عَ مدار الساعة


خصومات سياسية تنتهي بشتم عائلتك وسباب موتاك وتعييرك بشكلك- نسيم بو سمرا

مشاهد سريالية لدى بعض اللبنانيين سيناريوهاتها نبش القبور باستحضار الاموات

***

أسخف الناس برأيي او المفلسين فكريا قبل ان يكونوا فاشلين بالسياسة، هم أولئك الذين حين يختلفون مع الخصم السياسي يرمون عليه كل انواع الشتائم، فيبدأون بالاهل والعائلة ولا ينتهون بسباب الاموات، وهذا السباب بالتحديد تجده لدى بعض أهالي الشمال وبخاصة في بعض مناطق زغرتا وبشري، وهو يصنف عادة في خانة الامراض النفسية.

هذا التساؤل ما زال يرافقني منذ صغري إذ كان لدي بعض الاصدقاء من الشمال، ولم افهمه يوماً وما زال الجواب عنه غامضاً بالنسبة لي، حيث تُستحضر الاموات في مشاهد سريالية تُنبش فيها القبور نتيجة الاحقاد، وتذكرني بأفلام الرعب حين كنت طفلا حيث يتم العبث بالقبور وانتشال الجثث منها، أو بعودة الاموات zombies الى الحياة لينتقموا منك، وهذا بالتحديد ما أتذكره حين أسمع البعض يهدد باغتصاب الموتى، في لغة غريبة عجيبة، تنم عن احتقار الحياة لا الموت مثل تعابير (دين موتاك، أو توت بموتاك…ولـ توت موتاك) وغيرها من تعابير تشير الى افعال جنسية، وتدل بالتحديد الى افعال اغتصاب بمعظمها، لأنها طبعا تكون غير رضائية، بما انها تطلق بحق الموتى.

لقد عبّر الزميل غسان سعود خير تعبير عن هذه الحالة المرضية لدى بعض الجماعات في لبنان، وهي حالة لا تنحصر في منطقة معينة من لبنان وإن اختلفت بالدرجات والطبيعة، فمعظم اللبنانيين يأخذون الامور على محمل شخصي، فإن اختلفت مع احد بالرأي الاجتماعي او السياسي وحين تنفذ الحجج لدى البعض لإثبات وجهة نظره أو اقناعك برأيه ولو كنت تعتبره رأيا خاطئا، ينتقل هذا الشخص ليهاجم السليلة: أهلك، أبوك او أمك او حتى العائلة كلها او العشيرة في بعض المناطق وكذلك أصلك، فينبش تاريخ شجرة العائلة، منذ مئات السنين، ربما اتت من سوريا او اليمن او الخليج الى لبنان، او من منطقة في الجنوب الى جبل لبنان او من الشمال الى البقاع وهكذا دواليك، والبعض يبدأ بالتطرق الى شكلك، كتعييرك بانك اصلع مثلا أو قصير القامة او حتى طويل القامة (إذا الطول اكثر من اللزوم)، واحيانا يهتّك بأنك سمين أو ضعيف البنية، لينتقل لاحقا الى لون البشرة والاهم ان يعيرك هذا البعض الذي تختلف معه بالنقاش والذي كان من المفترض ان يكون النقاش فكريا راقياً، بطائفتك، فكما في الولايات المتحدة الاميركية هناك عنصرية بين اسود وابيض وحتى يومنا هذا، كذلك في لبنان هناك طائفية، المبدأ هو نفسه، الاخر المختلف، باللون والعرق والدين والمذهب، مرورا بالاختلاف المناطقي والحزبي وصولا الى الذوق حتى باللباس والاكل، وهنا نصل الى من أعطاني الفكرة بكتابة هذا المقال وأشكره على الوحي، وهو الزميل غسان سعود حين كتب امس عن تعيير بعض من أزعجهم موقفه السياسي تجاههم، له بالـ تأتأة، في حين ان رئيس حزب هؤلاء، مشهور بالتأتأة ولكن المزمنة، فانطبق عليهم المثل المأثور: “شيل الخشبة من عينك تا تقدر تشيل القَذى من عين خيّك”، وهذا ما جاء في مقال الصحافي الصديق غسان سعود وعنوانه:

أنا والتأتأة… والمردة

زومبي

غالباً ما أفاجئ من لا يعرفني بما يمكن وضعه في خانة الاضطراب الكلامي. يصفه البعض بالتأتأة لكنها ليست تأتأة من قريب أو بعيد ولا تلعثما، إنما ما يشبه العجز عن إخراج الحروف. كانت إحدى أخصائيات النطق تضع في أحد الأطباق أوراقاً مجففة تتطاير حين أنفخ عليها وتدعوني إلى تخيل الحروف في “الزلعوم” مثل هذه الأوراق، قبل أن تكتشف مع الوقت أن هذه الحروف تخرج بسلاسة مرة وباضطراب مرة أخرى، ويمكنها تعليمي بعض التقنيات للسيطرة عليها لكن ليس معالجتها. ومع الوقت اقتنعت أنا أيضاً بما كان يقوله أحد الأصدقاء إن هذا الاضطراب النطقي جزء من شخصيتي ولا يجب أن أسعى لمعالجته، لأتبين سريعاً أنه ينساني حين أنساه ولا يظهر إلا في بعض الحالات المحددة، أربع أو خمس مرات، خلال التواجد ساعة أمام الكاميرا مثلاً.
مع ذلك، لا شك أني راكمت خلال سنوات وسنوات الكثير من ردود الفعل التي تتراوح بين من يبتسمون أو يضحكون أو يمسكون ضحكتهم ومن يزدادون جدية فيظهرون اهتماماً أكبر بما أقوله.
لكن فلنعد إلى الموضوع: تفاوتت ردود فعل القوى السياسية على ما كتبته طوال سنوات، ويكاد يمكنني القول إنهم لم يتركوا شيئا إلا واستخدموه: دعاوى قضائية، تهديد ووعيد، شتائم يومية، اتصالات و”مسجات” و”واتسابات” وكل أنواع الأكاذيب ومحاولة تشويه السمعة والافتراء وأكثر من القدح والذم بكثير لكن حركة أمل والمستقبل والاشتراكيين والقوات والكتائب وغيرهم وغيرهم لم يتطرقوا يوماً إلى الاضطراب الكلامي كأنه شيء يستحق التوقف عنده.
أما المردة فشيء آخر.
لا يناقش غالبية أنصار فرنجية في ما قلته أو كتبته؛ يكفي أن تقول كلمة واحدة ليست على ذوقهم حتى يستعرضوا ما تعلموه من شتائم ترتبط جميعها بمضاجعة الأموات فتقلق فعلاً مما يمكن أن يحصل في مقابر تلك المنطقة إذا اختلفت عائلتان. تقول عادة إن لا أحد يتوقع شيئا آخر من زعامة لعب القتل (مجزرة كنيسة مزيارة) والقتل المضاد (مجزرة إهدن) دورا رئيسيا في صعودها. تطوي صفحة وتمضي قدماً لكن سرعان ما يفاجئك هؤلاء بما هو أسوأ: يوم الجمعة الماضي كنت في مقابلة تلفزيونية سئلت خلالها عن موقف المردة الرافض للمشاركة في الحكومة ما لم يحصلوا على حقيبتين وزاريتين، فقلت ما مختصره إن ذلك سيكون كالشحمة على فطيرة هذه الحكومة. لم أستفض أكثر. قلت إن أداء وزيرهم الحالي لا يحثنا على الندب لغيابهم. كانت الحلقة في آخرها، لو كانت في أولها لقلت إن الأداء في الصحة والطاقة والداخلية والأشغال لن يدفع أحدا من خارج الزلم إلى الترحم على تمثيلهم أو عدمه. وإذا بحملة شعواء تنطلق من الميدان. لكن كيف كان الرد: فيديو وتعليقات افتراضية تستهزئ بالاضطراب الكلامي، هذا يدعوني إلى شد حنكي قبل أن “أجيب سيرة المردة” وذلك يتوعدني بتجليس الحنك.
مر أسبوع. تنتظر أن يهدأ هؤلاء أو يخرج من يقول لهم إن المشكلة في مضمون ما قاله لا في “تعليقه” مرتين إذا سلمنا الجدل، لكن أبدا.
لكن، مهلا مهلا، لو كان هؤلاء أنصار الياباني زينتارو أسرع رجل في النطق في التاريخ لقلنا “معهم حق” لكنهم أنصار سليمان فرنجية؛ الرجل الذي يعاني اضطرابا كلاميا هو الآخر فتطول مخارج الحروف بين كلمة وأخرى عنده أضعاف أضعاف ما تطول عندي. يعيرونني بالاضطراب النطقي فيما ال “آ” عند البيك تطول مرات أكثر من قارئة الفنجان. وأنا هنا لا أستهزئ أبدا أو أهين، لقد سبق وانتقدت بشدة من يسخرون من صلعة تمام سلام. هذا غباء معيب لا يلجأ أحد إليه غير الفارغين السخفاء التافهين مثل بعض أنصار المردة. وسأذهب هنا يا أعزائي أبعد: تحدث الانجيل عن خشب وقَذَى في العيون لكن ثمة خشب وقذى في الأحناك أيضا.
ولا بد ختاما من دعوة البيك إلى قراءة تعليقات الزلم وبينهم مرافقون يحرسون منزله ليكتشف رأي هؤلاء به أو بالاضطراب النطقي عموماً.