فيما يتابع الجيش السوري راهنا تطهير الشطر الشرقي من محافظة درعا جنوب البلاد من ما تبقى من بؤر إرهابية مسلحة، يعمل من جهة اخرى على تثبيت وتوسيع المصالحات والتسويات، وحيث باتت منطقة درعا بحكم الساقطة عسكرياً والمنتهية الصلاحية، على حد تعبير مصادر ميدانية متابعة، وتؤكد هذه المصادر أن إستعادة شرق المحافظة المذكورة بالكامل، بات مسألة أيام معدودة.
عمليا، لقد أسهمت هذه الإنجازات العسكرية، والمتمثلة بوصول القوات السورية الحكومية الى معبر نصيب الحدودي مع الأردن، في البحث والتمهيد لإعادة فتح هذا المعبر الذي يشكل شرياناً حيوياً لكل من سوريا والاردن ولبنان والعراق، نظرا لاهمية هذه الممرات البرية في التبادل التجاري في تجارة واقتصاد هذه البلدان، إضافة إلى الحركة السياحية والنقل بين البلدين، فضلا عن ربطه إياهما ببلدان الخليج العربية ودول شرق آسيا وأوروبا.
وتؤدي إعادة فتح هذا المعبر أيضاً، إلى عودة حركة البضائع بين لبنان والأردن من جهة وبين لبنان ودول الخليج والعراق من جهة أخرى، كون المعبر هو المنفذ البري الوحيد الذي يربط لبنان بالخليج.
ويتطلب إعادة العمل بهذا المعبر، إجراءات أمنية وتفاهمات إدارية بين الجانبين السوري والأردني، ليصار بعد ذلك الى العمل بخط “الترانزيت” بين لبنان وسورية والاردن وصولا الى الخليج الفارسي وشرق أسيا واوروبا، الذي بات حاجةً إقتصاديةً ملحة للمملكة الهاشمية أولاً، سيما وأن اقتصادها قد تضرر بشكل كبير، بعد ما جرى من معارك في الجنوب السوري، تتحمل في عجزها عن ضبط حدودها الشمالية مع سورية، قسما كبيرا من مسؤولية اندلاعها .
من جهة اخرى، يصف الصناعيون والزراعيون وممثلو العديد من القطاعات الأردنية معبر نصيب الحدودي بـ”الرئة الشمالية للأردن”، بحسب صحيفة “الرأي” الأردنية التي أعتبرت أن انسداد هذا الشريان التجاري، خلق أزمة اقتصادية لكل من سوريا والأردن.
وفي السياق، تستبعد مصادر سياسية سورية إعادة تفعيل “نصيب” في المدى المنظور، أقله ليس قبل إنتهاء الأعمال الحربية في محافظة درعا، لضمان عدم دخول نازحين سوريين الى الأراضي الأردنية مجدداً، أو تسلل مسلحين اليها، أضف الى ذلك فأن المباني الحدودية بين البلدين التابعة للأمن العام والجمارك السورية مدمرة، ويحتاج ترميمها وإعادة العمل بها الى وقت.
بالإنتقال الى الوضع في الشطر الغربي من “درعا”، والقريب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد يتطلب إنهاء الوجود المسلح غير الشرعي فيه التابع لارهابيي “جبهة النصرة”، مزيداً من الوقت، بسبب التماس مع العدو الإسرائيلي، وقد يصار الى تفكيك هذا الوجود، بإتفاق سياسي مماثل للإتفاقات التي عقدت مع مسلحي ريف حمص والغوطة الشرقية وسواهم، ثم ترحيلهم الى أدلب، برأي مصادر معارضة.
ومن المتوقع إعادة العمل بإتفاق “فض الإشتباك” الموقع في العام 1974 بين سورية والعدو الإسرائيلي، كونه المصوغ القانوي الوحيد، الذي يصلح راهناً لإعادة الهدوء الى منطقة غرب درعا، والقنيطرة.
وتلفت المصادر عينها الى أن هناك مؤشرات الى ذلك، من خلال تجديد الأمم المتحدة لقوات مراقبة فض الاشتباك”اندوف”، العاملة في الجولان السوري المحتل في الأسابيع القليلة الفائتة.
وتأتي دعوة مجلس الأمن جميع الجماعات المسلحة وأطراف النزاع الداخلي في سوريا للانسحاب من المنطقة الفاصلة بين “إسرائيل” وسوريا في هضبة الجولان، لتؤشر الى امكانية أعادة العمل سريعا بهذا الاتفاق الذي ترعاه الامم المتحدة، كما شدد مجلس الامن على ضرورة أن يحترم الطرفان (“إسرائيل” وسوريا) بشكل كامل ودقيق أحكام اتفاق العام 1974 في شأن فض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية”.
وتبقى الثغرة العسكرية والميدانية الاكثر خطرا، والتي هي إنتشار الإحتلال الأميركي في منطقة التنف الواقعة على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، وحيث ان لا افق لاستمرار هذا الاحتلال وهو الى زوال، قد لا يكون ذلك في المدى المنظور، ولكن طبعا فانه قد فقد قيمته الإستراتيجة بعد إستعادة الجيش السوري لدرعا، ولم يعد هذا الإحتلال راهناً الإ وجوداً معنويا في هذه المنطقة الحدودية، لأنه يشكل أحدى الأوراق التفاوضية للأميركيين في اي عملية سياسية سورية. حتى واشنطن نفسها أعلنت مراراً أنها ستسحب قواتها من سوريا.
والجميع في إنتظار النتائج المرتقبة عن اللقاء الذي سيجمع الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في العاصمة البولدنية هلنسكي في الأيام المقبلة، ليتقرر بعدها مصير التنف او الضغط على المسلحين قرب الجولان المحتل.
-موقع المرده-