-التعويض المعنوي على أهالي ضحايا مجزرة اهدن شرط للمصالحة الحقيقية
***
ان المصالحة بين فريقين نتج عن المواجهة بينهما بالحرب اللبنانية ضحايا مدنيين وعسكريين، ضرورية من الناحية الوجدانية لطي صفحة سوداء من علاقة دموية، وبناء مستقبل سياسي لجمهور الطرفين، ولكن التعويض على أهالي الضحايا هو أحد شروط المصالحة الحقيقية، وطبيعة هذا التعويض معنوية بالدرجة الاولى، فهل حصل هذا التعويض على أهالي الضحايا ال 28، من شباب المرده، لتكون هذه الخطوة حقيقية؟
فالمصالحة التي تمّت بين رئيس تيار المرده سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أمس برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي، في بكركي، اقتصرت على الناحية الوجدانية، في حين ان العامل الاساسي في اي مصالحة يجب ان يكون سياسياً، فلا شيئ يعوّض معنويا على اهالي الضحايا الذين خسروا احباءهم في حرب داخلية على الاخص، وهنا نتناول بالتحديد “مجزرة اهدن“، إلا الثمن السياسي لهذه المصالحة، وهنا لا أعني ما يحصّله كل طرف لصالحه او لصالح حزبه، بل ما يترتب على المصالحة من نتائج ايجابية اولا على جمهوري الطرفين المتصالحين، وثانياً ما تؤسسه هذه المصالحة من منفعة على المستوى الوطني؛ وبالعودة الى مصالحة بكركي بين فرنجية وجعجع، نرى ان هذه المنفعة لم تتحقّق لأنها لم تترجم باتفاق سياسي، بحسب ما اعلنه الطرفان صراحة، فلا شروط وضعها احد على الاخر لتتم المصالحة، ولا بنود سياسية ترتّبها العلاقة الجديدة بين الفريقين.
إذاً اقتصرت المصالحة على طي صفحة الماضي وختم الجراح، كي لا يعود التقاتل العسكري بينهما ربما في اي ظرف من الظروف، ولكن هل يحتاج هذا الهدف إجراء مصالحة؟ اوليس من المفترض ان المصالحة الوطنية بين مختلف الافرقاء اللبنانيين حصلت في العام 1990، بعد توقف الحرب؟ أولم تنتهي الحرب اللبنانية كما هو مفترض وفق مبدأ “عفى الله عما مضى،”؟ ولو كان ما حصل غير منطقي، إذ ان المصالحة الحقيقية لم تحصل لأن المصارحة بين اللبنانيين لم تتمّ، فالمجرم في الحرب لم يعترف بجريمته والضحية لم تحصل على اعتذار، وكذلك ما حصل امس في بكركي، لم ينتج عن مصارحة لأن المجرم لم يعترف بأنه ارتكب مجزرة اهدن، والضحية بالمقابل لم تحصل على اعتذار عن المجزرة، في حين ان مصالحة معراب التي تمّت بين الرئيس العماد ميشال عون وقائد القوات سمير جعجع، أنتجت ورقة نوايا وأرست قواعد واضحة للعلاقة بين الفريقين، وان كانت القوات تنصلت منها لاحقا، ولكنها الى جانب انها طوت صفحة العداء بين جمهوري الطرفين، انتجت كذلك ثمار وفوائد سياسية صبّت في مصلحة الوطن، ولذلك، ما حصل امس في بكركي لا يرقى الى مستوى المصالحة بل هو عبارة عن فك اشتباك لا أكثر، والدليل على ذلك ما جاء في بيان المصالحة الذي تلاه المطران جوزيف نفّاع بعد انتهاء الخلوة بين جعجع وفرنجية، وهو كالتالي:
“ينطلق اللقاء من قاعدة تمسك كل طرف بقناعاته وثوابته السياسية ولا تحمل التزامات محددة، بل هي قرار لتخطي مرحلة أليمة ووضع أسس حوار مستمر. واحترام حرية العمل السياسي والحزبي في القرى والبلدات والمناطق ذات العمق الأكثري لكلا الطرفين، والتنسيق فيما يتعلق بالنشاطات والخطوات التي قد تؤدي إلى أي سوء تفاهم بينهما”.