تتّجه أنظار العالم اليوم إلى الجنوب السوري باعتبار أنه سيكون من أواخر المعارك التي سيشنّها الجيش السوري وحلفاؤه قبل لقاء ترامب وبوتين في هلسنكي في 16 تموز الجاري.
وكان لقاء ترامب بوتين السابق قد أقرّ اتفاق منطقة خفض التوتّر في الجنوب السوري، الذي أدخل المنطقة المُحاذية للجولان المحتل وللحدود الأردنية في هدنةٍ استمرت لغاية انتهاء الجيش السوري وحلفائه من معاركهم على الحدود العراقية السورية والانتهاء من جميع بؤر المسلّحين في الداخل السوري.
وهكذا، لن يأتِ موعد لقاء بوتين وترامب، إلا وتكون هذه المنطقة قد عادت إلى حضن الدولة السورية، وبقيت خارجها المنطقة التي تسيطر عليها مجموعات “قسد” ومحافظة إدلب، بالإضافة إلى المناطق التي يسيطر عليها الأتراك ضمن مناطق “غصن الزيتون” و”درع الفرات”. وعليه، من المُرجّح أن ينجح لقاء ترامب – بوتين في تكريس تفاهُمات حول سوريا لأسبابٍ عدّة أهمها:
أولاً: اعتراف العالم أجمع بأنه بات من غير المُمكن الإطاحة بالرئيس السوري بشّار الأسد، بعد الإنجازات العسكرية التي حقّقها الجيش السوري نتيجة للدعم الروسي والإيراني وحزب الله وغيرهم.
ما يعني أن الأطراف التي شنّت الحملة تحت شعار “إسقاط النظام” قد فشلت في خطّتها، وعليها أن تتعامل اليوم مع نتائج الميدان بكل واقعية.
ثانياً: لقد حاول أوباما في وقتٍ سابقٍ أن يعقد تفاهُمات مع الروس، ولكن أجنحة داخلية في الإدارة عرقلت قيام هذه الاتفاقيات، ونذكر على سبيل المِثال التفاهُم الذي عقده جون كيري مع الروس، وإفشاله بعد قيام طائرات التحالف الدولي بالإغارة على الجيش السوري في جبل الثردة.
قد يكون مردّ هذه العرقلة من داخل الإدارة وبالتحديد من الجيش والبنتاغون إلى أسبابٍ عدةٍ، ولكن الظاهر منها أقلّه أمران:
الأمر الأول متعلّق بالتصوّرات الأيديولوجية المتوارثة منذ الحرب الباردة وعقيدة الجيش الأميركي الذي ما زال يجد في الروس خطراً على الأمن القومي، ويجب منعه من التحوُّل إلى قوّةٍ عالميةٍ، أو على الأقل من التحوُّل إلى قوّةٍ تُقاسم الأميركيين النفوذ في الشرق الأوسط.
الأمر الثاني متعلّق بالتحديد باستراتيجية أوباما “للتحوّل نحو آسيا” مع ما تعنيه تلك الاستراتيجية من تقليص موازنة الجيش الأميركي خاصة في ما يختصّ بالقوّة البرية، إذ أن مواجهة الصين واحتواءها يفرضان أن تخصّص معظم موازنة الجيش الأميركي للقوّتين البحرية والبرية، بعكس الانخراط في الشرق الأوسط وأفغانستان الذي تطلّب زيادة الإنفاق على الجيش البرّي إلى حدٍ أقصى.
وكان أوباما الذي ورث حربين غير مُنتهيتين وتقشّف مفروض على موازنة الدفاع بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، ارتأى “التوجّه نحو آسيا” لاحتواء الصين، ولأن كلفة ذلك التوجّه أقل من كلفة استمرار الانخراط في الشرق الأوسط.
وهكذا، مدفوعاً بتصوّرات أيديولوجية وقلق من موازنة تقشّفية للدفاع، كان لا بدّ على البنتاغون من أن يقوم بإفشال أيّ توجّه لتسوية مُبكرة في سوريا تخرجه من الميدان السوري وتظهر انتصاراً روسياً واضحاً.
أما اليوم، وبعد أن قام ترامب بزيادة موازنة الدفاع إلى أقصى حدٍ في التاريخ المُعاصِر ما يزيل قلق الجيش من التقشّف المفروض، وبعد أن تبدّلت أولويات السياسة الأميركية في عهد ترامب عن عهد أوباما، وبعد إعلان ترامب رغبته في انسحاب الجيش الأميركي من الميدان السوري، ولحاجة ترامب الى إنجازات يبرزها بوجه معارضيه في الداخل… بات من الممكن التفاؤل بنجاح لقاء ترامب – بوتين في الاتفاق على ترتيبات الحلّ السياسي، أو على الأقل وضع تصوّر لكيفية انتهاء الحرب في سوريا.
-الميادين-