– أنا صاحب جذور عندما تصبح مياه الحياة عكرة، هام العودة إلى المنبع لمتابعة التقدّم
– مَن يعترف جيّداً يصبح قدّيساً، والدموع تمسح العينين كي نرى الحقيقة بشكل أفضل
***
ناشد البابا من أجل صحافة تعرف أن تضع الحقيقة قبل مصالحها الفردية أو الجماعية. وذكّر البابا بالجائزة التي تحمل اسم “أحد أشهر الصحافيين الإيطاليين، الذي قام بمداخلة أكثر من مرّة حول دور الصحافي بكونه الضامن للمعلومة الصحيحة والموثوق منها والحقيقية”.
إنّ الصحافي هو مدعوّ إلى كتابة ما يفكّر فيه، ما يمليه عليه ضميره الحي والواعي. يجب أن نكون صارمين مع ذواتنا حتى لا نقع في فخّ المنطق الكاذب وذلك من أجل تحقيق مصالحنا الشخصية وأفكارنا الخاصة”.
إنّ الكلمات الثلاث التي ركّز عليها البابا خطابه كانت الضواحي والحقيقة والأمل.
الضواحي: غالبًا ما ننسى قصص الأشخاص الذين يعيشون في الضواحي يعانون العذاب وهي قصص تساعدنا على رؤية الأمور من زاوية أخرى.
الحقيقة: نحن اليوم نعيش في عالم حيث يسير كل شي بشكل سريع لذا بات من الملحّ أن نلتفت إلى الأوضاع المؤلمة والعاملة والمجاهدة… وإن دعا الأمر أن نصمت بدل أن نجرح شخصًا أو مجموعة أشخاص. أنا أعلم أنّ هذا أمر صعب إنما قصة حياة ما تُفهَم في النهاية وهذا يجب أن يساعدنا حتى نصبح شجعانًا أو إن صح القول نبويين.
أمل: لا يكفي أن نخبر عن عالم لا يواجه المشاكل فهذا وهم. يجب أن نفتح محيطات من الأمل عندما نستنكر مواقف الانحدار واليأس. على الصحافي أن لا يظنّ أنه يعمل بضمير حي عندما يخبر بكلّ بساطة بحسب وجهة نظره الخاصة عن حدث ما. إنه مدعو إلى أن يترك مخرجًا ما، معنى وأمل.
كلام البابا جاء أمام وفد من الصحفين فاز بالجائزة الدولية للصحافة “بياجو أغنيس” في 4 حزيران 2018 في قاعة كليمنتين في القصر الرسولي في الفاتيكان.
البابا: المسيحيون المجرّدون من الذاكرة يفقدون ملح الحياة
وخلال عظته التي ألقاها من دار القديسة مارتا، أشار البابا فرنسيس إلى أنّه علينا أن نتذكّر اللقاءات الأولى مع يسوع الذي نقل لنا الإيمان وذكّرنا بشريعة الحبّ، وذلك بهدف التقدّم في الحياة المسيحية.
في التفاصيل، قال الأب الأقدس إنّ “الذاكرة المسيحية هي ملح الحياة، وعلينا أحياناً أن نخطو خطوة إلى الخلف بهدف التقدّم: علينا أن نتذكّر اللحظات الأولى التي التقينا خلالها يسوع… الرجوع إلى الوراء بالذاكرة هو طريقة مناسبة لإيجاد قوانا بهدف التقدّم. وبدون ذاكرة، لا يمكننا التقدّم. فعندما نجد مسيحيين بلا ذاكرة، نرى للتوّ أنّهم فقدوا حسّ العيش وأنهم أصبحوا أشخاصاً يطبّقون الوصايا بدون لقاء يسوع، فيما يجب أن نلتقيه في حياتنا”.
ثلاث فرص للقاء يسوع المسيح
“هناك 3 حالات يمكننا فيها أن نلتقي يسوع: في اللحظات الأولى، في أسلافنا، وفي الشريعة. عودوا إلى ذاكرة الأزمنة القديمة عند ارتدادكم، أنتم يا مَن كنتم متحمّسين للغاية… لكلّ منّا وقت للقاء يسوع. ففي حياتنا، كانت هناك لحظات اقترب فيها يسوع منّا، وعلينا ألّا ننساها، بل يجب استعادتها دائماً والتأمّل بها لأنّ يسوع غيّر فيها حياتنا وزارنا خلال اللحظات الصعبة ووعدنا بشيء ما. إنّ ذاكرة تلك اللحظات هي المصدر الذي سيعطيني القوّة”.
تنمية ذاكرة الأجداد
إنّ المناسبة الثانية للقاء يسوع قد تأتي عبر ذاكرة الأجداد، أو من علّمونا الإيمان، “لأنّ الإيمان لم يصلنا بالبريد! إنهم رجال ونساء نقلوا لنا الإيمان، لذا فلنقتصّ منهم القوّة”.
وتابع الحبر الأعظم شرحه قائلاً: “عندما تصبح مياه الحياة عكرة، من المهمّ العودة إلى المنبع لمتابعة التقدّم. لذا، يمكننا أن نتساءل: هل أحافظ على ذاكرة أجدادي؟ هل أنا صاحب جذور؟ أو أنني أصبحت مجرّداً من الجذور؟ هل أعيش فقط في الحاضر؟ إن كانت هذه هي الحال، يجب مباشرة طلب نعمة العودة إلى الجذور، وإلى من نقلوا إلينا الإيمان”.
الشريعة
وأخيراً، نصل إلى الشريعة التي تطرّق إليها يسوع في إنجيل مرقس، مع الوصيّة الأولى: أصغِ إلى إسرائيل الرب إلهنا.
“ذاكرة الشريعة: إنّ الشريعة هي عمل حبّ أشار لنا الرب عبره إلى الطريق قائلاً: عبر هذا الطريق، لن تخطىء. لذا، علينا دائماً العودة إلى ذاكرة الشريعة، وليس إلى الشريعة الباردة التي تبدو قانونية بحتة. لا، بل شريعة الحبّ، الشريعة التي أدخلها الرب إلى قلوبنا”.
ودعا البابا المؤمنين إلى التساؤل: “هل أنا مخلص للشريعة؟ هل أتذكّرها وأردّدها؟ لأننا نواجه صعوبة أحياناً لترداد الوصايا أو أننا نخطىء بها”.
إبقاء نظرنا مصوّباً نحو الرب
ختم البابا عظته بالقول: “إنّ تذكّر يسوع المسيح يعني تصويب النظر على الرب في جميع لحظات الحياة والتجارب… إنّ الذاكرة والرجاء يسيران معاً ويكمّل أحدهما الآخر… ويمكن لكلّ منّا أن يأخذ اليوم بضع لحظات ليتساءل: كيف تسير ذاكرة اللحظات التي التقينا خلالها الرب، وكيف يسير الرجاء؟
فليساعدنا الرب في عمل الذاكرة والرجاء هذا”.
البابا: من يعترف جيّداً يصبح قدّيساً
وكان البابا فرنسيس قد وقّع مقدّمة الطبعة السادسة لكتيّب يصدر شهرياً تحت عنوان “30 يوماً”، ويضمّ أبسط الصلوات في التقليد المسيحي والتي جمعها كاهن إيطالي هو الأب جياكومو تانتارديني (1946 – 2012).
عرف الكاردينال برغوليو الأب جياكومو وكرّمه في “30 يوماً” لدى وفاة الأخير، وذلك قبل عام على انتخاب برغوليو حبراً أعظم. وها هو اليوم يوقّع مقدّمة كتاب الصلوات الذي تُرجم إلى اللغات الأساسية في العالم، ووُزّع في كلّ مكان إلى أن بلغ الإرساليات الكاثوليكية في كلّ أصقاع الأرض، بعد أن نُشر لأوّل مرّة عام 2001.
نشير هنا إلى أنّ مقدّمات الطبعات حتّى العام 2005 حملت توقيع الكاردينال جوزف راتزينغر.
أمّا في مقدّمة 28 آذار 2018 فقد ذكّر البابا فرنسيس أنّها “ليست صدفة لكون الكاتب عنون كتابه تيمّناً بتعبير للقديس ألفونس دي ليغوري “من صلّى خلص”.
كما أضاف الأب الأقدس صلاة القديس أمبرواز الغالية على قلب جياكومو، خاصة وأنّ الأخير كان يدرك أنّ الرب هو صاحب المبادرة وأننا لا نستطيع شيئاً من دونه: “تعال أيها الرب يسوع… تعال إليّ، ابحث عنّي وجِدني وخذني بين ذراعيك واحملني”.
في السياق عينه، ومع العلم أنّ الكتيّب يجمع نصائح لاعتراف جيّد، ذكر البابا جملة “مَن يعترف جيّداً يصبح قدّيساً”، مكمِّلاً المقدّمة بدليل صغير للمُعمَّد الذي يقترب من سرّ التوبة والمصالحة: “إنّ نقطة الانطلاق هي فحص الضمير والندم الحقيقي حيال ما ارتُكب، يليها الاعتراف بدون الخجل من خجلنا، لأنّ هذا الخجل هو نعمة تدفعنا إلى طلب السماح، تماماً كنعمة الدموع التي تمسح العينين كي نرى الحقيقة بشكل أفضل”.
وتابع البابا مقدّمته كاتباً: “إنّ أصغر توبة تكفي الله، فالرحمة الإلهية تنتظر عودة الابن الضالّ، لا بل تتوقّعها بعد أن تكون قد لمست قلبه وحرّكت فيه رغبة الانطلاق مجدداً. والتوبة تُظهر أنّ المسيح بذاته لا يطلب أكثر من هذا، إذ في كرسي الاعتراف غالباً ما نشعر أنّ الرب هو من يُطبق فمنا وكأنّه يقول لنا “لا بأس بهذا حتّى الآن”. إنّ هذا التصرّف يكفي الرب الذي يرفض تعذيب الروح، بل يرغب في تقبيلها، ويرغب في أن نفرح. لأنّ يسوع أتى لينقذنا كما نحن، أي خطأة مساكين يطلبون أن يجدهم الرب وأن يحملهم ويضمّهم”.