– ان يستند نائب لخبر كاذب من دون ان يتأكد من مصدره، فذلك فجوة خطيرة في الاداء السياسي (هالة حمصي)
***
خبر صغير في جريدة لبنانية، كاذب، ملفَّق من اوله الى آخره. واشتعلت الجبهة في ملف الكهرباء، مع تسريب تسجيل للنائب ياسين جابر الذي قال لـ”النهار” إنه يستند، في هجومه على وزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل، الى مقالة نشرتها مجلة المانية شهيرة وذات صدقية. “در شبيغل”.
الجريدة اللبنانية تستغل الاسم نفسه في خبرها المفبرك! بكل بساطة، مقالة “در شبيغل” التي يحكي عنها الجميع، وهمية، ولا وجود لها، على ما تؤكد المجلة نفسها لـ”النهار”، ولا وجود ايضا “لاي تقرير الماني مزوّر”. ما شهده اللبنانيون في اليومين الاخيرين هو كذبة أجّجت تراشقاً سياسياً حاداً في ملف الكهرباء، ووترت الاجواء.
كذبة فقط خطفت البلد!
من يكذب؟ في اليومين الماضيين، بات اسم “در شبيغل” على كل شفة ولسان، منتشرا في بوستات يتم تناقلها والتشارك فيها في شكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً مرجعاً استند اليه النائب جابر لدى سؤاله عن مصدر معلوماته في ملف الكهرباء، لا سيما في ما يتعلق بزيارة المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل للبنان في 21 حزيران 2018. وقد رافقها يومذاك وفد اقتصادي كبير، ضمنه مدير شركة “سيمنز” جو كايزر.
التدقيق: بدءا من البوستات المتناقلة على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان: “المستشارة ميركل غاضبة من زيارتها للبنان”، والتي يبرز اسم “در شبيغل” في مقدمها. ويثبت البحث ان المصدر هو جريدة لبنانية نشرته على موقعها الالكتروني في 17 ايلول 2018 ضمن فقرة “اهم الاخبار الخاصة…”.
وهنا نص الخبر المنشور: “المستشارة ميركل غاضبة من زيارتها للبنان. ذكرت مجلة “در شبيغل” الالمانية ان المستشارة (انغيلا) ميركل التي تعتبر فعليا حاكمة المانيا ورئيسة الحكومة الالمانية، غاضبة جدا من طريقة استقبالها في مطار بيروت على مستوى منخفض، ثم محادثاتها مع المسؤولين اللبنانيين، وانها جاءت بأكبر رؤساء مجالس ادارة الشركات الكبرى الالمانية للبحث في الاستثمارات في لبنان، لكنها لم تلق آذانا صاغية، ولا اهتماما جديا بالاستثمار الالماني في لبنان، وكذلك بعرض شركة “سيمنز” لاقامة معملي كهرباء يؤمنان للبنان 3 آلاف ميغاواط، اي اكثر من حاجته بـ1400 ميغاواط. وهو ما يكفي دولة قبرص بكاملها. وان المسؤولين اللبنانيين رفضوا البحث الجدي مع شركة “سيمنز” لانشاء معامل كهرباء، ذلك ان المستشارة ميركل كانت متحمسة جدا لتخليص لبنان من تقنين الكهرباء وبدل انتاج الكهرباء لمدة 10 ساعات، سيتم تأمين الكهرباء لمدة 24 ساعة على 7 ايام من اصل 7، وبسعر تفضيلي جدا، وبتقسيط لمدة 8 سنوات. لكن المسؤولين اللبنانيين في الكهرباء وكافة القطاعات لم يهتموا بزيارة ميركل، لذلك فان المانيا لن تكون مهتمة من الآن وصاعدا بوضع لبنان وباي طلب يأتي منه اقتصاديا”.
في غضون ذلك، تمّ “تسريب تسجيل” للنائب ياسين جابر يقول فيه ان “ديبلوماسيين اجانب “هون” من الامم المتحدة و”غيرن”، سألوه “كيف تأتي ميركل الى لبنان ويتم التعامل معها “هيك”؟ كيف ترفضون عرض شركة “سيمنز”؟ هل انتم مجانين في لبنان؟” ويضيف: “هذا العهد سيدمر لبنان في شكل غير مقبول…”.
ردا على سؤال “النهار”، صرّح جابر بأنّ كلامه في التسجيل الصوتي كان في إطار التعليق على مقالة لصحيفة “در شبيغل” عنوانه “المستشارة ميركل غاضبة من زيارتها للبنان”، نتيجة “التعاطي السيئ” معها في ملف الكهرباء.”
من غرائب المصادفات، انه العنوان نفسه للخبر الذي نشرته الجريدة اللبنانية قبل أيام، وتناقله اللبنانيون في بوستات على وسائل التواصل الاجتماعي… و”در شبيغل” مجدداً، كمصدر للمعلومات الواردة فيه.
-هل نشرت “در شبيغل” مقالة بهذا العنوان وبهذه المعلومات؟
ردا على سؤال “النهار”، أكدت “در شبيغل” “انها لم تنشر اطلاقا مقالة تقول بأن المستشارة ميركل غاضبة من زيارتها للبنان”، وفقا لما يُزعَم.
مقالتان نشرتهما المجلة عن زيارة ميركل والوفد الاقتصادي الالماني للبنان، الاولى حملت توقيع محرر اخبار الشرق الاوسط في المجلة كريستوف سايدو، بعنوان: Merkel in the land of the true refugee crisis(اي ميركل في أرض أزمة اللاجئين الحقيقية)، ويقدم فيها زيارة ميركل للبنان، ويتناول خصوصا ازمة اللاجئين السوريين (21 حزيران 2018). وفي المقالة الاخرى (22 حزيران 2018)، بعنوان Berlin and Brussels are in focus in Beirut، “لا اشارة اطلاقا الى ان ميركل كانت غاضبة من زيارتها للبنان”. كذلك “لم تنشر ايضا اي وسيلة اعلامية المانية مقالات في هذا الاتجاه”.
وجاءنا من قسم التدقيق في الحقائق (Fact Checking) في “در شبيغل” البيان الآتي: “إن اقتباس در شبيغل (DER SPIEGEL) للقول بأن شركة “سيمنز” تقدمت بعرض لبناء معمل كهرباء للبنان خدعة كاملة، زائف بالكامل. في أي مكان، أكان في النسخة المطبوعة من المجلة الأسبوعية، أم في نسختها الإلكترونية، لا يوجد أي ذكر لهذا العرض، أو حتى لـ”سيمنز” على الإطلاق. الخبر (المتناقل) مفبرك بالكامل، ونتوقع تصحيحًا من وسائل الإعلام التي نشرت اولا هذا الخبر الزائف”.
-رد “سيمنز”: في واقع الامور، سبق ان حصلت “النهار” من شركة “سيمنز”على تأكيد بهذا الخصوص، بعد تداول بوست الشهر الماضي يتكلم على “عرض تقدمت به الشركة لبناء معمل في لبنان، لكنها لم تحصل على جواب حتى اليوم”. وقالت “سيمنز” في بيانها: “في وقت شركة “سيمنز” مستعدة لدعم لبنان في متطلباته في مجال الطاقة، فإننا لم نوقّع أو نتفاوض مع الحكومة اللبنانية على اتّفاق مماثل. ومتى وإذا تحقّق ذلك، فسنعلنه من خلال قنواتنا الرسمية”.
وهنا بيان “سيمنز” بالانكليزية:
While Siemens is ready to support Lebanon with its power requirements, we have not signed or negotiated such a deal with the Lebanese government. When and if this materializes, we will communicate it through our official channels
النتيجة: الزعم ان “در شبيغل” وراء المعلومات المتداولة حول ملف الكهرباء، لا سيما لجهة تقديم شركة “سيمنز” عرضا الى لبنان بهذا الخصوص، والقول بان “ميركل غاضبة من زيارتها للبنان”، زعم كاذب، وزائف. والخبر المتناقل في هذا الشأن مفبرك بكامله، بتأكيد من المجلة الالمانية. يشار ايضا الى ان شركة “سيمنز” سبق لها ان أكدت بدورها “انها لم تتفاوض مع الحكومة اللبنانية على اتّفاق مماثل”.
اما ان يستند نائب لبناني الى خبر كاذب ومقالة وهمية ليشنّ هجوما ويؤلب الانصار، من دون ان يتأكد من مصدره ولا من صدقه، فذلك يشكّل فجوة خطيرة في الاداء السياسي.