أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


المشاركون في اغتيال خليل كنعان يروون قصّة التصفية… وتصفية المنفّذين

– «إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُوراً وَتُبْ». (رؤيا يوحنا: 3- 19)

***

نادين كنعان – في مثل هذا اليوم من سنة ١٩٨٦ امتدت يد الغدر المعروفة لتغتال العميد خليل كنعان قائد اللواء الخامس في الجيش اللبناني…

تروي زوجته منى عن لسان مصدر عسكري، أن مسؤول شعبة حماية سمير جعجع في جهاز الأمن القواتي طوني عبيد، الذي يحمل حالياً اسم انطونيوس الياس أيضاً وضع اللمسات الأخيرة على خطة اغتيال كنعان.

في 25 أيلول 1986، وقبل ثلاثة أيام من اغتياله، اجتمع كنعان، بمسعى من قسيس والجبيلي، مع سمير جعجع في منزل الوزير السابق روجيه ديب، وانتهى الاجتماع بطمأنة جعجع كنعان إلى عدم وجود نية مبيّتة لدى القوات لأذيّته. ولكن في اليوم نفسه، قامت عناصر أمنية من القوات بإحراق منزل الرائد أنطوان كريم في غدير، وهو أحد ضباط كنعان في اللواء الخامس والمسؤول عن الكتيبة المرابطة في منطقة المونتيفردي.

في 27 أيلول 1986 قامت مجموعات تابعة لإيلي حبيقة باختراق منطقة الأشرفية عبر خط السوديكو ومعابر أخرى في المنطقة الشرقية، وفشلت «قوات» جعجع في مواجهتها، مما اضطر اللواء العاشر وفوج المغاوير في الجيش إلى التدخل وسد الثغر وطرد المتسلّلين حفاظاً على توازن الخطوط الحمراء بين المناطق.

قبل العملية رأت قيادة القوات أن الوقت حان للتخلص من كنعان، وأعطي الضوء الأخضر لتنفيذ «إعدامه». على أن تكون تصفيته رسالة إلى عون، وإلى قادة القطع العسكرية في الجيش بالمنطقة الشرقية، بعدم الاعتراض على تحركات القوات أو التعرض لها نهائياً.

وكان عبيد قد اختار لتنفيذ هذه المهمة شخصاً من بلدة جران ــــ البترون اسمه اليكسي إيليا (اليك) وهو من مهجري الكتائب من الشمال إثر مجزرة إهدن، وصاحب شخصيّة عنيفة ودمويّة. وكان من عداد جهاز أمن القوات، وأحد عناصر فرقة الصدم للعمليات الخاصة والسريّة. وفي سجله جريمتان، الأولى قاتل مأجور لتصفية شقيق مختار طبرجا بسبب قضيّة غراميّة، والثانية هي المشاركة في خطف صرّاف طرابلسي من آل المصري وقتله، ومع انكشاف الجريمتين معاً يهرب ايليا على دراجته النارية إلى بلدته جران ويختبئ في منزل جديه المهجور، مخبّئاً غنيمته من المال تحت بلاط المطبخ، بحسب انطوان عزيزة من تيار المردة، وشخص من آل بيلان كان مرافقاً لهذه الحوادث.

ولم يلبث أحد أبناء البلدة أن وشى بايليا إلى ميليشيا المردة، التي طوقت المنزل واعتقلت ايليا وصادرت الأموال، ووضع ايليا في سجن المردة فترة أطلق بعدها كي يساعد معتقليه في التدريب العسكري. ولكنه كان مغرماً بكارلا بيلان من جبيل ويتحين الفرصة للعودة إلى الشرقية. فأجرى اتصالاً بطوني عبيد الذي اتفق معه على صفقة تقضي بتفجير سينما تيفولي في زغرتا مقابل السماح له بالعودة. ففجّر ايليا عبوة ناسفة في السينما وعاد إلى الشرقية عضواً عاملاً في جهاز أمن القوات. وبعد حادثة طبرجا اختار عبيد إيليا لتنفيذ عملية اغتيال العميد كنعان، كما قام بتجنيد أحد مرافقي كنعان وهو رتيب في الجيش يدعى ملحم رحمة لتزويد أمن القوات معلومات عن تحركات رئيسه.

بعد عملية حبيقة باشرت المجموعة المكلفة، تنفيذ العملية التي لم يكن من الصعب تنفيذها في ظل غياب الحراسة المشددة على منزل كنعان وتحركاته. وكانت الخطوة الأولى من الخطة، التي تقضي بطمأنة الجيش وكنعان حتى لا يشدّد الحراسة، قد أنجزت في اليوم السابق لعملية حبيقة.

وفي 28 أيلول 1986 كان «معبر المونتيفيردي» في عهدة اللواء الخامس، وأقامت القوات حاجزاً عسكرياً لها وراء حاجز اللواء الخامس على الطريق العسكرية عند المعبر بحجة اعتقال بقايا مجموعات حبيقة الهاربين من المنطقة الشرقية إلى خارجها، وجرى إدخال عنصر قواتي من آل رحمه في المهمة، وهو أحد أنسباء ملحم رحمة سائق كنعان ومرافقه الشخصي.

وكان موقع الجيش بقيادة الرائد انطوان كريم، الذي أفاد قائده عن حاجز القوات، فأتى أمر قائد اللواء بإمهال عناصر القوات نصف ساعة لإزالة الحاجز ومغادرة المنطقة، بحسب مصدر عسكري كان موجوداً ميدانياً آنذاك.

وحين رفض الميليشياويون الامتثال لأوامر كنعان أزال الجيش حاجز القوات بالقوة، مما أدّى إلى سقوط أربعة قتلى، اثنان بينهم من الجيش واثنان من الميليشيا من آل رحمة بينهما هاني رحمة نسيب ملحم، الذي نفى الجيش أن يكون قد أصابه بنيرانه، وأصدرت القوات بياناً هاجمت فيه كنعان مصوّرة الحادثة على شكل نزاع لكنعان مع عشيرة من عشائر بشري.

وفي اليوم نفسه، طمأنت مديرية الاستخبارات كنعان إلى حل الخلاف مع القوات والحصول من جعجع على ضمانات شخصية. فعاد العميد إلى منزله مطمئناً زوجته منى، التي ألحّت عليه ليعود إلى مكتبه ويبيت فيه ريثما تهدأ الأجواء على أن تنام هي في منزل إحدى صديقاتها، ولا سيما أنه لا يقيم مخفر حراسة أمام منزله أسوة بقادة الألوية، لكنه رفض الاستماع إليها مصراً على المبيت في منزله بلا إجراءات حماية اسثنائية.

■ العملية… نفّذت
في الساعة الأولى صباحاً انطلق الكسي إيليا من مبنى الأمن في الكرنتينا برفقة إيلي عواد الملقب بجوليانو في سيارة BMW 525 بنيّة اللون في اتجاه منزل كنعان في بعبدا قرب مستشفى قلب يسوع، فيما كان يقود السيارة عنصر ثالث من الأمن هو فهد جرجس، ترافقهم سيارتان إضافيتان لتأمين الحماية، وكانت حوالى عشرين سيارة أخرى لأمن القوات منتشرة في المنطقة المحيطة بمنزل كنعان قرب مستشفى قلب يسوع، بحسب ما يروي العنصر الأمني القواتي السابق إيلي سعد، وزوجة كنعان. وبوصولهم إلى مدخل البناء وجدوا ملحم رحمة وحده في انتظارهم بعدما كان رفيقه المناوب سمير مهنا في إجازة، فقادهم إلى داخل منزل كنعان الذي كان وزوجته منى ينامان في غرفتهما، كما تُخبر زوجته منى. دخل ايليا وعواد غرفة النوم يقف وراءهما سائق السيارة، وانهالوا بالرصاص على الزوجين من مسدسات وبنادق كاتمة للصوت. وأفاقت منى والرصاص يخترق جسدها وهبّت واقفة بجوار جدار الغرفة لكن المسلحين عاجلوها بتسع عشرة رصاصة، استقرت في وجهها وبطنها ويديها ورجليها، وسقط زوجها شهيداً على الفور.

وبعدها غادرت المجموعة منزل كنعان سالكة طريق بعبدا ـــ فرن الشباك ــــ الكرنتينا. ثم خرج رحمة ليتصل برئيس أركان اللواء الخامس النقيب بسام خوري مبلّغاً إيّاه خطف كنعان من منزله ومقتل زوجته على يد مجموعة مجهولة الهوية، فطلب إليه الأخير نقل الزوجة إلى المستشفى، فتردّد رحمة الذي عاد بعد إصرار خوري وعمد بمعاونة زوجة ناطور البناء إلى نقل منى إلى مستشفى قلب يسوع، حيث صودف وجود الضابط الطبيب صلاح حداد معايناً أحد الضباط، فاهتم بإدخالها إلى غرفة العمليات وإنقاذها من الموت بأعجوبة.

وفي مبنى أمن القوات سلم إيليا وعواد وجرجس أسلحة الجريمة إلى عبيد، وغادر كل منهم إلى سبيله، على ما يروي الأمني في القوات كميل جعجع.

أخبر إيليا تفاصيل العملية لزوجته كارلا بيلان واعداً إياها بالابتعاد عن سكة الأمن وبناء عائلة معها، وأن عملية اغتيال كنعان كانت ديناً لـ «القوات» عليه وقد وفى به.

المصدر: الأخبار