حزب الله من “الثورة” الى نهائية الكيان.. (حسان الحسن – tayyar.org)
للمرة الأولى في تاريخ حزب الله، باحث يدور في فلكه ويتحدث عنه، يضع ربطة عنق… فالأستاذ الجامعي الدكتور علي فضل الله الذي وقّع أخيراً كتاب “تغيّر خطاب حزب الله” بالإنكليزية، قدّم في الشكل والمضمون مقاربة مختلفة عمّا سبق وعهدناه عن حزب الله. فهل هناك محاولة لتظهير صورة جديدة عن الحزب؟، وهل يمكن أن يؤدّي هذا النموذج إلى صراع مع الحرس القديم؟، ولماذا صدر الكتاب باللغة الانكليزية؟، وماذا عن التوقيت؟
حسان الحسن – يحاور الأستاذ الجامعي الدكتور علي فضل الله ويغوص في صفحات كتابه “تغيّر خطاب حزب الله”.
يتناول الكاتب المراحل التي مرّ بها حزب الله، مشيراً الى أنه تأسّس في العام 1982، ولكنه بقي حزباً سرّياً حتى 1985، ولم تكن لديه قيادة، بل كان لديه مجلس شورى من تسعة أشخاص يتّخذون مجتمعين القرارات. وبقي الحزب على هذه الحال حتى العام 1989 حين تم انتخاب أول أمين عام، وتولّى هذا المنصب بدايةً الشيخ صبحي الطفيلي، ثم الشهيد السيد عباس الموسوي، ثم السيد حسن نصر الله.
في العام 1985 وفي الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب أحد القادة المؤسّسين للمقاومة ضد العدو الإسرائيلي، أعلن حزب الله من منطقة الشياح ثوابته ومسلّماته عبر وثيقته المفتوحة الأولى، على لسان السيد إبراهيم أمين السيد الذي يتولّى حالياً رئاسة المجلس السياسي في الحزب. وهذه الوثيقة محفوظة ومترجمة إلى لغاتٍ عدة، ويمكن لأيٍّ كان الاطّلاع عليها.
ينتقل الكتاب بعدها إلى العام 2009 حين صدرت الوثيقة الثانية، ليلاحظ فوارق كبيرة بين الوثيقتين في الأهداف. وقد أخذ عنوان الكتاب “تغيّر خطاب حزب الله” حيّزاً كبيراً من النقاش حول ما إذا كان الخطاب قد تغيّر أو تطوّر، ليؤكد أن الثوابت لن تتغيّر إطلاقاً، كالموقف من القضية الفلسطينية والصراع مع العدو وحق المقاومة.
ما تغيّر هو النظرة الى الآخر اللبناني والعربي والدولي، ففي وثيقة 1985 تلحظ لائحة “من هم أعداؤنا” بالطليعة “الإسرائيلي”، والأميركي، والفرنسي والكتائبي، ففي عهد الرئيس أمين الجميّل كانت علاقة البيئة التي يعبّر عنها حزب الله مع الجميّل عدائية بشكلٍ كامل. أما اليوم فلم يعد لدى المقاومة الإسلامية، سوى عدو واحد، هو “الإسرائيلي”، والتكفيري الذي نشط إثر اندلاع الأزمة السورية، وكلاهما خارجيان.
تغيّر آخر يظهر في شعار الحزب، إذ كانت رايته تحمل شعار “الثورة الإسلامية في لبنان”، حين كان الحزب يجسّد ثورةً في ثمانينيات القرن الفائت، يوم كان ينشد التغيير من دون أن يستخدم أدوات عنيفة، إلاّ أن هذا الشعار أصبح “المقاومة الإسلامية في لبنان”. وقد اتُهم الحزب على خلفية شعاره الأول بأنه يسعى إلى إقامة دولة إسلامية مماثلة للدولة الإسلامية في إيران، وبأن كلمة “الثورة” توحي بأنه يدفع في هذا الاتجاه. فيما كانت كلمة “المقاومة”، أكثر قبولاً كونها تبدّد الهواجس لدى الآخرين داخل الوطن، وهذا يشكّل تحوّلاً جذرياً، وفق الكاتب.
تحوّلٌ وجده حتى في مفاهيم الوطن والدولة التي تغيّرت كثيراً، أو تطوّرت لمن شاء أن يسمّيه تطوراً. إلاّ أن فضل الله يجزم بأن حزب الله لم ولن يتخلّى عن مشروع إقامة الدولة الإسلامية، ولكن بالطرق السلمية المشروعة، كالأحزاب القومية العربية أو الحزب السوري القومي الاجتماعي، التي تناضل سلمياً لتحقيق أهدافها، وهذا أمر مشروع. ويوضح أن لدى المقاومة بالتأكيد قناعة بإقامة دولة إسلامية، ولكنها لم تستخدم يوماً القوة والعنف لتحقيقها.
توقيت صدور الكتاب غداة وصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى، لم يكن مقصوداً، بل مجرّد مصادفة، حسب ما يؤكد فضل الله. ويلفت إلى أن الكتاب موضوعي ومنهجي بشكلٍ حاد، والبحث فيه جاف ارتكز إلى ثماني نظريات في تحليل الخطاب بينها ثلاث هي الأقوى، وأن القارىء يلاحظ ذلك من المقدمة.
ويوضح أن الكتاب اختار منهجاً محدّداً لكل من التحليل والترجمة والاسترجاع التاريخي للأحداث، وهو معدٌّ للأجانب، لأن ما كُتب عن حزب الله، ثلاثة أنواع: إما عدائي، وإما سطحي أعدّه أشخاص غير محترفين، وإما دعائي غير موضوعي من بعض المحبّين. فيما كتاب “تغيّر خطاب حزب الله” هو الأول من نوعه، الذي أُعدّ بشكل علمي وخضع للمناقشة الأكاديمية، وفق ما يؤكد الكاتب، قائلاً “إنه كتاب أكاديمي لموضوع حساس في وقتٍ مناسب، وكانت هناك رغبة لدى نخبة كبيرة من الباحثين والصحافيين الأجانب بصدور هذا الكتاب بالإنكليزية”.
ولكن ماذا عن موقف الحرس القديم في الحزب من هذه الفرادة في الكتابة عن حزب الله وإظهار صورة جديدة عنه؟، يجيب الكاتب “حزب الله هو حركة إيمانية جهاية تمارس العمل السياسي، فالأولوية هي للجهاد، ثم العمل السياسي لحماية الجهاد. والتغيّر لا يعني إطلاقاً التخلّي عن الجهاد، فالحزب لا يزال حركة جهادية، وما تغيّر هو النظرة لمفهوم الدولة، والتعاطي مع الشركاء في الوطن”.
هذا التغيّر شهد قفزة كبيرة نتيجة التحرير في العام 2000، والذي كان أول انتصار عربي على “إسرائيل”، وكانت حقبة 2000 – 2005 ذهبية لحزب الله عاش خلالها لبنان مرحلة استقرار وأجواء انتصار، ولم يستغلها الحزب ربما جيداً، وفق ما يرى فضل الله.
وعن التغيّرات الأساسية التي شهدها خطاب الحزب، يتحدّث الكتاب عن ثلاث حقبات: مرحلة 1982 – 1990 وهي كانت مرحلة التأسيس، مرحلة 1990- 2000 مرحلة التحرير، ومرحلة 2000- 2006 وصولاً إلى عدوان تموز.
اليوم لدى حزب الله بنية تنظيمية حديدية تطوّرت تحت وطأة الخوف من الاختراق الدائم، وأدّت هذه البنية إلى ضبط الخطاب بشكلٍ كبير، لاسيما في تحديد العدو. وبالنسبة إلى الكاتب هذا أمر مهم جداً لتوظيف الجهود في محاربة العدو وتحديد مفهوم الوطن، ففي العام 1997 اتُخذ قرار برفع العلم اللبناني في مكاتب حزب الله، وفي مهرجان التحرير 2000 كان هذا العلم مرفوعاً على المنصة التي اعتلاها السيد نصرالله في يوم المقاومة والتحرير، ليعلن بعدها في مقابلة تلفزيونية أن لبنان وطن نهائي.
وهكذا انتقل الحزب من مرحلة لم يكن يعترف فيها بلبنان إلى التسليم بنهائية الكيان، كما تلاشت مع الوقت المصطلحات التي كان يستخدمها في ثمانينيات القرن الفائت كالدولة الطاغوطية والاستكبارية.
شكّلت مشاركة حزب الله في الانتخابات التشريعية في العام 1992، قفزة نوعية في تاريخه، وخيضت نقاشات واسعة حول شرعية الدخول في الدولة. فكيف لثورة تسعى الى إقامة دولة إسلامية أن تدخل في مؤسسات دولة غير إسلامية؟، وكيف يمكن أن تتقاضى رواتب منها؟، ليستقرّ الرأي لدى الحزب بأن المشاركة في الانتخابات هي في الشورى وليس في الحكم. ثم شارك الحزب في الحكومة في العام 2005 بعد الانسحاب السوري عبر صديق وهو الدكتور طراد حماده، لأن الإشكالية بقيت قائمة حول كيفية دخوله الحكم. إلاّ أن الحزب عاد وشارك في الحكومة بوزيرين من أعضائه، وقد جاء ذلك نتيجة تطوّر فكري اجتهادي واكب قرار المشاركة في الحكم.
ويكشف الكاتب أن نقاشات ضخمة خيضت في الحزب في العام 2009 بشأن مسألة نهائية الكيان، وكان هناك اعتراض لدى البعض، فيما رأت الغالبية أن هذا الوطن نهائي، وقد تم تطوير الوطن فقهاً، في وقتٍ أسهم التفاهم مع التيار الوطني الحر في ذلك، كما دفع موقف الرئيس العماد ميشال عون ووفاءه خلال عدوان تموز، الأمينَ العام للحزب إلى إطلاق تصريح استثنائي، فهناك معنى كبير لقول رجل متديّن “دين في رقبتنا إلى يوم الدين”.
شجّع هذا الجو من الوفاء وهو مهم جداً لحركة إيمانية، قيادة المقاومة على إعادة النظر في مسألة الكيانية، ليس لإعطاء مشروعية لاتفاق سايكس- بيكو، بل لأن الواقع الراهن جيد، والدولة الإسلامية هي قناعة بأنها أفضل من توزّع الموارد على مواطنيها.
في نهاية المطاف الكتاب ليس صادراً عن حزب الله بل هو مستقل وأكاديمي، وقد نال إعجاب بعض جمهور الحزب ولم ينل إعجاب بعض آخر. وأي جدل يؤدي إليه الكتاب، هو لمصلحة الكتاب، ولكنه بدون شك يوحي بمرحلة جديدة ومقاربة مختلفة للحزب في ما يتعلق بالمسلّمات الوطنية.