كمال ذبيان-
طرحت ازمة مرسوم الاقدمية لضباط دورة 1994، السؤال، حول مصير النظام السياسي، مولّد الازمات، الذي لم يتخلص من الطائفية التي كانت حالة مؤقتة، كما جاء في المادة 95 من الدستور؟
والسؤال الذي طرح ايضاً، هل سقط اتفاق الطائف، او انتهت مدته، وهو الذي انهى الحرب الاهلية، وارسى وثيقة للوفاق الوطني، رسمت خارطة طريق، ووضعت آليات لاصلاح النظام السياسي وعلته الطائفية؟
وهل باتت وزارة المالية من حصة الشيعة، لتضمن التوقيع الثالث، مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص؟
هذه اسئلة تلقى الجواب عليها، عند من سمي بـ«ابي الطائف» ومهندس التسوية التي اوصلت الى انهاء حرب اهلية دامت نحو 15 سنة، حيث يؤكد الرئيس حسين الحسيني الذي لم يعط فرصة لتطبيق اتفاق الطائف، بأن هذا الاتفاق لا بديل عنه في الوقت الحاضر، اذ يكشف لـ«الديار»، بانه عقد في العام 2014 لقاء ضم نحو 54 شخصية وطنية وسياسية وروحية، بدعوة من مركز المبادرة الوطنية، وجرى التداول والنقاش على مدى ثلاثة ايام في موضوع اتفاق الطائف، ولماذا لم يطبق، وهل من ثغرات فيه، واذا ما زال صالحاً للعمل به، فكان الجواب بعد نقاش علمي وموضوعي، ان لا بديل عن اتفاق الطائف، يقول الحسيني الذي ليس هو من عبدة الاوثان، وان الطائف لا يمس على انه مقدس، فهو من صنع البشر، ويمكن ان يعدل او يبدل، لكن في الخلاصة ليس من بديل متوفر لاخراج لبنان من النظام الطائفي الى نظام ودولة مدنية، رسم الطائف خارطة الطريق للوصول اليها، لكن لم ندخلها بعد.
فالطائف، وبعد اكثر من ربع قرن على صدوره، لم يوضع موضع التنفيذ بعد، سوى في بعض بنوده، وجرى الانقلاب عليه في العام 1992، من قبل الراعي السوري المكلف تطبيقه، فقام نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، بتسليمه لجماعة الاتفاق الثلاثي اصحاب السلاح او امراء الحرب وقادة الميليشيات وهم: نبيه بري ووليد جنبلاط وايلي حبيقه، مع اصحاب المال رفيق الحريري وميشال المر، فبتنا امام «حلف خماسي» هو استنسب بتطبيق اتفاق الطائف، الذي يرى الحسيني، انه ما زال محصناً عربياً ودولياً ومن الفاتيكان الذي كان شريكاً فيه، ودفع بالبطريرك نصرالله صفير للموافقة عليه والسير به، اضافة الى القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف 2006، وورد فيه عبارة «وجوب تطبيق كامل بنود الطائف».
فلبنان يستمد شرعيته من دستور وليس من شرعية ثورية اتت بانقلاب عسكري، او ثورة، وهذا ما يعطي لبنان الشرعية الدولية، والتي اكتسب الطائف قوته منها، ويُعتبر خطاً احمر يقول الحسيني، ولا يمكن تجاوزه، او اعتباره منتهي الفاعلية والصلاحية، اذ هو ما زال حاجة لبنانية وضرورة عربية ودولية.
اما في موضوع حصر وزارة المال بالطائفة الشيعية، لكسب توقيع وزيرها الشيعي على المراسيم والقوانين وماذا اذا كان جرى الاتفاق على ذلك في الطائف، وموجود في المحاضر، فان الرئيس الحسيني يعود بالذاكرة الى نحو اكثر من ثلاثة عقود الى الوراء، عندما عقد مؤتمرا جنيف ولوزان ما بين عامي 83 و84 في عهد الرئيس امين الجميل، والازمة الداخلية التي نشأت عن انتخابه بعد شقيقه بشير في اثناء الاحتلال الاسرائيلي للبنان، حيث يكشف رئيس مجلس النواب السابق، بان الرئيس نبيه بري، وكان رئيساً لحركة «امل»، طرح في مؤتمر جنيف الذي كان حاضراً فيه ممثل سوريا عبد الحليم خدام، ان يستحدث منصب نائب رئيس للجمهورية يسند الى شخصية شيعية، فكان الجواب ان هذا الاقتراح، لا يتناسب الا مع النظام الرئاسي وليس مع النظام البرلماني، وكان بري يتقصد ان يكون للشيعة توقيع في السلطة التنفيذية، ثم عرض بري في مؤتمر لوزان، ان يكون نائب رئيس الحكومة شيعياً مع صلاحيات فسقط الاقتراح، واصطدم بان هذا المنصب هو للطائفة الارثوذكسية، حيث انتقل النقاش الى الاتفاق الثلاثي في دمشق، وجرى طرح موضوع المثالثة في السلطة، الى ان انعقد مؤتمر الطائف، يقول الحسيني، وكان التركيز على الانتقال من النظام الطائفي الى النظام المدني، وتم التوافق على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، واقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وعدم طائفية الوظيفة الا في الفئة الاولى، على ان يراعى التوزيع الطائفي والحفاظ على المناقصة المسيحية – الاسلامية.
واسندت وزارة المال الى الطائفة الشيعية كمرحلة انتقالية حتى إلغاء الطائفية وبعد اتفاق الطائف اعطيت لشيعي في حكومات الرئيس سليم الحص فتسلمها الوزير علي خليل واستمرت معه في حكومة الرئيس عمر كرامي، وانتقلت الى الوزير اسعد دياب في حكومة الرئيس رشيد الصلح، الى ان تبدل الوضع مع اول حكومة للرئيس رفيق الحريري الذي تسلم وزارة المال، والى وزراء آخرين غير شيعة. حتى وصلت مؤخرا الى الوزير علي حسن خليل، حيث بدأ التجاذب حول توقيعه على مرسوم اقدمية ضباط 94، وهذا امر بديهي ان يوقع وزير المال على كل مرسوم يرتب مصاريف مالية من دون النظر الى طائفته يقول الرئيس الحسيني الذي يؤكد اننا نواجه ليس موضوع توقيع وزير المال، بل الانتخابات النيابية، التي ستحصل على النظام النسبي، وان من وافق على القانون من السلطة بنى توقعاته على ان الانتخابات لن تحصل، الا ان ضغوطا دولية فرضت عليهم الإلتزام بإجراء الانتخابات، ووقف مهزلة التمديد لمجلس النواب، وربطت تقديم المساعدات للبنان، باجراء الانتخابات يقول الرئيس الحسيني الذي يكشف ايضا ان المجتمع الدولي يطالب لبنان بسلطة قضائية مستقلة، قد تقدمنا مع عدد من النواب في العام 1997 باقتراح قانون لقيام قضاء مستقل، وكذلك فعل وزير العدل السابق جوزف شاوول عام 2000، لكن كل ذلك بقي في ادراج مجلس النواب.
فالازمة التي نشهدها، مرتبطة بالانتخابات، يقول الرئيس الحسيني، لان قوى السلطة امامها مصاعب في النظام النسبي، فتحاول ان تعوّض عنه في الخطاب الطائفي والمذهبي، وان القانون الذي تضمن الصوت التفضيلي، لإلغاء الصوت الوطني، والتصويت طائفيا، حيث يوجد اقتراح «اللقاء الارثوذكسي» لقانون الانتخاب في الصوت التفضيلي، وهو ما يعزز الكلام الطائفي الذي نسمعه يصدر من مراجع في السلطة.
وقانون الانتخاب الذي تم تشويه النسبية فيه، اعاد مع تقسيم بيروت الى شرقية وغربية مشهد الحرب الاهلية، دائرة اسلامية واخرى مسيحية، وهذا الامر حصل في صيدا، اذ نقلت حارتها الشيعية منها الى دائرة الزهراني وصور، وضموا جزين الى صيدا، يقول الحسيني، الذي يكشف ان من وافقوا على النسبية يعتريهم الخوف والقلق من ان تظهر في نتائج الانتخابات كتلة نيابية وطنية على مساحة كل لبنان وهي ستكون معنية بإقامة الدولة المدنية، وكل عضو فيها سواء كان مرشحا وفاز او سقط او لم يترشح، هو عضو في هذه الكتلة، التي هي اشبه بتيار سياسي.
ويدرس الرئيس الحسيني موضوع الانتخابات النيابية، وهو عازم على الترشح في هذه الدورة، وبدأ بإجراء الاتصالات واللقاءات مع فعاليات وعائلات وعشائر بعلبك – الهرمل، اضافة الى قوى سياسية فاعلة، وشخصيات تعمل في المجتمع المدني، لكن لم تتبلور بعد الترشيحات والتحالفات.