عَ مدار الساعة


الامارات العربية المتحدة وصعود الصين..اي توازنات دولية جديدة؟

كتب عماد رزق – 

بعد الحديدة والممر البحري عبر البحر الاحمر، حان دور مضيق هرمز وخليج العرب. لقد سمحت الحرب في اليمن لقيام دور للقوات الاماراتية ميدانياً بعدما كانت الامارات العربية قوة فاعلة وناشطة على مستوى الاستثمار والتأثير الاعلامي والعلاقة السياسية والتي تهدف الى مواجهة تمدد فكر الاخوان المسلمين والعديد من الحركات الاسلامية على امتداد العالم العربي.

لقد اصبح واضحاً إن العديد من عمليات القراصنة في بحر العرب كان الهدف منها السيطرة على حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب، وكانت تستخدم معلومات يتم تسريبها من شركات التأمين العالمية عبر اختراقات تخدم استراتيجية ضرب حركة التجارة العالمية وبشكل اكبر تدفق البضائع من الصين الى اوروبا، بحيث بلغت الصادرات الصينية عبر ممر باب المندب اكثر من 60% وبالتالي فإن ارتفاع اسعار شركات التأمين على حركة نقل البضائع كما حدث بعد احداث 11 ايلول في الولايات المتحدة وبعض التهديدات للملاحة الجوية، اصبحت تشكل مع تكاليف النقل 1/3 من القيمة الحقيقية للانتاج وهو ما اعطى دور لشركات التأمين التي تسيطر عليها المؤسسات الغربية في بريطانيا والولايات المتحدة .

هذه الاستراتيجية التي استخدمت للسيطرة البحرية اعتمدتها المملكة المتحدة البريطانية عندما ادخلت شركاتها على سواحل كينيا قبل 100عام وبعدما غادرت الاستثمارات تم تفريغها لصالح الحكومة البريطانية.

من الاستعمار البرتغالي في القرن السادس عشر الى البريطاني شكلت منطقة ساحل عُمان، وأقدمها في التكون إمارة رأس الخيمة التي كان لنشوب الحرب بين اليعاربة بداخل عُمان في القرن الثامن عشر أثره الكبير في إنفرادها بالحكم، كما كان للحروب القبلية والنزاعات الداخلية والتدخل الأجنبي الأثر الكبير في إنفصال هذه الإمارات وقيام مشيخات عرفت بإمارات ساحل عُمان أو إمارات ساحل عُمان المتصالحة أو كما سماها الإنكليز ساحل القراصنة.

تاريخياً، كانت المنطقة خلال الـ150 عاماً التي سبقت قيام دولة الإمارات العربية المتحدة تحت الإنتداب البريطاني وربطت المملكة المتحدة حكام إمارات الساحل العُماني بإتفاقيات تقضي بتولي المملكة المتحدة مسؤولية الشؤون الخارجية والدفاعية مقابل أن يدير حكام الإمارات شؤونهم الداخلية. ولو نظرنا إلى الخارطة لوجدنا أن هذه الإمارات تقع على ضلعي مثلث تلاقي قمته مضيق هرمز وبها توجد مدينة خصب وتابعة لسلطنة مسقط، سلطنة عُمان بعد عام 1970 وتقع رأس الخيمة والشارقة ودبي وأبوظبي وعجمان وأم القيوين على الضلع الغربي للمثلث.

وكما شكل إفتتاح قناة السويس في مصر وقدوم السفن البخارية، إنحسار للهيمنة البحرية لعُمان منذ العام 1868 وبداية الخلافات بين السلطان الذي يحكم المناطق الساحلية والإمام الذي يسيطر على المناطق الداخلية. ليعود الصراع بين عُمان والسعودية وأبوظبي على واحة البريمي عام 1952، فهل يكون صعود دور الامارات العربية المتحدة بداية تجدد الصراع؟

من خلفية الحرب في اليمن الى فرض حصار وعقوبات على دولة قطر، يمكن اعتبار مستقبل الصراع او الازمة قضية حياة واستمرارية للدور. لذلك تم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية في الاول من حزيران مع روسيا لاستثمار التناقضات الاستراتيجية بين القوى الكبرى رغم تناقضات علاقاتها التجارية مع الجمهورية الاسلامية في ايران في مقابل تعبئة على الدور السياسي والامني الايراني في اليمن تحديداً والمنطقة عامة، فالامارات توازن الموارد، مع التحكم بالنقاط الاستراتيجية لجزيرة العرب، وتعمل لاستعادة التأثير على المنطقة الممتدة من مضيق هرمز حتى زنجبار على سواحل كينيا. فهل تستطيع الامارات العربية صياغة استراتيجية وطنية اماراتية خاصة بها تستعيد فيها امجاد مملكة زنجبار وتكون ميزان العلاقة البريطانية – الروسية في منطقة الخليج.

الواضح من قادة الامارات المتحدة العربية، ان الحدود الجغرافية لن تشكل سبباً لامتداد دورهم على كامل المنطقة، بينما يبقى الداخل خاضعاً كما الماضي للامام، والداخل اليوم تسيطر عليه القوات الحوثية ويهدد تنظيمهم مستقبل المملكة السعودية.

فالدور الديبلوماسي الذي قامت به سلطنة عمان في الفترات الماضية للوساطة بين بريطانيا والولايات المتحدة من جهة والجمهورية الاسلامية في ايران ليس الا امتداد للدور العسكري الذي تقوم به الامارات العربية المتحدة.

غير ان تحولا ينتظر الخليج ومستقبله خلال السنوات الـ10 القادمة، وقد اصبح مؤكداً الدور الفرنسي العسكري الميداني في ميناء الحديدة والديبلوماسي من خلال الضوء الاخضر لبداية مفاوضات في باريس الاسبوع القادم (نهاية حزيران 2018) على خلفية انسانية، هذه المفاوضات تستكمل او تتصادم مع المفاوضات التي عملت عليها سلطنة عمان سابقاً بالتسيق مع بريطانيا؟

فدخول ميناء الحديدة ومطارها في اليمن سببه تحسين واقع المفاوضات بين مناطق الساحل ومناطق الداخل؟ وكيف ستصبح العلاقة السعودية – الاماراتية بعد الاتجاه الى الحسم في اليمن وافتتاح الطريق المباشر البري من سلطنة عمان الى المملكة السعودية والذي يختصر الممر الوحيد البري الذي كان يربط سلطنة عمان مع المملكة السعودية في الداخل عبر الامارات المتحدة.

الاكيد ان صحراء الربع الخالي لم تعد الحاجز الطبيعي الفاصل بين السلطنة والمملكة. التحولات في اليمن والابداع الهندسي للتغلب على الطبيعة سوف تعيدنا من العام 2018 الى العام 1952 وبداية المنافسة الدولية للسيطرة على الممرات البحرية والملاحة الجوية التي تربط الشرق بالغرب، صراع السلطنة والمملكة والامارات ليس قراراً تتحكم به القيادات والمصالح التجارية والدولية انما هو قدر التاريخ وربما لعنة الجغرافيا في وقت تعمل الصين لتنفيذ مبادرتها ” الحزام والطريق” بينما تعمل بريطانيا والولايات المتحدة لاستمرار الاحادية العالمية وتحضير ارض الاشتباك مع الصين.

في الخلاصة، الحصار على قطر والعقوبات على ايران ومحاولة اخراج الشركات الفرنسية من الجمهورية الاسلامية ربما هو بداية تقارب بين روسيا والمانيا واليابان يخفف الاندفاعة الاميركية شرقاً ولا يوقفها، بينما تستمر الصراعات محلية في الخليج من غير ان تؤثر على التوزانات الدولية. لقد شكلت اليمن اطاراً لرسم توازنات جديدة داخلية في الخليج وها هي اليوم ترسم اطاراً جديداً في التعددية القطبية الناشئة.

-رئيس الاستشارية للدراسات-