عَ مدار الساعة


بيت الله مكان عبادة أو صالونًا اجتماعيًا.. (البابا فرنسيس)

–  لتكن الاحتفالات سعيدة إنما غير دنيوية لأنّ العالم يتّكل على الإله المال؟
– نحن الأحياء، وحدنا مورد الأموات. نحن وحدنا قوّتهم التحرّريّة.. (شهر ت2 مخصص للنفس المطهرية)

(1)

“على الكنائس أن تكون مكان لقاء مع الله وليست أسواقًا”، هذا ما أكّده عليه البابا فرنسيس اليوم أثناء عظته الصباحية من دار القديسة مارتا متأمّلاً  بالإنجيل الذي فيه طرد يسوع الباعة من الهيكل. أشار إلى أنّ هذا المكان كان ممتلئًا من الأصنام، أشخاص جاهزين لخدمة “المال” بدل “الله”: “خلف المال، يوجد الصنم لأنّ الأصنام هي دائمًا من ذهب وهي تستعبدنا”.

بالنسبة إلى البابا، هذا المشهد “يجعلنا نفكّر في الأسلوب الذي نعامل فيه معابدنا، كنائسنا؛ إن كانت بيوت الله حقًا، بيت صلاة ولقاء مع الربّ؛ إن كان الكهنة يعزّزون ذلك أو إن كانت تشبه أسواقًا”.

وأضاف: “أحيانًا… أرى لائحة أسعار فأقول: “هل أصبحت الأسرار مسعّرة؟ لا، ولكنها تقدمة”، وبالتالي إن أراد أحد أن يترك تقدمة – وهذا واجب أيضًا – فليضعها في صندوق التقادم بشكل خفي بدون أن يرى أحدًا قيمة التقدمة. واليوم أيضًا نجد هذا الخطر. قد يقول لي أحدكم: “ولكن علينا أن نحافظ على الكنيسة”، نعم صحيح ولكن ليحافظ عليها المؤمنون من خلال صندوق التقادم ولا من خلال لائحة أسعار.

ذكر البابا “بعض الاحتفالات التي تتساءل في خلالها حين تدخل: هل أصبح بيت الله مكان عبادة أو صالونًا اجتماعيًا؟ صحيح أنه على الاحتفالات أن تكون سعيدة إنما غير دنيوية لأنّ العالم يتّكل على الإله المال… وهذه تسمّى عبادة أصنام. يدفعنا هذا الأمر إلى التفكير: كيف نتحمّس ونغار على كنائسنا؟ بأي احترام ندخل إليها؟”

ثمّ دعا إلى القيام بفحص ضمير: “قلب كلّ واحد منا يمثّل “هيكلاً”: هيكل الله” اأنا لا أسأل ما هي خطيئتك أو ما هي خطيئتي وإنما إن كان يوجد صنم في داخلك إن كان في داخلك الإله المال. إن كان هناك خطيئة في داخلك وذهبت إلى الرب الإله الرحوم فهو سيغفر لك، ولكن إن كان هناك الرب الآخر – أي الإله المال – فأنت فاسد ولست مجرّد خاطئ. لأن نواة الفساد هي عبادة الأصنام أي أن يبيع المرء نفسه للإله المال وإله السلطة.

(2)

شهر تشرين الثاني مخصص للصلاة “للأنفس المطهرية”

“مأساة آلامهم وعجز صلواتهم”

١- عجز آلامهم:

عند الموت تفقد النفس جزاءها لأنّها لم تعد حرّة الاختيار بين الخير والشرّ . فمثل المطهر ، في تلك الليلة الذي تكلّم عليها السيّد المسيح في الإنجيل حيث لا يقوى أحد على شيء وحيث الذين يئنّون فيه يشبه مثل ذلك المزارع الذي منعه ربّ البيت من زرع حقله.

لذلك فالموتى الأحبّاء عاجزون عن مساعدة أنفسهم. فخضوعهم الكلّي وحبّهم لله وعظمة عذاباتهم لن يقصّروا قيد أنملة من زمن عذاباتهم في المطهر. إنّ أصغر آلام المطهر لو تحمّلوها على الأرض لأكسبتهم مجد السماء. أمّا في المطهر فإنّ هذه الآلام عقيمة لا جدوى منها لهم في المطهر ولا جدوى لها في السماء، إنّها بكلّ بساطة تسديد دَيْنٍ.

وأسفاه أن تتألّم النفس لقرون طويلة (مجازياً – لا زمن) من غير جدوى. إنّ هذه الفكرة وحدها لمحبطة لهذه النفس وتزيد من عذاباتها بما لا يطاق! فهي منّا نحن الأحياء تنتظر العون بالصلاة من أجل نجدتها وخلاصها.

نعم نحن الأحياء، وحدنا مورد الأموات. نحن وحدنا قوّتهم التحرّريّة. السماء تعزّيهم ونحن، نحن نداويهم. السماء تشجّعهم ونحن، نحن نحرّرهم. القدّيسون يفتحون لهم أذرعهم لاستقبالهم ونحن، نحن الذين ندخلهم إلى دار السعادة. هذه هي مقدرتنا وهذا هو واجبنا. فهل نفكّر بذلك؟

٢- عجز صلواتهم:

كما أنّ الأنفس المطهريّة عاجزة عن خلاصها بآلامها فهي أيضًا عاجزة عن ذلك بصلواتها. عبثًا تصرخ من أعماق آلامها المحرقة، لله. عبثًا تستجدي عدالته:

“إلهي، إلهي لماذا تركتني. أناديك في النهار فلا تسمعني. أئنّ في الليل ولا من مجيب. تذكّر يا ربّ رحمتك! إقطع الأوصال التي تربطني بعيدًا عنك! حرّرني من طول آلامي. الرحمة يا ربّ، الرحمة.

في المطهر ينتفي زمن الرحمة ليسود زمن العدالة. الاستجداءات لله لا جدوى لها. عندما يتمّ تسديد الدين بالألم، تنتقل النفس إلى السماء.

أمّا إذا كانت صلوات الأموات لا مردود لها فإنّ صلواتنا، نحن الأحياء لها قوّة محبّبة في قلب الله. كلّما صعدت صلواتنا نحو السماء، انهمرت شلالات الرحمة على المطهر نِعمًا وغفرانًا وحريّة ومجدًا.

بالصلاة وحدها نالت مرتا ومريم قيامة ليعازر. وبالصلاة وحدها ننال نحن حريّة موتانا من المطهر . لنصلّ من أعماق قلوبنا وبلا انقطاع فنقول دائمًا: يا يسوع الطيّب الرحوم أعطهم الراحة الأبديّة. يا مريم أمّ المعذّبين ومعزيّتهم هلمّي إلى نجدتهم! يا قدّيسو الجنّة تدخّلوا من أجل موتانا!

مثال:

عندما كان يسوع يعبر اليهوديّة، التقى رجلاً كسيحًا، ينتظر بحزن وصبر قرب بركة أورشليم حيث في بعض الأيّام، يهبط ملاك الربّ ويحرّك المياه وأوّل مريض يغتسل بها يبرأ من مرضه.

وكان هذا الكسيح، حسب الإنجيل، ينتظر منذ زمن بعيد ولا يقدر على الاغتسال في مياه البركة. تقدّم منه يسوع متأثّرًا بحالته وهو المخلّص الرؤوف. وقال له: “لماذا لا تذهب وتغتسل في مياه البركة مع الآخرين” فأجابه الكسيح: “يا سيّد إنّ جميع أطرافي عاجزة عن الحركة وليس لديّ أحدٌ يرميني أوّلاً في البركة المقدّسة. إنّ شفائي الذي أرغبه من أعماق قلبي غير مرتبط بمشيئتي. فأنا بحاجة إلى صديق كريم ومحبّ يمدّ لي يد العون“.

يا له من كسيح بائس!

هكذا هو حزين قدرُ الأنفس المطهريّة، تكاد تبقى بلا حراك في لهيب المطهر. غير قادرة على نجدة نفسها. غير قادرة على رمي نفسها في بركة دم يسوع المسيح الثمين الذي خلّص العالم.

كونوا الصديق المحبّ للأنفس المطهريّة والملاك المخلّص لكسيحي المطهر البائسين.

لنصلِّ:

أسألك يا ربّ من أجل الأنفس البائسة التي يلفّها ليل رهيب في ظلماته الحالكة. إنّها عاجزة ومستسلمة لعدالتك. إسمح لي يا ربّ أن أكون وسيطًا لها لدى عدالتك. أسألك يا رحوم أن تختصر عذاباتهم في منفاهم!

يا يسوع، كن عونًا لهم، أدع إليك أحبّاءك وأخوتنا! ليرقدوا بسلام!

المصدر: ar.zenit.org + Agoraleaks.com