يبدو ان عودة التوازن الى الداخل السوري تسير قدما وبخطوات متسارعة، و نتيجة الضغط العسكري وانسداد الافق امام المسلحين، او نتيجة قناعة متأخرة بسلطة وقدرة الدولة، تتسابق التسويات وعمليات استسلام هؤلاء للجيش العربي السوري من جهة، مع العمليات الميدانية التي تتغير خرائط سيطرة الجيش السوري فيها بطريقة متسارعة، من حهة اخرى.
فيما خص العمليات العسكرية في الجنوب السوري، كما ذكرنا في مقالات سابقة نشرت في موقع “المرده” بتاريخ 4 حزيران ثم في 26 منه، ألا مواجهة عسكرية تقليدية في تلك المنطقة ، أي بمعنى فتح “جبهة كلاسيكية” مع المجموعات المسلحة المنتشرة في المناطق المحاذية للأردن، وأن تكن تشهد المناطق الجنوبية بعض الأعمال الحربية، كإستهداف الطيران الحربي السوري والروسي مواقع تلك المجموعات، أو إستهدافها بسلاح المدفعية والصواريخ، لكنها لم تتعد إطار المناوشات، وتبادل النار حتى الساعة، بحسب ما تؤكد مصادر ميدانية متابعة.
وفي هذا الصدد، تلفت مصادر سورية معارضة الى أن هناك مؤشرات سياسية وعسكرية تؤكد وجود تفاهم أو إتفاق روسي – أميركي، لإنهاء الوجود المسلح غير الشرعي في الجنوب، وعودة سلطة الدولة السورية إليه، نافيةً في الوقت عينه علمها أو ملكيتها لاي معلومات مؤكدة عن هكذا إتفاق أو تفاهم، غير أنها تلقي الضوء على الوقائع الآتية التي تشي بوجود هذا الإتفاق المفترض :
– الإنهيارات السريعة للمسلحين، ما يؤكد رفع الدعم اللوجستي عنهم، بالتالي إنتهاء دورهم، بعد تركهم يواجهون مصيرهم بانفسهم، وبدا ذلك من خلال التخلي الواضح لرعاتهم الإقليميين والدوليين عنهم، بحسب رأي المصادر، مذكرةً بما أعلنه وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي أن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى الحد الأقصى الذي يمكن لبلاده استقباله، ما يوحي بأن عمان، لن تسمح باستمرار استخدام المسلحين ورعاتهم لأراضيها كقاعدة إمداد لوجستي، لإستهداف الجارة سورية وتقويض إستقرارها، بعد فشل غرفة الموك في الأردن، من تحقيق إختراق العاصمة السورية دمشق من جهة الجنوب، وبعد فشلها ايضا في تنفيذ قطع طريق “درعا- الشام “.
– تسارع وتيرة إستعادة المناطق الى سلطة الدولة، وهنا تؤكد المصادر عينها أن الأوضاع في حوران، تسير على نفس المنوال الذي سارت عليه في الأشهر القليلة الفائتة في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، أي تقطيع أوصال مواقع انتشار المجموعات المسلحة، وإطباق الحصار عليها، لدفعها الى الإستسلام، والدخول في تسويات لإنهاء المظاهر المسلحة، غير الشرعية، أو ترحيلهم الى الشمال .
الى ذلك ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن قياديين في “الجيش السوري الحر”، كانوا قد أعلنوا انضمامهم للقوات الحكومية في الأيام القليلة الفائتة، ولجاؤا إلى مركز المصالحة الروسي طالبين الدعم من قيادة الجيش السوري، وذلك بهدف مساعدتهم على صد هجمات مسلحي ” جبهة النصرة” على مواقعهم في الجنوب السوري.
– الصمت الأميركي – الإسرائيلي عن توسع القوات السورية جنوبا، والذي ترافق مع إبلاغ واشنطن الفصائل المسلحة، بألا تعوّل على دعمها العسكري في التصدي لهجوم تشنه القوات الحكومية السورية لاستعادة مناطق تسيطر عليها المعارضة في جنوب سوريا .
يضاف الى ذلك كله بحسب المصادر، سعي واشنطن وعمان وتل أبيب الى عدم إنفجار الوضع في الجنوب السوري ، لما له من تبعات خطرة في المنطقة، خصوصاً على أمن الإردن والكيان الإسرائيلي.
وفي سياق متصل، لا شك أن التظاهرات الإحتجاجية على الضرائب التي شهدتها المملكة الهاشمية في الأسابيع الماضية، حملت الى المجتمع الدولي والى من يعنيهم الأمر، أنها لا تستطيع الإستمرار بالوضع السابق، أي إستخدام أراضيها قاعدة لإستهداف الأمن القومي السوري، كذلك إستمرار وقف العمل بخط “الترانزيت” مع بيروت، الذي كبد المملكة خسائر مالية كبيرة، خصوصاً بعد وقف التعويضات السعودية البديلة عن “الترانزيت” في الآونة الأخيرة.
الى ذلك لا يمكن لواشنطن إمرار ما يسمى “بصفقة القرن” في ظل وجود حالة حرب في المنطقة، وأي إتفاقية سياسية، خاصة لناحية حساسية ما تعنيه صفقة القرن هذه، و التي يتم التداول حالياً فيها بشكل واسع، تتطلب أجواء سياسية هادئة ومؤاتية، على غرار الأجواء التي سبقت إتفاقية أوسلو ووادي عربة وسواها.
وفي الشأن الميداني أيضا، تمكن الجيش السوري من طرد جماعة تنظيم “داعش” الوهابية بالكامل من بادية دير الزور شرقي البلاد وتطهير آلاف الكيلومترات المربعة، وذلك بعد سلسلة معارك عنيفة، ما يؤكد وقف دعم الإقليمي والدولي عنهم أيضا .
وفي هذا الصدد لا يستبعد مرجع عسكري وإستراتيجي إنسحاب قوات الإحتلال الأميركي من قاعدة التنف الواقعة على الحدود العراقية- الإردنية- السورية، خصوصاً بعد بسط سلطة الدولة السورية في الجنوب، ويختم بالقول: “لا معنى عسكري وإستراتجي للتنف بعد إستعادة درعا، وتطهير البادية من الإرهاب .
وهكذا، نتيجة ما يجري من تسارع للاحداث الميدانية والعسكرية والشعبية في سوريا، وخاصة مؤخرا في جنوبها، مع ربطها بالتحولات الاستراتيجية الدولية، والتواصل الروسي – الاميركي الاخير، والتواصل الشبه الدائم الروسي – الاسرائيلي ، مع تسليم جميع تلك الاطراف الدولية بصمود الدولة السورية وبانتصار جيشها، لا بد ان تشهد هذه الساحة بعد تبلور تلك الاحداث المذكورة ، تغييرا استراتيجيا سوف يكون له التاثير المباشر والاساسي على طريق انهاء الحرب على سورية.
-موقع المرده-