أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


زيارة الى الضريح…بسمة وغصّة

هنا تظهر الحقائق جليّة…

***

من اجواء اقامتي الحالية في بلدتي الخلابة تنورين، فيما الدروس متوقفة والطلاب يستعدون للامتحان الفصلي. اصبحت اليوم وبي رغبة بزيارة ضريح شقيقي الشهيد ووالدتي. التقطت باقة من زهر المارغريت المقاومة للثلوج، وبعض الشموع وقصدت مدافن البلدة في هذا اليوم الشتائي المشمس من كانون. تدفعني مشاعر مختلطة وراء الزيارة. فهي ليست لمجرد الاشتياق او الواجب او طلب المشورة المعتاد. بل شعرت بانني اليوم اقوم بمواجهة مراجعة ضمير بيني وبين نفسي واحبائي الراحلين. اي انها جردة ضمير عفوية بكل ابعادها. لم اسأل نفسي لماذا رغبت بهذه الزيارة اليوم وما هي التراكمات او الايحائآت الدالة عليها، لكنها قد تكون اكثر المرات المتّقدة رغبة مني بهذا اللقاء.

بوصولي امام ضريح شقيقي، اضأت شمعة ووقفت ساكناً لا اعرف بماذا افكر او ماذا سأصلي. لكن شعرت ان هذا الشهيد الذي سقط برصاص الارهاب التكفيري، يستحق منّا خبراً مفرحاً عن دحر هذا الارهاب. ففكرت بان انهاء دولة “داعش” يصلح لهذا الغرض وابتسمت لباب القبر، لكن ما ترأى لي كصدى من الداخل، كان يقول انه لا يحتاج الانتقام من قاتليه، بل انه لا زال يخشى خطر الارهاب هذا على حياة ابنائه. وتذكرت الانباء الاخيرة عن عمليات هذا التنظيم المستمرة برغم سقوط دولته، وادركت ان هذا الخطر مستمر لان نشأته تسبق وتلي وجود الدولة. ذلك انه مرض اجتماعي عام. وزالت الابتسامة ليعود مكانها القلق.

انتقلت الى ضريح الوالدة وبيدي الزهور والشموع، وفي ذهني تساؤل فطري لطالما رافق ايامي معها، واستمر في زياراتي لها بعد رحيلها، وهو التساؤل عن نسبة رضاها عني، كأي طفل يستلهم من امه الطريق القويم. فابتسمت قليلا، ويبقى الكثير الكثير مما تتمناه لي، ولي ملئ الايام لاعمل عليه. فهي ستبقى معيار قياس نجاحاتي ولا اشعر حتى اليوم بانني مسؤول عنها امام احد سواها.

في سهوي يميناً، وعلى مقربة من قبر والدتي، لمحت عيناي ضريح صديقي ورفيقي المغوار يوسف دانيال حرب، الذي سقط في معركة 13 تشرين الاول 1990.لا اراديا رحت اقترب من باب القبر، وحين توقفت امامه باجلال واحترام شديدين، انتابني شعور كبير من الحزن والخيبة. لقد كان يوسف صديقي ورفيقي وقريبي، وقد اصبح باستشهاده في مواجهة المحتل رمزا وطنيا ساميا لي ولبلدتي ووطني. لم يكن بيدي من جديد جميل ازفه اليه، فاكتفيت باستذكار الانسحاب السوري منذ 12 سنة، اما باقي الوقت فكنت كمن يتهرب من الاجابة عن السؤال عما آلت اليه سيادتنا واستقلالنا منذ ذلك الانسحاب. اما اقتصاديا، فشعرت بالحرج من يوسف بعد كان همنا هذا الصيف تأمين عمل لشقيقه وسيم ليعيل عائلته التي تعاني من ضغط قلة العمل. لكن الناحية السياسية هي الاطرف في هذه الزيارة، واصابتني الحيرة مما اذا كان يجب علي ان اضحك او ان ابكي.

انتهت الزيارة وغادرت مدافن البلدة، وربما بتُّ افهم لماذا لا احب الابتعاد عنها كثيرا. فهنا تسقط كل الاكاذيب وتظهر الحقائق جليّة.

انه مكان لا مكان فيه لغير الضمير

نقلاً عن صفحة (Antoun Khoury Harb)