– رُعاة المعارضة لم يخسروا الرهان على الكسب بالسياسة ما خسروه في الميدان… (ليلى نقولا)
***
كما كان متوقّعاً، انتهت مفاوضات “جنيف 8” إلى فشل يُضاف إلى جولات من الفشل انتهت إليها مؤتمرات جنيف السابقة. وقد تكون الأسباب التي أدّت إلى فشل الجولات السابقة مُشابِهة لهذه الجولة وهي؛ عدم اقتناع الأطراف المتحاورة بانتهاء وظيفة الميدان، بالإضافة إلى أن رُعاة المعارضة من القوى الدولية لم يخسروا الرهان على قدرتهم على الكسب بالسياسة ما خسروه في الميدان، أي الإطاحة بالرئيس السوري بشّار الأسد، كما قيام الروس بفتح مسارات موازية لجنيف ، ما يعني أنهم لم يعودوا معنيين بإنجاح مسار جنيف طالما أثبتت المسارات الموازية قدرتها على تحقيق نجاحات لم تستطع جنيف أن تقدّمها.
وكان لافتاً الحديث الذي أدلى به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر قناة “فرانس 2” وتحدّث فيه عما أسماه “المبادرة الفرنسية” لدعم مسار الحل المدعوم من الأمم المتحدة، والتي تهدف إلى جمع الأطراف السورية مجدّداً ضمن طاولة حوار جديدة في مطلع العام المقبل، وقد يكون الأبرز في حديثه أن أولوية فرنسا هي “إنهاء داعش وليس بشّار الأسد”، الذي وصفه بأنه “عدو للشعب السوري”، وكشف عن رؤيته لمرحلة ما بعد داعش بالقول: “سيكون بشّار الأسد موجوداً… سيكون هناك لأنه محميّ من الذين فازوا بالحرب على الأرض، سواء إيران أو روسيا… لكن سيتعيّن عليه الرد على جرائمه أمام شعبه، وأمام العدالة الدولية”.
وانطلاقاً من العبارة الأخيرة لماكرون والتي تبدو نوعاً من التهديد بتحويل الرئيس السوري إلى العدالة الدولية، ما هي أفق المبادرة الفرنسية؟
لمناقشة أفق المبادرة الفرنسية؛ يجب أن نعود إلى الأسُس التي يمكن من خلالها محاكمة رؤساء الدول أمام المحاكم الدولية وذلك لارتكابهم جرائم دولية كبرى؛ كالإبادة أو جرائم الحرب أو الجرائم ضدّ الإنسانية أو الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني إلخ، ولهذه المحاكم أنواع ثلاثة: الخاصة، والمختلطة، والمحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي.
– بالنسبة للمحاكم الخاصة Ad hoc، والتي تُنشأ بقرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، فإن قدرة فرنسا على إنشائها مرتبطة بتجاوز الفيتو الروسي والصيني.
– بالنسبة للمحاكم المختلطة Hybrid، والتي تُنشأ باتفاقية بين الدولة المعنية والأمم المتحدة، فأمرها مستحيل لأن الحكومة السورية التي سيبقى على رأسها الرئيس السوري بشّار الأسد ( كما اعترف ماكرون) هي التي ستعقدها، إلا إذا كان ماكرون يراهن على مفاوضة الرئيس بشّار الأسد لتسليم السلطة للمعارضة وهذا توقّع ساذج في ظلّ الانتصارات التي يحقّقها الجيش السوري على الأرض، وبعد قدرة النظام على الصمود والانتصار.
– بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية ICC، فإن قدرتها على النظر في النزاع السوري، مرتبطة بأحد أمرين: أن تكون سوريا طرفاً في اتفاقية المحكمة (نظام روما الأساسي) وهي ليست كذلك الآن، ولا يمكن أن تنضم في ظلّ حُكم الرئيس السوري بشّار الأسد، أو بقرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وهذا صعب أيضاً بسبب الفيتو.
في النتيجة، إن كانت المبادرة الفرنسية كما طرحها ماكرون تبدو سلّة مُتكاملة، فهي وُلِدت ميتة، لأنها مُتناقِضة، لأسباب عدّة أهمها:
أولاً: إن تجارب العدالة الانتقالية في العالم، أثبتت أنه لا يمكن إقامة المحاكمات كجزء من الانتقال التفاوضي، وذلك لأن الأطراف المتفاوِضة، تشترط ضمانات بالحصانة القضائية. كما أن التجارب دلّت أن المُحاكمات لا تحصل إلا في حال انهيار النظام السابق وانتقال السلطة إلى نظام جديد يُقيم المُحاكمات للنظام السابق المنهار سواء عبر الحرب أو الانقلاب أو التظاهرات أو سواها. وهذا عكس ما هو حاصل في سوريا.
ثانياً: إن الأحلام التي تراود الفرنسيين بإقناع الروس بعدم استخدام الفيتو لاستصدار قرار في مجلس الأمن بتحويل قضية النزاع السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، يبدو نوعاً من الأوهام، لأن الروس ليسوا سذّجاً وأية محكمة دولية ستنشأ قد تمتد لتُحاكِم الضباط والقادة الروس على ما يسمّيه الغرب “ارتكاب الطيران الروسي مجازر في سوريا”، كما ليس من مصلحة دول “التحالف الدولي” أن يُفتح ملف الجرائم الدولية المُرتكبَة في سوريا أمام محكمة دولية، لأن الناشطين الحقوقيين كانوا قد وثّقوا العديد من المجازر التي ارتكبها التحالف خلال قصفه الرقة وغيرها.
ثالثاً: إن تاريخ المحاكم الدولية أثبت أنها محاكم المُنتصِر، أي أن المُنتَصرين في الحروب هم الذين يُقيمون المحاكمات للمهزومين، وهذا ما تدلّ عليه جميع المحاكم منذ نورمبرغ وامتداداً إلى يوغسلافيا ورواندا الخ… وهذا – بحسب موازين القوى الميدانية الحالية- يجعل النظام السوري يُقيم المحاكمات للمجموعات المسلّحة وليس العكس.
المصدر: الميادين
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)