المشكلة أنّ الأرضية العونية تبدو وكأنها معلقة في الهواء، تتعامل مع المجهول، ما يحول دون تقليع ماكينتها الانتخابية بشكل فعال(في كسروان) وحده اسم شامل روكز ثابت على اللائحة…أنطوان عطا الله هو “الناجي” الوحيد من آلية التصفيات الداخلية بصفة “مرشح محتمل”، ما يعني أنّ انضمامه الى نادي الترشيحات النهائية لا يزال قيد الدرس، روجيه عازار لم يدخل أصلاً السباق الحزبي وإذا ما قفز الى الواجهة فسيكون بـ”فتوى فوق العادة”.
******
كلير شكر- جريدة الاتحاد
لطالما كانت لكسروان خصوصيتها في التصويت النيابي. النكهة السياسية تستحضر في أي لحظة. فعلها ميشال عون في الاستحقاقين الأخيرين، والرهان اليوم من جانب فريقه على استعادة المشهد في الفرز العمودي. طبعاً، ستكون من مصلحة الفريق البرتقالي، أو بالأحرى العميد المتقاعد شامل روكز في صبغ المعركة الانتخابية بكثير من الصباغ السياسي. كلما كبُر حجر الاصطفاف كلما نجح في اخراج الكسروانيين من زواريب العائلية والمحلية والحسابات الضيقة. في المقابل، سيكون على خصومه اعادة الدائرة الى لعبتها الداخلية: خصوصية المنطقة وخصوصية ناسها، والأضرار الناجمة عن تزّعم “الغريب” على الخدمات والمشاريع المحلية… ومع ضمّ قضاء جبيل الى الدائرة لتصير بثمانية نواب، فقد صارت لأصحاب الخطاب السياسي فرصة جديدة لفرض حضورهم. هكذا يفاخر الحزبيون بأنّ تلازم القضاءيْن في المسار الانتخابي يعطي الماكينات الحزبية هامشاً أكبر على غيرها، بكونها عابرة للمناطق وبمقدورها تركيب اذن الجرة بسهولة، على عكس المرشحين المستقلين الذين يبحثون بالسراج والفتيلة عن ركاب لوائح، يعطونهم من دون أن يأخذوا من دربهم “المونة التفضيلية”.
ولكن حين تهبط أسهم القوى الحزبية على اختلاف سياساتها في “البورصة الجماهيرية”، فهذا يعني عودة الشخصيات المستقلة أو بالأحرى غير المقولبة في قوالب الأحزاب، الى الطاولة، لتفرض شراكتها بقوة أصواتها. بهذا المعنى، يتعامل بعض الكسروانيين مع الاستحقاق المقبل على أساس أنّ أسوار جونية ستتصدى للتسونامي البرتقالي. وما سمح به النظام الأكثري سيمنعه النظام النسبي. الفرص صارت متاحة أمام المكونات الكسروانية للتمثّل بدقّة في البرلمان، وحسابات البيدر هنا لا تقلّ أهمية عن حسابات الحقل. التحدي الأبرز هو في كيفية تركيب اللوائح لبلوغ العتبة الانتخابية، حيث يقدر عدد الناخبين وفق لوائح شطب العام 2009، بنحو 93 ألف ناخب في كسروان ونحو 81 ألف في جبيل، ويقدر الحاصل الانتخابي بنحو 15 ألف صوت أو حتى أكثر. وهو ليس برقم بسيط في رقعة الصراعات، خصوصاً إذا ما رفعت النسبية حماوة المعركة وبالتالي نسبة المشاركة اقتراعاً، واستطراداً الحاصل الانتخابي. اذ سيكون من الصعوبة التقاء المستقلين في لائحة واحدة كما درجت العادة في النظام الأكثري، وعلى هؤلاء تأليف لوائح تكون بمثابة جسر عبور الى البرلمان يساعدهم على بلوغ العتبة، وتترك لهم أولوية تصدر اللائحة في الأصوات التفضيلية ليضمنوا الفوز. وبذلك يكون “التيار الطني الحر” هو الأكثر قدرة على التمدد في لائحته من دون صعوبة تذكر. التحدي هو في اختيار الأسماء، وتحديداً في معياري “الطلة” التي تترك انطباعاً جيداً لدى الناس أي القدرة على الاستقطاب، كما يقول أحد المعنيين من هذا الفريق، وفي القدرة على تكوين قيمة مضافة للائحة لنجاح الحسابات الانتخابية. اجحاف الصغير بحق الكبير!
ولكن لكسروان بشكل عام، حصتها من “الاجحاف” في القانون الجديد بمجرد “لصقها” بجبيل، ظراً لاختلال التوازن في عدد المقاعد، وربطاً بترتيب المرشحين النهائي وفقاً لنسب أصواتهم التفضيلية. وهي حالة حاضرة في كل الدوائر المركبة، غير المتوازنة في عدد المقاعد. بما معناه، أنه بعد الانتهاء من تعداد الأصوات التي نالتها كل لائحة لمعرفة عدد المقاعد التي ستكون من حصتها، ستكون المرحلة الثانية في تعداد الأصوات التفضيلية لكل مرشح، حيث يتم ترتيب أسماء المرشحين في قائمة واحدة من الاعلى الى الأدنى وفقاً لما ناله كل مرشح من النسبة المئوية للأصوات التفضيلية في دائرته الصغرى أو في دائرته التي لا تتألف من دوائر صغرى. وتحتسب النسبة المئوية من الأصوات التفضيلية لكل مرشح على أساس قسمة أصواته التفضيلية على مجموع الأصوات التفضيلية التي حازت عليها اللوائح المؤهلة في الدائرة الصغرى أو في الدائرة التي لا تتألف من دوائر صغرى. ولما يفترض أن عدد المرشحين في جبيل سيكون حكماً أقل من عدد المرشحين في كسروان، فإن للجبيليين الأفضلية على تبوء قائمة النسب المؤية على حساب الكسروانيين. وبالتالي إنّ اللائحة المفترض أنها الأقوى والمقصود بها لائحة “التيار الوطني الحر” سيكون أول الناجحين فيها، من جبيل، لا كسروان، الا إذا “حلّق” روكز بأصواته التفضيلية بشكل كبير. ولهذه المعادلة حساباتها الدقيقة في تركيب اللوائح، لا سيما من الجهة الكسروانية.
دور الأب الروحي حتى الآن، تتركز المشاورات على تشكيل اللوائح. يتولى روكز من جهته جوجلة الأسماء المطروحة أمامه، من حزبيين وأصدقاء ومن أسماء من خارج التداول يميل الى الاستثمار فيها، مع أنّ فرصها ضعيفة بسبب حضورها الخجول في الاستطلاعات. تبدو الصورة شبه واضحة في ذهنه وتحتاج الى لمسات أخيرة. ومن الواضح أيضاً أن التنسيق سيكون مع رئيس الجمهورية ميشال عون لكونه “الأب الروحي” للقضاء حتى لو رفض التدخل مباشرة بالأسماء، ولكن “بالوَمى” يمكن التقاط ما يريد، كما يقول أحد المعنيين. المشكلة أنّ الأرضية العونية تبدو وكأنها معلقة في الهواء، تتعامل مع “المجهول”، مي يحول دون تقليع ماكينتها الانتخابية بشكل فعال. وحده اسم شامل روكز ثابت على اللائحة. أنطوان عطا الله هو “الناجي” الوحيد من آلية التصفيات الداخلية بصفة “مرشح محتمل”، ما يعني أنّ انضمامه الى نادي الترشيحات النهائية لا يزال قيد الدرس. روجيه عازار لم يدخل أصلاً السباق الحزبي وإذا ما قفز الى الواجهة فسيكون بـ”فتوى فوق العادة”. على الضفاف المقابلة، يتشط المستقلون، وتحديداً فريد الخازن ومنصور البون لإقناع “فدائيين” بالجلوس مع كل منهما في لائحتيهما كي يعبرا العتبة الانتخابية. ومن الواضح أن الخازن يراهن عى تفاهمات صديقه سليمان فرنجية السياسية كي ينال bonus من الأصوات التفضيلية. فيما “أبو فؤاد” أعاد اصلاح ما أفسده الزمان مع فارس سعيد المرتاح على وضعه على الأرض، لكن موقعه بالسياسة هو الذي يثير علامات استفهام حول تحالفاته. يفتح البنون قنوات حواره على كل المحاور. العلاقة مع “القوات” صارت أفضل بعد الانتخابات البلدية بفعل فتح صفحة جديدة كما يؤكد مسؤول قواتي. لكل الجميع يترقّب “الحدفة” الأولى للبناء عليها. سلّة معراب “القوات” لا تزال عند انجازها الأول بضم زياد حواط، ولكن ما فعله الأخير يحاذر غيره من تكراره في كسروان. وتحديداً نعمة افرام الذي لا يزال متردداً في “الانتساب” الى “النادي القواتي”. خطوة الى الأمام وعشرة الى الخلف. الاتصالات لم تنقطع مع معراب ولكن لا اتفاق حتى الآن، وفق مسؤول قواتي. شوقي الدكاش انضم رسمياً الى قافلة الترشيحات القواتية، لتصير النواة من مرشحين اثنين. في بال القيادة القواتية أنّ امتدادها على طول البقعة المسيحية سيمنحها أوراق دعم يمكن استثمارها على “أرض الموارنة” من خلال نسج تحالفات سياسية مع أحزاب أخرى. أهم هذه السيناريوهات هو التفاهم مع الكتائب، والذي تحول دونه بقاء “القوات” في الحكومة فيما الصيفي في قلب المعارضة. ومع ذلك ثمة سيناريوهات بديلة تضعها معراب في حسبانها تطمح من خلالها الى اقتناص مقعدين بالحد الأدنى، كما يؤكد المسؤول القواتي. صحيح أنّ مرحلة ما بعد “فك أسر” سعد الحريري غير ما قبلها حيث صارت للسياسة الغلبة في ميزان التحالفات، غير أن دائرة النواب الثماني هي الأقل تأثراً بالمتغيرات لأنها “أهلية الموارنة بمحليتهم”. بالنتيجة، المشهد الكسرواني- الجبيلي يفتتح موسمه على أربعة لوائح، والحبل على الجرار.
“الاتحاد”