أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


الجيش السوري في معبر نصيب: تهاوي الحدود مع الأردن

في مطلع نيسان من العام 2015، فقدت الحكومة السورية السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، لمصلحة فصائل «الجبهة الجنوبية». حينها، صرّح عضو المكتب الإعلامي في «الجيش الأول» ماهر العلي، أن ما دفع المعارضة لمهاجمة المعبر كان قرار السلطات الأردنية ــ وكيلة عن حلفائها الأميركيين ــ وقف الحركة التجارية نحو الجانب السوري. ومنذ بداية الحرب التي رأى فيها الملك الأردني أن على الرئيس بشار الأسد الرحيل، بقي الجنوب السوري منطلقاً لمحاولات متعددة قادتها غرفة «الموك» بالتعاضد مع الجانب الإسرائيلي، بهدف «إسقاط دمشق»، ولكنها انتهت بالفشل ولم تنجح حتى في انتزاع قوات الجيش من داخل مدينة درعا. اليوم تغيّرت تلك المعادلة بفعل أمر واقع فرضته دمشق وحراك دبلوماسي روسي جعل من عمّان أول الساعين لعودة الأمور إلى نصابها. فدمشق باتت في موقع يتيح لها، بالتعاون مع حلفائها، صوغ خريطة الطريق التي تحدد مصير المناطق الخارجة عن سيطرتها. عودة المعبر ورجحان كفة المفاوضات، ما هي إلا مقدمة لاستقرار الجنوب، بعد محيط العاصمة ووسط البلاد، تحضيراً لجولات جديدة، ميدانية وسياسية، تعيد تدريجاً ما بقي من مناطق خارجة عن سلطة الدولة.

الفصائل تحت ضغط «نار التسويات»

خلال وقت قصير نسبياً، فرض الجيش وحلفاؤه تفوقاً في جبهات الجنوب، ترجم بعودة معبر نصيب إلى كنف الحكومة، وتوجه الفصائل المسلحة إلى التفاهم حول اتفاق «مصالحة»، بعد ليّ ذراعها في الميدان. إذاً حققت دمشق واحداً من أبرز أهداف العمليات العسكرية التي انطلقت في الجنوب، عبر استعادتها أمس السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، والذي بقي لأكثر من ثلاثة أعوام في يد الفصائل المسلحة. عودة العلم السوري إلى فوق المعبر، بما تحمله من رمزية عسكرية وسياسية، سوف تكون أيضاً مقدمة لمسار انتعاش الحركة التجارية عبره، بمجرّد استقرار الأوضاع في مدينة درعا ومحيطها، وهو استقرار يجري العمل على تحقيقه خلال وقت قصير نسبياً، عبر الميدان وطاولة المفاوضات في آن واحد.

ومع إنجاز اتفاق المصالحة الخاص ببلدة بصرى الشام ومحيطها، ودخول قوات الجيش كامل النقاط الحدودية بين ريف السويداء ونصيب، أغلق ملف ريف درعا الشرقي بالكامل. ويفترض أن تستكمل الفصائل المسلحة في البلدات التي يشملها الاتفاق تسليم سلاحها الثقيل، تمهيداً لتسوية أوضاع حملة السلاح وترحيل من يرفض صيغة «المصالحة» الحكومية نحو الشمال السوري، على غرار اتفاقات التسوية التي شهدتها مناطق مختلفة، مثل الغوطة الشرقية. التفاهم حول مصير الريف الشرقي أنجز منذ جولة التفاوض الماضية، وبدأ أمس تنفيذه على أرض الواقع، عبر الالتزام بوقف لإطلاق النار وانسحاب المسلحين من محاذاة الشريط الحدودي بعمق يصل إلى نحو 3 كيلومترات، لحساب الجيش. وينتظر أن تنفّذ بنوده الخاصة بتسليم السلاح الثقيل وتسوية الأوضاع أو الترحيل، تباعاً، بالتوازي مع عودة أهالي البلدات النازحين إلى منازلهم، ودخول وحدات الأمن الداخلي، كخطوة أولى لعودة مؤسسات الدولة الرسمية.

وترافق إنجاز أول بنود هذا الاتفاق، مع عقد جولة خامسة من التفاوض بين وفد الفصائل المسلحة والجانب الروسي، أفضت حتى ليل أمس، إلى تفاهم مبدئي حول مجموعة من النقاط التي يمكنها أن تشكل بنود اتفاق تسوية شامل يضم مدينة درعا وريفيها الجنوبي الغربي والشمالي الغربي، إلى جانب ريف القنيطرة المجاور.

ولا تختلف هذه النقاط بشكل كبير عن الاتفاق الخاص بالريف الشرقي، فهي تتضمن وفق بيان نشرته «العمليات المركزية في الجنوب» التي تضم غرف عمليات «توحيد الصفوف» و«رص الصفوف» و«البنيان المرصوص» و«صد الغزاة»، تسليم السلاح الثقيل والمتوسط بشكل تدريجي «على أن تعود قوى الجيش إلى مناطق ما قبل الهجمة… مع التعهد بعدم دخول قوى الجيش والأمن والميليشيات الطائفية» إلى البلدات المشمولة في الاتفاق. كذلك تنص على عودة النازحين وتسوية أوضاع الراغبين من المسلحين وضمان حركة التنقل المدنية والتجارية وعودة المؤسسات الرسمية، والتعجيل بحلحلة ملف المعتقلين والمختطفين، مع فتح «طريق الهجرة» للراغبين، نحو إدلب.

هذه البنود التي تناقلتها أوساط المعارضة، من دون أن يخرج تأكيد من الجانب الحكومي في شأنها، يفترض أن يتم نقاشها مع كل الفصائل في الجنوب، للعودة وإنهاء المفاوضات مع الجانب الروسي. وتشير المعطيات المتوافرة من تلك الأوساط إلى وجود خلافات داخلية بين الفصائل حول بعض البنود، وهو ما انعكس من خلال الاشتباكات التي شهدتها جبهات القنيطرة أمس، والتي ترجمت على أنها رفض للتفاهمات التي أنجزت.

وعلى الجانب الحكومي، تبدو الأمور أكثر وضوحاً، فإما أن تقبل الفصائل بشروط الاتفاق وتسلّم أسلحتها، أو يجري الاحتكام إلى الميدان. وضمن هذا التوجه، سيطر الجيش أمس على بلدة النعيمة شرق مدينة درعا، وردّ على الهجمات التي شنتها الفصائل في محيط مدينة البعث، مبدياً جاهزية لحسم ملف الجنوب عسكرياً بمجرد انفراط عقد المفاوضات. وبينما يبدو شرط «عودة قوى الجيش إلى مناطق ما قبل الهجمة» غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، فإن دخول قوات الشرطة العسكرية والأمن الداخلي يشكل بديلاً لوحدات الجيش المقاتلة، التي ستتجه بطبيعة الحال نحو خطوط التماس، وسبق أن تم تطبيق هذا النموذج في مناطق عدة وقّعت مصالحات.

سيلجأ الجيش إلى الحسم العسكري إذا انتكس التفاهم في الجنوب

وينتظر أن يتضح اليوم، مآل مشاورات الفصائل الداخلية، وموقفها من بنود الاتفاق، وفي حال رفض أي منها الدخول في «المصالحة» سيتوجه الجيش لحسم ملفها عبر المعارك. وبدا لافتاً أمس، تلويح «هيئة تحرير الشام» بشن عملية عسكرية في ريف حماة الشمالي «نصرة لدرعا»، ومطالبتها سكان القرى المحاذية لخطوط التماس إخلائها خلال 48 ساعة. وفي رد سريع على هذا البيان، خرج بيان موقع باسم سكان بلدات ريف حماة الشمالي والشمال الغربي، أكد عدم استعدادهم لمغادرة قراهم، ومذكراً «الهيئة» بأن سكان درعا توصلوا إلى اتفاق تسوية وسوف يغادر قسم منهم إلى ريف حماة الشمالي.

وأتت هذه التطورات بالتوازي مع التوتر الذي تشهده أطراف ريفي حماة واللاذقية، نتيجة الاستهداف المتكرر لسلاحي الجو والمدفعية لمواقع المسلحين هناك، في معرض الرد على محاولات الهجوم المتكررة التي تتعرض لها قاعدة حميميم الجوية، والتي كان آخرها ليل أمس.

-الأخبار-