أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


هل استدعت «المملكة» الحريري؟

فَتحَت أبواب القصر الملكي مصاريعها لرئيس حكومة لبنان بعد أن أُوصِدت في وجهه مرات عدة منذ إطلاق سراحه بضغطٍ دولي في تشرين الثاني الماضي. دعوة، فموعد، فلِقاء.. مع الملك السعودي وسط استقبالٍ رسمي ومراسم ملكية ترحيباً بـ»الابن الضال» العائد الى «بيت الطاعة».

لكنّ السياق الذي تمّت فيه دعوة الرئيس سعد الحريري والسرعة في تلبيتها وتحديد الموعد وإقلاع الطائرة تُثير علامات استفهام عدّة: هل هي زيارة رسمية عادية لرئيس حكومة إلى دولة أخرى تفترض تنسيقاً مسبقاً وتحضيراً لملفات اقتصادية وأمنية وسياسية يجري نقاشها بين البلدين، أم جاءت كاستدعاء على عجل مع تمويه هذا الاستدعاء بحفاوة استقبال لعدم إثارة حفيظة الرأي العام والدول الغربية؟

وعلى ماذا يُدلِل إلغاء رئيس الحكومة مواعيده في السراي الحكومي ومشاركته في اجتماعات اللجنة الوزارية لدرس الموازنة وجلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم، وتأجيل الاحتفال المقرّر لإعلان ترشيحات وتحالفات تيار المستقبل واستبق مستشار الديوان الملكي نزار العلولا الى الرياض؟

ولماذا عَدَل وزير الداخلية نهاد المشنوق عن مرافقة الحريري في الزيارة؟ وهل ثمّة مَن أوحى من خصوم المشنوق الى السلطات السعودية باستثنائه من الزيارة عقاباً على انتقاده الشهير للمملكة أثناء أزمة احتجاز الحريري، حيث قال تعليقاً على طلب الرياض مبايعة بهاء الحريري: «الأمور في لبنان تحصل بالانتخابات وليس بالمبايعات»، أم أن المشنوق شعَر بخطرِ على حياته دفعه الى تغيير رأيه والبقاء في لبنان؟

ولماذا استثنى الوفد السعودي خلال زيارته لبنان رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ووزير الخارجية جبران باسيل من جدول الزيارات؟

ولماذا اقتصرت زيارته رئيس الجمهورية عشر دقائق فيما استمرت زيارته معراب حتى منتصف الليل؟ ولماذا لم يتمّ توجيه دعوة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري لزيارة السعودية؟

فهل ينسف كل ذلك نظرية التغيير السعودي تجاه لبنان الذي اقتصر على الشكليات والبروتوكول دون مضمون النهج السياسي؟

أم أن السؤال الذي يدور في الكواليس والصالونات السياسية، هو: هل سيعود رئيس المستقبل باستراتيجية جديدة تعدّل خريطة الطريق الانتخابية وبالتالي وجهته السياسية في الداخل؟ أم أن الأوان قد فات لتعديل نتائج الانتخابات النيابية التي ستأتي لصالح فريق المقاومة وفق استطلاعات الرأي والأبحاث التي أجرتها مراكز الدراسات؟ وماذا تريد السعودية من لبنان؟ لا سيما وأن عودة العلولا الى لبنان مجدداً بحسب معلومات «البناء» لاستكمال لقاءاته يفضح حجم الدور والتأثير السعودي في الاستحقاق الانتخابي…

ما يُخفيه الحريري وتجهله دوائر التيار الأزرق التي أصابها الضياع والإرباك في الاجابة عن أسباب زيارة رئيس المستقبل ونتائجها، كشفه مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في العاصمة السعودية الرياض اللواء أنور عشقي ، المقرّب من دائرة القرار في النظام السعودي، وهو ضابط استخبارات متقاعد وكان مستشاراً خاصاً للأمير بندر بن سلطان، حيث أكد أنّ «ملف الانتخابات البرلمانية اللبنانية واستقرار لبنان، على رأس الملفات الّتي ناقشها رئيس الوزراء سعد الحريري مع ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز »، مشيراً إلى «حرص السعودية على أن لا يكون لحزب الله النصيب الأكبر في الانتخابات النيابية». فهل ستقود السعودية بتنسيق مع الولايات المتحدة معركة انتخابية وسياسية جديدة ضد حزب الله من لبنان لمنعه من حصد الأغلبية النيابية؟ وهل سيقف القضاء والدولة اللبنانية وهيئة الإشراف على الانتخابات مكتوفي الأيدي أمام التدخل السعودي الفاضح إعلامياً وسياسياً ومالياً في الانتخابات النيابية؟

غير أن وزير الثقافة غطاس خوري ، نفى أي نية للسعودية التدخّل في الانتخابات، بل هدفها «إعادة لبنان إلى الحضن العربي، وأن يكون دولة فاعلة بمحيطه وغير متآمرة على الأشقاء، وعدم انزلاقه إلى المحور الإيراني»، مشيراً إلى «أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري في وضع أفضل ممّا كان عليه سابقاً، وذلك بسبب تقيّدنا بعدم الانزلاق إلى أي محور يحارب في سورية ». موضحاً في حديث تلفزيوني «أنّنا لسنا معارضين للاتفاق مع القوات اللبنانية في الانتخابات النيابية المقبلة، بل نقوم بكلّ شيء ممكن للوصول لقواسم مشتركة».

مصادر مطلعة في 8 آذار أشارت لـ»البناء» الى أن «السعودية ستمارس أكبر قدر ممكن من الضغط على الحريري لانتهاج سياسة عدائية تجاه حزب الله في الانتخابات المقبلة، لأنها لم تعد تكتفي بسياسة مقاطعة الحزب في الانتخابات واستمرار الشراكة معه في الحكومة. وفي هذا السياق يأتي استدعاء الحريري لإبلاغه رغبة المملكة باستجماع فريقها السياسي اللبناني تحت لواء مواجهة المقاومة وإعادة إدخال الحريري في الحظيرة السعودية بالترهيب أو بالترغيب».

لكن تيار المستقبل، بحسب المصادر، لم يعد يملك أوراقاً يستطيع من خلالها تلبية الرغبات والمطالب السعودية لأسباب عدة أهمها القوة التي راكمتها المقاومة في الداخل من خلال المعادلة السياسية القائمة وعلى المستوى الإقليمي وأسباب تتعلق بطبيعة قانون الانتخاب نفسه، لجهة قلة عدد الدوائر المشتركة بين الحزب والتيار الأزرق ما يجعل المحاولات السعودية غير مجدية وغير واقعية.

ورجحت المصادر «ارتفاع وتيرة الخطاب السياسي والانتخابي لـ»المستقبل» ضد حزب الله، لكن هذا الخطاب استنفد كل أغراضه في ظل واقع إقليمي جديد فرضه محور المقاومة على حساب المحور الآخر، لذلك جُل ما تستطيع المملكة تحقيقه هو الحد من خسائر فريقها السياسي في ظل عجزها عن منع الخسارة، أما الترجمة العملية في الانتخابات فهي تفاهم انتخابي بين المستقبل وحزب القوات وبعض قوى 14 آذار على بعض الدوائر من دون التفريط بتحالفات المستقبل مع التيار الوطني الحر. وهذه المعادلة يفضّلها الحريري ويحاول إقناع السعودية السير بها».

ولفتت المصادر الى أن «حزب الله يتحرك وفق أجندة ثابتة في الداخل وغير قلق من أبعاد زيارة الحريري، ويدرك أن جولة المسؤولين الأميركيين وتالياً السعوديين هدفها حصار الحزب في بيئته الداخلية وعلى المستوى الوطني، لكن كل ما يستطيعون فعله فعلوه»، مشددة على أن «أمل وحزب الله وأحزاب المقاومة واثقة جميعها من قواعدها الشعبية وقناعتها بمشروع المقاومة السياسي، وبالتالي لا خوف من اختراق لوائحها مهما بلغ التدخل السياسي والمال الانتخابي».

-البناء-