عَ مدار الساعة


“القوى والفصائل” ودكاكين القضيَّة

– أحداث الميّة وميّة.. نموذج عن “النضال الفلسطيني” (أمين أبوراشد)

***

لمَن يرغب من اللبنانيين معرفة ماذا يحصل في مخيم الميِّة وميِّة بين ما تُسمَّى القوى والفصائل الفلسطينية، نُذكِّر أن حركة فتح التي ينتمي اليها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والتي يُفترض بها أن تكون الفصيل الأكثر انضباطاً، قررت في تموز الماضي تصفية المدعو جمال سليمان أمين عام حركة أنصار الله في المخيَّم، وجنَّدت لهذه الغاية مرافقه الشخصي وإبن عديله المدعو نبيل زيدان، وعندما اكتُشِف أمر محاولة الإغتيال، طالبت “اللجنة الأمنية المشتركة” في المخيَّم تسليم زيدان للسلطات اللبنانية، فتوارى عن الأنظار، ووُجِد في اليوم التالي مشنوقاً في غرفة نومه.

هذه الواقعة التي تُشعِل المخيم منذ أكثر من ثلاثة أشهر، هي نموذج عن “النضال الفلسطيني” في مخيمات لبنان من أجل حقّ العودة!، دكاكين قوى وفصائل تعكِس الواقع الفلسطيني منذ عقود وحتى يوم أمس بالذات، عندما عقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة برئاسة محمود عباس في رام الله وقاطعت الجلسة بعض القوى والفصائل وفي مقدمتها حركة حماس التي مضى 12 عاماً على محاولات المصالحة بينها وبين فتح، ووفود مصرية آتية ووفود فلسطينية ذاهبة الى القاهرة، ولم تتمّ هذه المصالحة “التاريخية” لأن كل قادة القوى والفصائل وكل “الأبوات”، أدوات لمن يشتري عملاء خاصة من الدول الخليجية، حيث يُستقبل بنيامين ناتنياهو منذ يومين في سلطنة عُمان، ويُعزف النشيد الإسرائيلي بمناسبة رياضية في أبو ظبي، والفلسطينيون يتقاتلون في ما بينهم!

نحن إذ نتضامن مع الشعب الفلسطيني داخل أرضه المُحتلَّة، ومع تسجيل الأسف على شعبٍ هو الأكثر نهماً للعلم والثقافة في الدول العربية، ويرتضي أن يرهن حياته لمجموعة عصابات يُديرها “أبوات” منذ زمن “أبو عمار” و”أبو أياد” و”أبو جهاد” وصولاً الى عهد “أبو مازن” وكل الألقاب الحركية المُنفِّرة التي لعنت “أبو” القضية الفلسطينية، نتوقَّف عند هذه الوفرة من دكاكين القوى والفصائل، بحيث أن كل مخيم فلسطيني في الشتات ولو كان من “خيميتن وتنُّور” تتواجد فيه كل القوى والفصائل بحيث أن كيس طحين من الأونروا تنشأ بسببه معركة لأن المؤتمنين على مآسي الشعب الفلسطيني هم لصوصٌ وعصابات.

وبالعودة الى الفلتان الحاصل في مخيم الميِّة وميِّة، ومسلسل نزوح سكانه الى صيدا وقرى الجوار، فإن المسألة لم تعُد قابلة للضبط باجتماعٍ لِمُمثليّ القوى والفصائل مع نائبي صيدا بهية الحريري وأسامة سعد والشيخ ماهر حمود، ومن ثم تشكيل لجنة مُتابعة تتأبط بعضها في أكذب مشهدية وتسير في أزقَّة المخيم بحماية لجنة أمنية مشتركة، وما أن يحلّ الليل حتى تعود المناوشات وتتطوَّر الى اشتباكات بكافة أنواع الأسلحة الخفيفة والرشاشة والصاروخية، والكلّ يرمي المسؤولية على الكلّ.

وإذا كانت حركة فتح هي من الفصائل المعروفة، فمِن أين أتتنا هذه التي تُسمِّي نفسها “أنصار الله” وسواها من التنظيمات غير الموجودة لا في الداخل الفلسطيني ولا في مخيمات سوريا والأردن، ولماذا كلما اجتمعت عصابة هاربين من “ربيع العرب”، وعدد أفرادها عشرة أو عشرين أزعراً في مخيَّم داخل لبنان، يُعترَف بها فصيلاً مسلحاً مقاوماً، و”مقاومة على مين” يا عصابات التشبيح والبلطجة والإرهاب؟!

وأمام ما هدَّدت به الأسبوع الماضي حركة “أنصار الله” في مخيَّم الميِّة وميِّة، في إنذارٍ وجَّهته لحركة فتح بالقول:
“إن لم توقفوا الهجوم على مقر الأمانة العامة وأمينها الأخ المجاهد جمال سليمان، فإننا سنضطر لفتح المعركة في كل المخيمات، فلا تُحرجونا وكونوا عند مسؤليتكم للحفاظ على المخيمات لأن المؤامرة أكبر من الجميع”، نستذكر قول سيدة فلسطينية على إحدى الشاشات، بعد انتهاء جولات معارك الأسبوع الماضي في المخيَّم: “الله يريِّحنا من كل هالكلاب”، من حقنا كلبنانيين أن تكون لنا كلمتنا أيضاً، وعبر المثل اللبناني القائل: “بحِبَّك يا إسواري بس قدّ زندي لأ”، وإذا كان السِوار الفلسطيني في زند لبنان كما الطوق على أعناق الشعب اللبناني منذ العام 1948 وحتى الآن، فإننا اختنقنا منه أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، وآن الأوان لزنود الجيش اللبناني أن تنزع كل طوقٍ بات كما المشنقة الدهرية على حياتنا اللبنانية ومستقبل أجيالنا..