قليلون هم الذين يعرفون القصة الحقيقية وراء السيف المغروس في الصخرة .
من منا لم يشاهد احد الأفلام التي تتحدّث عن الملك أرثر والساحر ميرلين وسيف مغروس في الحجر ؟ لكن هل تعلم ان أن تلك الأسطورة تعتمد على حدث تاريخي حقيقي ؟
في بلدة ايطالية في شيسدينو Chiusdino ،هناك معبد ودير صغير بالقرب من كنيسة القديس غالغانو . هذا المعبد معروف باسم كنيسة مونتيسبي Montesiepi . بداخلها توجد صخرة كبيرة وفيها سيف مغروس بعمق .
كيف وصل السيف فيها ؟
انها قصة قديس من القرن الثاني عشر اسمه غالغانو . وُلد غالغانو غيدوتي Galgano Guidotti سنة 1148 لعائلة نبيلة . شبّ على الحياة المُترفة ، وأصبح فارساً يبحث دائماً عن المتاعب والملذّات الدنيوية . ظهر له يوماً رئيس الملائكة ميخائيل وأظهر له طريق الخلاص وأعلمه بما عليه ان يفعل . في اليوم التالي أعلن للجميع انه يتنازل عن رتبته كفارس ويرغب منذ اللحظة انه يترك العالم ليصبح ناسكاً ويتعبّد لله في كهف متخلّياً عن كل ملذّات العالم التي كان يركض وراءها . لم يصدّقه أحد بل سخر منه اقربائه واصدقائه ، وحاولت أمّه ديونيسيا إقناعه بالتخلّي عن رغبته تلك وطلبت منه ان يرتدي ثيابه الثمينة ويذهب ليودّع خطيبته للمرة الأخيرة متأملة في قلبها ان ذلك سوف يعيده الى رشده وينسى قراره . لبّى الإبن طلب أمّه وفي طريقه الى بيت خطيبته هاج حصانه فجأة وأسقطه أرضاً . شعر وهو ملقى على الأرض بأن قوة غير مرئية ورغبة لا تُقاوم تدفعه للسير في إتجاه آخر ، وسمع صوت ملاك يقوده الى مونتي سييبي Monte Siepi الى تلة وعرة بالقرب من بلدته شوسدينو.
حين وصل قال له الصوت ان يقف بهدوء وينظر الى اعلى التلة . هناك رأى معبداً وشاهد يسوع ومريم محاطين بالرسل الإثني عشر . فأسرع في صعود التلة ، لكن الرؤيا تلاشت قبل ان يصل القمّة . حين وصل الى أعلى التلة اراد غالغانو ان يُخلّد ذكرى هذه الرؤيا بوضع صليب في المكان الذي وقف فيه يسوع المسيح وأمّه العذراء ، فلم يجد سوى سيفه فغرسه في صخرة كبيرة ، فانساب السيف بداخلها كأنها ماء . فأقام هناك وعاش متواضعاً فقيراً متعبّداً ليلاً نهار . كان القرويون الذين يعيشون بالقرب من التلّة يزورونه ويطلبون منه الصلوات والإرشادات . فقد انتشر عطر قداسته في كل الأنحاء .
توفي غالغانو عام 1181 عن عمر يناهز ال 33 عاما، وطُوِّب بعد أربع سنوات. وكانت جنازته حدثا كبيراً ، حضره العديد من الأساقفة ورؤساء الأديرة . بعد سنتين منح الأسقف منطقة مونتي سييبي للرهبان الدومينيكان فبنوا في أعلى التلة كنيسة حول الصخرة التي يخترقها السيف . لسبب مجهول فُقد جثمان غالغانو بعد الجنازة لكن رأسه حُفظ كذخيرة في جانب المذبح ويُقال ان شعره الذهبي ظل ينمو ويطول لعدة سنين . نُقل الرأس الى المتحف الكنسي في سيينا . ولكثرة الزائرين والحجّاج القادمين للتبرّك والصلاة بُنيت كنيسة أكبر قرب الأولى والتي كانت تُعدّ إحدى المباني القوطية الأكثر جمالا في إيطاليا . وسرعان ما حاز رهبان الدير على احترام الجميع وازدادوا تأثيراً ، إذ تم تعيينهم في مناصب عليا في جميع أنحاء توسكانا . لكن الكنيسة هُدِمت بعد قرون ولم يتبقى منها سوى الآثار الموجودة اليوم . اما المصلّى (الكنيسة الأصلية التي تحتفظ بالصخرة) فما زال موجود حتى يومنا هذا . أطلال الكنيسة تبعد حوالي 30 كيلومتراً جنوبي سيينا في توسكانا .
كشف تحليل الرادار المخترق للأرض ان المنطقة تحت السيف تحوي تجويف بطول 2 متر وعرض 1 متر، والتي يعتقد أن تكون مكان دفن ، وربما تحتوي على جسد القديس الذي فُقد منذ فترة طويلة. وأكد فحص الكربون ان الآثار الموجودة في كنيسة Montesiepi تعود الى القرن الثاني عشر . شكّلت قصة سيف القديس غالغانو مصدر إلهام للأساطير في القرون الوسطى عن الملك آرثر والسيف في الحجر . في الأسطورة يتم سحب السيف من الحجر من قبل آرثر الملك المستقبلي ،دليل على مجده ومُلكه . اما في حالة القديس غالغانو تدل المعجزة على التواضع والقداسة .