سركيس قصارجيان – اليوم الثالث-
أزمة جديدة تعصف بمسيحيي الجزيرة السورية شمال شرق البلاد، وخزان مسيحيي الشرق بشكل عام وسورية خاصة، مع اقدام ما يعرف بالادارة الذاتية الكردية على إنذار المدارس التابعة للكنائس المسيحية بضرورة الإمتثال لقوانينها تحت طائلة الاغلاق الذي طال الكثير منها.
وفي خطوة تصعيدية، بادرت الادارة الذاتية صباح يوم الثلاثاء الماضي إلى مداهمة 4 مدارس تابعة لمطرانية السريان الارثوذكس في القامشلي واخراج الاداريين منها واغلاقها، ثم تطويقها بمسلحين تابعين لما يعرف بـ”الاتحاد السرياني” في محاولة، حسب سكان من المنطقة، للايحاء بأن المشكلة “سريانية داخلية” بين الكنيسة وأبنائها.
التطهير التربوي
وظاهرة اغلاق المدارس ليست جديدة. ففي عام 2016 بدأت ما يعرف بالادارة الذاتية باغلاق مدارس للحلقتين الأولى والثانية (ابتدائية واعدادية) متواجدة في مناطق سيطرتها، واستمرت في عام 2017، حتى تجاوز عدد المدارس المغلقة 2000 مع حلول عام 2018.
وكشفت مديرة التربية في الحسكة الهام صوروخان أن “235 مدرسة فقط للحلقتين الأولى والثانية (من الصف الأول حتى التاسع) من أصل 2286 مستثمرة لوقوعها في مناطق سيطرة الحكومة السورية، في حين أن معظم باقي المدارس مغلقة”.
وأضافت صوروخان أن “90% من أبنائنا السوريين ذات الأصول الكردية يفضل أهاليهم المدارس التي تدرس المنهاج الحكومي، وضمناً أبناء مسؤولين فيما يعرف بالادارة الذاتية، مقابل 10% فقط ممن ارسلوا أبنائهم إلى المدارس التي تم وضع اليد عليها وتدرس منهاجاً مختلفا،ً وهؤلاء بمعظمهم مجبرين على هذه الخطوة لارتباط عملهم مع ما يسمى بالادارة الذاتية”.
وأكدت صوروخان أن “نسبة الطلاب من أبنائنا السوريين ذات الأصول الكردية في المدارس الخاصة تفوق الـ 60% من مجمل الطلاب، وهو ما يثير حفيظة البعض ويدفعهم إلى العمل على اغلاق المدارس الحكومية والخاصة، في محاولة لاجبار هؤلاء على الذهاب إلى المدارس الأخرى”.
وأشارت إلى أنه “هذا العام أقدمت ما يسمى بالادارة الذاتية على إنذار المدارس الثانوية بضرورة تدريس المناهج الكردية للصف العاشر تحت طائلة الاغلاق وعددها ما يقارب الـ 190 مدرسة ثانوية”.
ومع بداية العام الدراسي الحالي وصلت “آفة” اغلاق المدارس إلى الخاصة التابعة للكنائس المسيحية، فقد اعتبر البعض أن الأزمة وان كانت تبدو في ظاهرها ادارية، الا أنها تحمل في طياتها، بوادر خطيرة تصل إلى درجة تهديد الوجود المسيحي، المتناقص بشكل دراماتيكي في منطقة الجزيرة السورية.
الأكراد يواصلون سياسة “داعش”
مصدر رفيع المستوى في مطرانية السريان الأرثوذكس اتهم في حديثٍ مع موقع “اليوم الثالث” من يقفون وراء قرار الاغلاق فيما يعرف بالادارة الذاتية الكردية “بتنفيذ أجندة مخطط لها سابقاً، بدأتها داعش قبل سنتين، لترحيل المسيحيين من المنطقة بهدف احداث تغيير ديموغرافي، والآن تحاول الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً استكمالها”.
وأضاف المصدر الذي فضَّل عدم الكشف عن اسمه، أن “الكنائس المسيحية في المنطقة باتت أمام تحديات وصغوطات كبيرة تختلف في بعض التفاصيل لكنها تتشابه في الخطوط الأساسية”.
وكانت “الضغوطات المتواصلة” دفعت برؤساء وكهنة الكنائس المسيحية في الجزيرة والفرات إلى عقد اجتماع في 18 آب 2018 في ديوان مطرانية السريان الأرثوذكس في القامشلي تمخض عنه بيان موقع من قبل كافة المجتمعين أكدوا فيه على “رفضهم القاطع لأي شكل من أشكال التدخل أو التعدّي على جميع حقوق المسيحيين (..) ومحاولات فرض تراخيص أو مناهج على مدارس الكنائس كونها مدارس تتمتع بالشرعية والقانونية” مشدّدين على أن “المدارس لا تقل بالنسبة إلينا أهمية عن الكنائس، وإن إغلاق المدارس يمثّل رسالة بالغة الخطورة تمس الوجود المسيحي في المنطقة”.
وهذا البيان ردت عليه ما تطلق على نفسها “هيئة التربية والتعليم في الادارة الذاتية”، بإتهام رؤساء الطوائف المسيحية “بالنزول إلى مستوى لا يليق برجال الدين وسعيهم إلى التشهير بالادارة الذاتية خدمة لأسيادهم في النظام السوري” معتبرة المدارس السريانية والأرمنية في المناطق المسيطرة عليها من قبل الميليشيات الكردية بأنها “مدارس تابعة للنظام وتستخدم كمعابر لتعميم مناهج حزب البعث والفكر الشمولي اللاديمقراطي”.
وفي معرض الحديث حول رد الكرد قال مدير أحد المدارس الذي فضل عدم الكشف عن اسمه “خوفاً من الاعتقال” على يد الميليشيات الكردية، إن “مشكلة من يسمون أنفسهم بالادارة الذاتية أنهم يحاولون فرض مناهج لا شرعية وغير معترف بها دون التفكير في مصير الطلاب الذين سيتخرجون من هذه المدارس فلا شهاداتهم معترف بها ولا مناهجهم تتوافق مع النهج التعليمي في المنطقة والعالم”. ورأى أن “جل ما يسعون إليه هو الزام جميع الناس في مناطق سيطرتهم على تعلم اللغة الكردية، التي لا يتقنها حتى جزء كبير من المكون الكردي في شعبنا”.
محاولات كردية لاختلاق مشكلة سريانية داخلية
واتهم المصدر الكنسي “الإدارة الذاتية بالمراوغة عبر تجنيد بعض الشبان من الطائفة السريانية في تشكيل سمي بالاتحاد السرياني عدد مقاتليه لا يتجاوز الـ 200 مسلحاً معظمهم لا ينتمون أصلاً للطوائف المسيحية للايحاء بوجود مشكلة بين الكنيسة ورعاياها”.
وشدد المصدر على أنَّ “الادارة الذاتية حاولت اللعب على وتر اللغة السريانية، وبأن الكنيسة وامتثالاً للقوانين السارية في وزارة التربية السورية لا تدرس اللغة السريانية سوى كلغة طقسية في حين تلتزم بتدريس المناهج العلمية والأدبية باللغة العربية، وهي المناهج التي سيتقدم بها أبناؤنا للإمتحانات العامة للدخول إلى الجامعة وإكمال تحصيلهم العلمي”.
وأضاف: “لكن سكان القامشلي الواعين لخطورة هذا الموضوع، كشفوا لعبة الادارة الذاتية وهبوا جميعاً مسيحيين ومسلمين للدفاع عن المدارس، رافضين المناهج التي تحاول الادارة الذاتية فرضها بالقوة”.
استكمال المقاومة ضد “التكريد”
وكانت انطلقت عصر يوم الثلاثاء، بعيد ساعات من اغلاق المدارس، مظاهرة حاشدة في مدينة القامشلي قام خلالها المتظاهرون بكسر الأقفال وطرد مسلحي الميليشيات الذين حاولوا تفريقها باطلاق النار في الهواء لكن من دون جدوى، وتزامناً قرعت الكنائس أجراسها”.
وقال فادي، أحد المشاركين في المظاهرة ل”اليوم الثالث”، إن “اكثر من 1000 رجل وامرأة تجمعوا أمام باب “مدرسة الأمل” المغلق، الذي هو باب الكنيسة في الوقت ذاته، حاملين الأعلام السورية موجهين رسالة إلى الادارة الذاتية مفادها أن التعدي على حقوق أبنائنا التعليمية خطٌ أحمر لن نسمح به مهما بلغوا من قوة”.
وأضاف أن “الهدف الأساسي وراء حركة الادارة الذاتية هو اجبار الجميع على تعلم اللغة الكردية، الضيقة الإنتشار والتداول، وحل المشكلة المتمثلة بإحجام الكرد عن ارسال أبنائهم إلى المدارس الكردية وتفضيلهم المدارس الحكومية والخاصة التي لا تزال تلتزم بالمنهاج الرسمي”.
هذه الفكرة أكد عليها مدير أحد المدارس أيضاً بالقول “مدارسنا تتبع ادارياً ومالياً للمطرانية لكنها ليست حكراً على أبناء الطائفة فقط بل هي مفتوحة أمام كافة أبناء مجتمعنا السوري، ويشكل أبناء الطائفة السريانية فيها الأقلية، مع وجود عدد كبير من أبناء النسيج الكردي، وغايتنا إشعاع النور لكافة أبناء الوطن دون تمييز في الدين أو العرق أو الانتماء”.
وعلى الرغم من اعادة فتح المدارس، إلا أن جميع من التقاهم موقع “اليوم الثالث” أكدوا أن “الأزمة لم تنته وما حدث هو انتهاء فصل من فصول الابتزاز فقط، فالنار لا زالت تحت الرماد بدليل اقدام الادارة الذاتية على اغلاق مدرسة النهضة التابعة للكنيسة الانجيلية في الحسكة صباح يوم الأربعاء.
وشدَّد المصدر الكنسي على أن “الكنيسة عازمة على متابعة نضالها من أجل الحفاظ على حقوق الأطفال في التعلم باعتبار أنَّ مدارسنا لا تقل أهمية بالنسبة لنا عن كنائسنا”، مضيفاً أن “ما يعرف بالادارة الذاتية تحاول اصطياد كل طائفة على حدة عبر خطة تشمل اغلاق كافة المدارس بدأتها بالمدارس السريانية الأكبر عدداً والأكثر انتشاراً في المنطقة”.