الجبل الذي يسكن بعبدا مقاوم ويعرف ما معنى فقدان السيادة وخسارة الاستقلال ولذلك يتمسك بالمقاومة-نسيم بو سمرا
***
“حزب الله مقاومة وليس ارهاباً، وسلاح هذه المقاومة ضروري لخلق توازن قوة مع اسرائيل وهو حاجة للبنان وباقٍ حتى تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم”…هو الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام وزير الخارجية الاميركية ريكس تيليرسون في لقائه معه في قصر بعبدا، عندما قال له الأخير “ان اميركا تعتبر حزب الله ارهابيا وتريد نزع سلاحه”.
*موقف لبنان الرسمي
موقف الرئيس عون هو اوضح موقف دبلوماسي في تاريخ لبنان تجاه قضية مركزية تختص بالعدو الاسرائيلي ويجمع عليها اليوم اللبنانيون بمختلف شرائحهم واحزابهم، وهو موقف يأخذ بعده ويفرض نفسه بقوة على سياسات الدول، كونه صادر عن رأس الدولة اللبنانية اي انه موقف لبنان الرسمي. وزير الخارجية الأميركية فاتح أيضاً الرئيس عون بالحديث عن المؤتمرات الداعمة للبنان، وقال له “أنتم مقبلون على مؤتمرات دولية لدعم بلدكم في مجالات متعددة، والولايات المتحدة الأميركية ستشارك في هذه المؤتمرات، ونبلغكم رغبتنا في إنجاحها جميعها، ومن مصلحة لبنان ألّا يكون هناك ملاحظات جوهرية وجدية لدى الدول المشاركة حول واقع حزب الله، لأن وجود السلاح خارج الدولة قد يكون سبباً لتحفظات تخفض من اندفاعة هذه الدول ورغبتها في المساعدة”، وختم تيليرسون بالاشارة الى” اننا نريد دعم لبنان سياسياً ومادياً ومعنوياً، لأنه بلد ديمقراطي، ولكننا نريده خالياً من أي نفوذ خارجي”.
*تجربة أميركا مع لبنان حلوها مر
إذا هي سياسة العصا والجزرة التي اعتاد الأميركي على استخدامها مع دول العالم الثالث، وإذ نعترف اننا من هذه الدول، إلا ان لأميركا تجربة طويلة مع لبنان، حلوها مر، وهي جربت في السابق العماد ميشال عون حين كان رئيسا للحكومة وقائدا للجيش في اعوام 88 حتى ال 90 وتعرف جيدا ان هذا القائد العسكري والسياسي لا يساوم على الحقوق الوطنية ولا يتنازل عن حق لبنان في الاستفادة من موارده الطبيعية وعلى رأسها النفط والغاز وهنا جوهر الموضوع، وما الزيارات العديدة التي قام بها المسؤولون الاميركيون في الفترة الاخيرة، سوى محاولة منهم لتمكين إسرائيل من وضع اليد على الثروة اللبنانية، في حين ان لبنان في العهد القوي يقوم بكافة الاجراءات في سبيل حماية حقوقه.
إن الاميركي كما بات معروفا، انتهازي لا يمكن الوثوق به ولا التعويل على موقفه، ومثال على ذلك ان بعدما اعتبر تيليرسون من الاردن ان حزب الله هو جزء من العملية السياسية، عاد من لبنان وبالتحديد من السرايا الحكومي بعد اجتماعه مع رئيس الحكومة سعد الحريري الى سمفونية اعتبار “المقاومة منظمة إرهابية لا فرق اميركياً بين ذراعِه العسكري والسياسي”، وقد لفت خلال زيارة تيليرسون الى انه لم يدل بأي تصريح للصحافيين بعد لقائه الرئيس عون في بعبدا كما في عين التينة بعد اجتماعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، في حين “أخذ راحته” من السرايا الحكومي وشن هجوما على حزب الله.
*ماذا في بروتوكول استقبال تيليرسون؟
هذا في مضمون الزيارة، والحديث الذي دار بين الرئيس عون والوزير تيليرسون، أما في الشكل، فقد رأى البعض ان ثمة رسائل بروتوكولية وجهها رئيس الجمهورية الى ضيفه الاميركي ليصدر بيان توضيحي من قصر بعبدا بأن ما حصل مع وزير الخارجية الاميركية ريكس تيليرسون هو ضمن الاصول المتعارف عليها، وللاضاءة أكثر على هذا الجانب من لقاء بعبدا حيث انتظر تيليرسون وحيدا في القاعة بسبب وصوله قبل عشر دقائق من الموعد المحدد، نشير الى ان البروتوكول هو ما ينظم علاقة الدول الرسمية ببعضها البعض، فالبروتوكول هو القاعدة التي توجّه الكيفية التي يجب أن يؤدى بها تصرّف أو نشاط ما. خاصّة في مجال الدبلوماسية. ففي المجالات الدبلوماسية ومجالات الخدمات الحكومية، فإن البروتوكول هو عبارة عن مجموعة من القواعد أو التوجيهات والتي تكون في أغلب الأحيان شفهية أو غير مكتوبة. وتحدد هذه البروتوكولات السلوك السليم أو المتعارف على قبوله فيما يتعلق بأصول الدبلوماسية وشؤون الدولة. ومثال ذلك اظهار الاحترام المناسب لرئيس الدولة، ومراعاة الترتيب الزمني (حسب الأقدمية أو العمر) للدبلوماسيين عند تنظيمهم في مجلس أو اجتماع ما.
*التهديد لم يعد من اسرائيل تجاه لبنان بل بات متبادلاً
بالمحصلة، هو توازن رعب فرضته المقاومة، ويستفيد منه لبنان الى أقصى الحدود، لأن (الجبل) الذي يسكن بعبدا مقاوم، ويعرف ما معنى فقدان السيادة وخسارة الاستقلال، وهو يتمسك بأوراق قوة لبنان، لأنه صاحب شعار “لبنان القوي“، وعلى رأسها سلاح حزب الله، في حين ان السيد حسن نصرالله كان أكثر من واضح خلال ذكرى الشهداء القادة، في أن زمن التهديد الاسرائيلي للبنان ولّى ليحل معه التهديد المتبادل، ” بتمنعونا منمنعكم وبتضربونا منضربكم ونملك القوة والعدو يعلم ذلك جيدا” ليضيف انه في معركة النفط والغاز، “القوة الوحيدة التي يمتلكها اللبنانيون هي المقاومة لأن السلاح ممنوع على الجيش اللبناني”، واضعا المقاومة بتصرف مجلس الدفاع الاعلى لشل عمل محطات اسرائيل النفطية في البحر.
وبناء عليه وكما أعلن الرئيس عون امام الاميركي أمس، ان سلاح حزب الله باقٍ، طالما استمرت الحاجة اليه لردع العدو الاسرائيلي عن الاعتداء على لبنان ولحين حل مشكلة الاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، وهذه المعادلة حمت لبنان ومنعت وقوع حرب بعد تموز 2006، فالعدو الاسرائيلي لا يحتمل حرباً، والهجرة في الكيان الاسرائيلي باتت معاكسة من فلسطين المحتلة الى العالم، كما ان هذا العدو مدرك جيدا امكانات المقاومة التي انتقلت من استراتيجية الدفاع الى الهجوم، وهي معادلة جديدة، منذ نشأة الكيان الاسرائيلي في فلسطين المحتلة، ولكن لا الجدار ولا الجدران تحمي العدو من الشعوب المحيطة به، فكيف إذا كان هذا الشعب هو الشعب اللبناني المقاوم بجيشه ودولته؟؟؟
-صحافي وباحث