أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


لا تقدرون أن تخدموا الله والمال…

– من الله معه ويتكّل عليه ماذا يعوزه بعد… (عصام عوده موقع Linga)

***

يعرض الرب يسوع مقاماً مشتركاً بين الله والمال: “السيادة”، وشتان بين سيادة هذا وذاك، فنرى الرب يحذّر تلاميذه قائلا: “لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه اما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر”، ثم يعلن لهم بكلمات لا تحتمل الشك ولا يشوبها أي غموض: “لا تقدرون أن تخدموا الله والمال” (مت 6 : 24، لو 16 : 18)، من هنا فالرب نفسه يعرّف المال أنه بمثابة “سيد”، ومن صفات السيد البارزة:

  • القوة…
  • التسلّط…
  • التحكّم…

في يوم من أيام وجود يسوع على الأرض أتاه شابٌ غنيٌ وسأله قائلا: “أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية”، فنصحه يسوع بحفظ الوصايا، فأجاب الغني أنه حفظ الوصايا منذ حداثته، “فماذا يعوزني بعد ؟!”، عندها طلب منه الرب أن يخطو خطوة عملية بأن يبيع كل ماله ويعطي للفقراء ثم يأتي ليتبع الرب، “فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزينا لأنه كان ذا أموال كثيرة” (مت 19 : 16- 22).

بعد مضي الشاب يقول الرب لتلاميذه أنه يعسر دخول غني الى ملكوت الله، ويصعّب الرب هذه المسألة بقوله “أن مرور جمل من ثقب أبرة أيسر من أن يدخل غني الى ملكوت الله”، ونرى التلاميذ يذهلون مما سمعوا متسائلين: “اذن من يستطيع أن يخلص ؟!” (ع 32 – 25)، فقد كان الاعتقاد السائد عند اليهود آنذاك أن دخول السماء متعلق بالغنى المادي للشخص، (!!!) وبكلمات أخرى كان الغنى المادي هو الدليل لبركة الله على اليهودي، وبالتالي فهو الذي سيدخل السماء، والعكس صحيح، فالفقر دليل على عدم بركة الله وبالتالي عدم دخوله السماء، فيأتي الرب له المجد ويدحض هذه الفكرة عن بكرة أبيها.

نعم، المال هو أحد البركات التي قد يمنحها الله للمؤمن السائر مع الله بأمانة وبأطاعة وصاياه، ولكن هذا ليس بالأمر المطلق، فقد نجد الكثير من الأمناء والذين يستخدمهم الله بقوة ولكن بإمكانيات مادية تكاد تكون معدومة والأمثلة على ذلك كثيرة، منها وأهمها الرب يسوع له المجد، الذي قال عن نفسه: “وأما ابن الانسان فليس له أين يسند رأسه” (مت 8 : 20، لو 9 : 58)، وها نرى يوحنا المعمدان الذي عاش في البراري، لباسه من وبر الأبل، على حقويه منطقة من جلد وكان طعامه جرادا وعسلاً برياً (لو 1 : 80، مت 3 : 4)، كذلك بولس الرسول الذي كان في صناعته خيّاماً، وشهد الكثير من الضيقات في حياته، منها المادية (2 كو 11)، وسليمان الحكيم، بالرغم من كل غناه، فقد طلب من الله قبيل موته قائلا: “لا تعطني فقرا ولا غنى، أطعمني خبز فريضتي لئلا أشبع وأكفر وأقول من هو الرب أو لئلا أفتقر وأسرق وأتخذ اسم الهي باطلا” (أم 30 : 7 – 9)، وهو الذي وصف كل الغنى الأرضي في نهاية حياته بأنه “باطل وقبض الريح” (جا 2).

أن الله لم يعدنا بالغنى المادي، ولكن وعدنا بتسديد الاحتياج، فصاحب المزمور يقول: “لم أر صدّيقا تخلّي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا” (مز 37 : 25)، وفي الصلاة الربانية علّمنا الرب أن نصلّي “…خبزنا كفافنا أعطنا اليوم …” (مت 6 : 11)، وفي سفر الأمثال يقول الوحي بفم سليمان الحكيم: “الحملان للباسك وثمن حقل أعتدة، وكفاية من لبن المعز لطعامك لقوت بيتك ومعيشة فتياتك” (أم 27 : 27).

ليس المقصود بهذا الكلام إحباط العزيمة أو الكسل أو عدم الطموح والعمل والجد والاجتهاد، فمن لا يعمل لا يأكل كما يعلمنا الكتاب (2 تس 3 : 10) وكذلك قول الله لآدم في القديم أنه بعرق جبينك تأكل خبزك (تك 3 : 19)، ولكن الخطر كل الخطر بالركض وراء المال من منطلق محبة المال، والتي هي “أصل لكل الشرور، الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة” (1 تي 6 : 10)، وهناك الكثير من الآيات التي تحذّر من سيادة ومحبة المال والركض وراءه، فيحذّرنا سليمان الحكيم قائلا: “لا تتعب لكي تصير غنيا، كف عن فطنتك، هل تطيّر عينيك نحوه وليس هو، لأنه انما يصنع لنفسه أجنحة، كالنسر يطير نحو السماء” (أم 23 : 4 – 5)، فكثرة المال قد تزيغ قلب الإنسان عن الله كالبذرة المزروعة بين الشوك، فـ”همّ هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر” (مت 13 : 22).

ان بولس الرسول يحذّر تيموثاوس، في رسالته الأولى، الأصحاح السادس، من الطمع ومن هؤلاء الذين يعتقدون أن التقوى تجارة، فيوصيه قائلا: “تجنّب مثل هؤلاء، وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة، لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء، فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما، وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرّة تغرّق الناس في العطب والهلاك” (5 – 9)، ثم يرشده كيف يجب أن يسلك بالقول: “وأما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا واتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة، جاهد جهاد الإيمان الحسن وامسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت أيضا واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين، أوصيك … أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح” (ع 11 – 14)، ثم يطلب بولس من تيموثاوس أن يوصي الأغنياء ألا يستكبروا بل أن يلقوا رجاءهم على الله الحي وليس المال، فالله هو الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع وليس المال، كذلك “أن يصنعوا صلاحا وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة وأن يكونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع، مدّخرين لأنفسهم أساسا حسنا للمستقبل لكي يمسكوا بالحياة الأبدية” (ع 17 – 19).