حقيقة مواقف لاكراد، الاتراك، العرب السوريون، والاطراف الدولية
حركة تنقلات سريعة في التحالفات شهدتها الساحة السورية في الايام القليلة الماضية. فلقد بدأ الامر مع تقدم موسكو من قوى حماية الشعب الكردي بطلب منهم للقبول بدخول الجيش السوري الى عفرين لمنع القوات التركية من اتخاذ وجود الكرد كذريعة لاحتلال المدينة. لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة صالح مسلم رفض الطلب الروسي معولا على الدعم الاميركي الذي يلقاه والذي تمثل مؤخرا باعلان البنتاغون عن عزمه تنظيم قوة من 30 الف قاتل بقيادة مسلم بذريعة حماية الحدود بين تركيا وسورية والعراق وسورية.
الا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان جادا بتهديداته وهو تلقى نوعا من غض نظر روسي وايراني عن عمليته تجلى بسحب الروس لمراقبيهم من مدينة عفرين. اما السبب الذي دفع بالطرف التركي الى القيام بعمليته هو خوفه من تشجيع الاميركيين لاكراد سورية على المطالبة بالانفصال تحت ذريعة الحكم الذاتي، ما قد يحفز اكراد تركيا على القيام بنفس الشيىء. هنا وجد الطرف التركي ان عليه السيطرة على عفرين لأن الطرف الكردي الذي يسيطر على منطقة شرق الفرات يمكن أن يتخذ المدينة كمنطلق باتجاه لواء اسكندرون حتى يكون له منفذ الى البحر المتوسط.
لكن ما الذي حدا بالروس والايرانيين الى غض النظر عن العملية التركية؟ الجواب بسيط وهو أن الروس يخشون من أن تؤدي حركة انفاصلية كردية الى اعادة اشعال المنطقة وتسهيل المخطط الاميركي بتقسيم منطقة الشرق الاوسط. أما بالنسبة للموقف الايراني فيتجلى في أن حكة انفصالية كردية في سورية يمكن ان تشجع اكراد ايران على حذو هذا الطريق وهم سبق وقاموا بتأسيس جمهورية مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية في شمال غرب ايران.
في المقابل ادانت الحكومة السورية العملية العسكرية التركية واعتبرتها عدوانا سافرا على الدولة السورية مطالبة الجيش التركي بوقف القصف الذي بدأه ضد المدينة. كما اعلنت الدولة السورية الموقف الذي كانت تردده دائما من أن الاكراد هم مكون اساسي من الشعب السوري. كذلك اعلنت الولايات المتحدة قلقها من الخطوة التركية وهو ما ايدتها فيه الدول الغربية مثل المانيا وفرنسا.
لكن بعد يومين على بدء العملية التركية باتجاه عفرين حتى بدأ خلط الاوراق مجددا. فبعد يومين من الاشتباكات اعلن الطرف الكردي عن موافقته على دخول الجيش السوري الى مدينة عفرين واعادتها الى كنف الدولة الشرعية. كذلك اعلن الطرف الكردي انه لم يطلق اي طلقة باتجاه الجيش التركي. في المقابل اعلن الرئيس التركي عن مقتل 8 جنود اتراك في مقابل تكبيد الطرف المعادي 300 قتيلا وأكد أن العملية ستنتقل بعد عفرين باتجاه منبج والحدود العراقية مشيرا الى عزم بلاده على اعادة نحو اربعة ملايين سوري يعيشون في تركيا الى المنطقة التي يتم السيطرة عليها من قبل الجيش التركي.
هنا بدأ التحول في الموقف الاميركي، اذ اعلن وزير الخارجية الاميركي ريكس تيليرسون عن تأييده لقيام تركيا باقامة منطقة عازلة على طول الحدود السورية التركية بعمق 30 كيلومترا داخل الاراضي السورية. في المقابل اعربت روسيا واران عن قلقهما من تطور العملية التركية. هذه التحولات في المواقف تعود الى حقيقة انه مهما فعلت تركيا فانها لا يمكن ان تخرج من الحضن الاميركي. اما بالنسبة لواشنطن فهي اتبعت سياستها التقليدية بالرهان على الحصان الرابح، طالما اللاعبين التركي والكردي يلعبان من ضمن الصحن الاميركي. فهي عندما وجدت ان الطرف الكردي يخسر والطرف التركي يربح نقلت رهانها على هذا الاخير الى حد التفكير بتسليمه حتى منطقة شرق الفرات. أما بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني فهو وجد نفسه امام نفس النتيجة التي سبقته اليها جميع الاطراف الكردية التي راهنت على الولايات المتحدة ومن قبلها بريطانيا. لقد خرج خاسرا من رهانه على الولايات المتحدة ولم يجد ملجأ لنفسه الا حضن الدولة السورية التي خاصمها في السنوات السبع الماضية.
-وكالات-