أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


عون المشرقي يُكمِل ميثاقية شيحا (نسيم بو سمرا)

– لبنان الرسالة نقيض إسرائيل… (اليوم الثالث)

***

أسماها التيار الوطني الحر معركة الميثاقية وخاضها على هذا الأساس قبل وصول العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة، وهي معركة العهد المستمرة حتى إرساء التوازن وتحقيق التشاركية في الحكم. والميثاقية كانت من صلب شعارات معركة الرئاسة، لدى الرئيس عون والذي أثبت اليوم بعد عام ونيف من وصوله الى قصر بعبدا ان هذه الميثاقية هي نهج فكري ومشروع سياسي للعهد، ولم تكن توجهاً انتهازياً حباً بالسلطة او طمعاً بالنفوذ بل من أجل تطبيق مبادئ نؤمن بها لبناء لبنان الغد، وإن كان مشروعا لكل حزب ان يسعى الى الوصول الى السلطة لتطبيق أفكاره وتوجهاته.

معركة الميثاقية

غير أن أصحاب القضية والمناضلين المقاومين، لا يصنفون من ضمن الأحزاب التقليدية، فأهدافهم ليست آنية ولا إنتهازية وتنطلق من حسهم الثوري وسعيهم الدائم الى التغيير والاصلاح، بل تملك هذه الفئة مشروعاً وطنيا إذا نجح، يغير وجه الوطن وأحيانا وجه العالم، كما هي حال العماد ميشال عون وتياره، فمعركة الميثاقية التي نخوضها اليوم هي وجودية للبنان. ونحن بدأناها منذ دخولنا الى السلطة في العام 2008، غير أنها لم تأتِ من فراغ بل جاءت بعد مسار طويل بدأ في العام 1990 بعد الطائف من تهميش للمسيحيين في السلطة والادارة ووضع اليد على حقوقهم، ما أدى الى ضرب أسس لبنان القائم على التوازن والتشاركية،.

هذه الفلسفة أرساها المفكر ميشال شيحا أب الميثاقية، على فكرة “اللّبنانيّة” التي كانت تقول إنَّ فلسفة الطائفية في لبنان هي “ضمان تمثيل سياسي وإجتماعي عادل لأقليات طائفية مشاركة، والتوازن اللبناني القائم على قاعدة طائفية ليس توازناً اعتباطياً فهو مبدأ وجود لبنان”، وأكمل شيحا ورفاقه هذه الفلسفة بنظرية “لبنان ليبرالي يأوي جميع الأقليّات، وتتشارك السّلطة فيه الطّوائف والمجموعات المختلفة، وتتفاعل على أرضه المسيحيّة مع الإسلام والغرب مع الشّرق بشكل سلميّ وإيجابيّ”، فميشال شيحا الذي يجهله معظم اللبنانيين وبخاصة السياسيين لسوء الحظ، هو الصّحِافي المفكِّر والشَّاعر، ولفهم فكره في الميثاقية ومدى أهميتها لبقاء لبنان واستمراره، يجب الإطلاع أكثر على منظومة شيحا الفكرية، غير ان ما يهمنا اليوم هو مبدأ الميثاقية الذي يقوم على منهجيّة متكاملة للفكرة اللّبنانيّة، وهي الفكرة التي ذهب عدد من المفكّرين المعاصرين إلى إعطائها بعداً فلسفياً تأسيسيّاً للبنان.

لبنان الرسالة

لم يكن الوجه المميّز لمنظومة ميشال شيحا الفكريّة في ما نشره من أطروحات في حقول الوطنيّة والقوميّة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماع والعلاقات الدّوليّة والدّين والأخلاق فحسب، وإنّما في ابتكار الصّفة الرّساليّة التي منحها للبنان وجاء ليؤكدهابعد عشرات السنين البابا يوحنا بولس الثاني، حين زار لبنان في العام  1997، واصفا لبنان ب “لبنان الرسالة”. فشيحا رسَم سِمات الشخصيّة اللبنانية الفريدة وخصوصيّتها، مؤكدا ان “لبنان بلدٌ صغير في الجغرافيا والديمغرافيا ولا يمكنه أن يعوّضِ عن ذلك إلا بالنوعية والوحدة” وهو القائل ان “البلدان الصغرى تعرف من نوعية الرجال الكبار”. وقد خطَّ شيحا بيده الكثير من مواد الدستور والتعديلات، وشدد على ضرورة قراءة دستور الوطن وفهم روحه لا نصه وحسب، اما جوهر فكره فقائم على فلسفة صيغة لبنانية قائمة على تجمع الأقليات وتشركتها في نموذج غير موجود في أي بلد آخر، وقد أعطاها مضمونًا فلسفيًاّ وقانونيًاّ سُمّيت فيما بعد بالميثاق الوطني او الصيغة اللبنانية التي تضمن خصوصية كل طائفة في الوطن الموحد، والتوفيق بين المصالح من دون التضحية بالجوهري.

شيحا والخطر الإسرائيلي

غير أن لحماية هذه المنظومة الفكرية، أدرك ميشال شيحا خطورة إسرائيل على النموذج اللبناني، والذي يناقض فلسفة وجودها القائمة على الأحادية الدينية العنصرية، والتي كان سبقه في التحذير منها والدعوة الى التصدي لها، كثيرون من العظماء أمثال أنطون سعاده وغيره من الرجالات الرؤيوية في تلك المرحلة من التاريخ الاستقلالي للبنان، وكانت إسرائيل ما تزال في أولى مراحل نشأتها، فأفرد لها مقالات ومؤلفات كثيرة، لفت فيها الى أن “اسرائيل جعلت من التوطين والإعمار الحثيث في فلسطين محورًا لسياسة احتلال وانبساط، وكلما زاد سكانها زاد ثقلها على الحدود، وبالتالي على لبنان” محذرا من الإعتقاد السائد آنذاك بين المثقفين، “إنه مع الأجيال التالية ستبدأ مرحلة الانحلال في الكيان الإسرائيلي”، معتبرا ان رأيهم سقيم، إذ أن “في استطاعة الشتات الصهيوني أن يرفد إسرائيل بروافد جديدة”، بحسب قوله، “وبتشجيع الهجرة إليها بحوافز مالية مغرية وبناء المستوطنات وتأمين فرص عمل للوافدين، وحمايتهم بقوة السلاح،  بينما لبنان، في حالته الراهنة، يشق عليه أن يرسّخ أبناءَه في أرضه، وصارت الهجرة مدعاة قلق، بينما التهجير العربي من إسرائيل بالاستيلاء على أرضهم وأرزاقهم يصب غالبًا في مجيئهم الى لبنان” كنازحين.

عون والبعد المشرقي

في المحصلة، تكمن أهمية فكر ميشال عون أنه ينطلق من فلسفة تعود جذورها الى المفكر ميشال شيحا ويضيف إليها الرئيس عون بعداً عمليا، من خلال تجربته التي يسخرها لحل معضلات عمرها مئات السنين ربما. وهو الى جانب إيمانه الراسخ بعداء إسرائيل وخطرها الوجودي على لبنان والتي أطلقها المفكر شيحا باكرا، يعطي الرئيس عون البعد المشرقي لهذا الفكر، ما يوسع شبكة الأمان للبنان ويحصن تجربته التي يمكن البناء عليها لتطوير النظام، والفلسفة المشرقية هذه تتخطى حدود لبنان وإن كان لبنان بالنسبة للعماد ميشال عون هو القلب والروح، في مشروع يستند الى التاريخ الذي كان فيه المسيحيون المشرقيون موجودون في هذا النطاق الجغرافي، منذ أكثر من ألفي سنة ولغاية اليوم من دون انقطاع وعلى امتداد المشرق كله.

أما تاريخ العماد عون العسكري والسياسي فمعروف، لجهة ما راكمه من تجارب عسكرية وسياسية كانت قاسية بمعظمها ولكنها ترسخت في الوجدان اللبناني الذي يشكل المحرك الأساس لاستمرار حالة سميت على إسمه لارتباطها الوثيق بشخصه لا فقط بفكره، وهذا ما يميزه عن غيره من العظماء.

وتعرف هذه الحالة بالعونية او شعب عون أو جيل عون، ما يؤكد فرادة ميشال عون، فيجعله حامياً وحارساً للميثاق ويرفده بالقدرة على على تثمير مخزونه الفكري في إطار إحداث تحول او نقلة تاريخية في مصير لبنان وديمومته، ليحقق استقلاله الثالث في الجمهورية الثالثة.

حوار الحضارات

بالمحصلة ونقولها مفعمين بالثقة والعنفوان، بأن عودة الجنرال الى بيت الشعب رئيسا للجمهورية بعد 26 عاماً من إخراجه منه بالقوة، استعاد من خلالها الشعب وطنه والوطن دولته. كما سيدفع وصوله على رأس الدولة الى تحفيز الحوار بين الحضارات وتفعيله في المشرق وهو توجه ثابت للرئيس العماد ميشال عون ترجمه بالطلب من الأمم المتحدة  “ليكون لبنان مركزاً لحوار الأديان والحضارات بهدف تطوير ثقافة السلام، لأنّ لبنان هو المكان الطبيعي لمثل هذا المركز”.

صحافي وناشط سياسي

لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)