قانوناً – لمن جعلوا الدولة مغاور علي بابا، ونطقنا بالحُكم “عفا الله عمَّا مضى”، عن مَن سرق وبذَّر 11 مليار دولار وما زال خارج أسوار سجن رومية، لا بل هو متواجد على الساحة السياسية بكل وقاحة، وينتقد عهداً جاء ليكنِس نفايات أدائه الوسِخ، وأداء كل من يُشبهه.
نحن بلا ذاكرة لأننا لا نتَّعظ من حربنا الأهلية، ومن نزاعاتنا الإنتحارية، ومن تدمير وطن في زمن التهجير الجماعي، حيث أوطان الآخرين في هذا الشرق غَدَت خِيَماً مُتنقِّلة لملايين اللاجئين والنازحين.
ونحن بلا ضمير، لأننا نُطالب بالكهرباء وبعضنا يسرق الكهرباء، ونثُور على ملف النفايات ونرمي النفايات عشوائياً ونرمي معها أخلاقنا، ونشكو البطالة ولسنا على استعداد لمُنافسة النازحين في أجورهم لأن “البرستيج” لا يسمح، ونشكو من الفساد ولا نُقدِم على نشر أسماء مُرتكبيه على سطوح بيروت…
ذكرى الإستقلال، ستبقى احتفالية رمزية باهتة في دواخلنا، ما دُمنا لا نُمارس مواطَنَتنا كل يوم وفي أي موقعِ كُنَّا، وما دُمنا نعيش الإستقلال عن الذاكرة والضمير وعن الأخلاق الراقية، في بناء وطن، وطن عزيز فُرصَتُه الإستثنائية أن على رأس الهرم فيه اليوم قائد شجاع ورئيس آدمي، وكل ما هو مطلوبٌ منا أن نكون شُجعاناً في خياراتنا الصائبة وأن نكون أوادم،…وعاش لبنان.