– مرونة رجل دولة.. وثبات لتحقيق أهداف التيار الوطني الحرّ
***
أسبوعين بعد زيارته لقرى قضاء عاليه، حط معالي الوزير جبران باسيل رحاله يوم الأحد في قضاء الشوف، وإن كانت زيارة رئيس التيار الوطني الحر تندرج في إطار زياراته لمختلف الأقضية اللبنانة ساحلاً وجبلاً، إلا أن معظم المراقبين كانوا بانتظارها، سيما وإنها تأتي بعد تصريحاته الأخيرة في رشميا وعلى الأخص في سوق الغرب، والتي أثارت جدلاً واسعاً وردود فعل متبادلة، والتي أعطيت تفسيرات عديدة بعيدة كل البعد عن الواقع. فما هو الفارق بين الزيارتين؟ إن من ناحية الشكل أم من ناحية المضمون؟ وهل شهد الخطاب السياسي لمعالي الوزير تبدلا ملموسا بين الزيارتين؟
في الشكل كان لافتاً ما شهدته قرى وبلدات الشوف من عرس وطني قلّ نظيره، شارك فيه كل النسيج الوطني في الشوف وإقليم الخروب وممثلين عن كل التيارات والأحزاب السياسية، وكان لافتاً أيضاً المشاركة الكثيفة للناس كل الناس، بحيث أنها فاقت كل التوقعات فضاقت الساحات بالجموع الغفيرة، وغصت بهم دور العبادة والحسينيات، وتجاوزت في معظم البلدات قدرة المنظمين على الاستيعاب.
فمن دير الناعمة إلى دير القمر إلى بيت الدين ومجدل المعوش، إلى الفريديس حيث حضر وفد كبير من مشايخ بني معروف إلى صالون الكنيسة حيث جرى استقبال معاليه، وصولاً إلى الباروك حيث شارك الوزير وصحبه على مائدة الغداء، رؤساء بلديات ومخاتير ورجال دين وراهبات وممثلين عن مختلف الأحزاب في الجبل، وكما كان متوقعاً شارك ممثل عن معالي الوزير وليد بك جنبلاط هو وكيل داخلية الشوف في الحزب التقدمي الإشتراكي رضوان نصر. وقد حضر الوزير غازي العريضي إلى معاصر الشوف للترحيب أيضاً.
وإذا كان الاستقبال الحاشد لرئيس التيار في حسينية الوردانية يندرج ضمن إطار التفاهم مع حزب الله من جهة، وإيجابية التعاطي بين حركة أمل والتيار من جهة أخرى، وإذا كان مهرجان حصروت يعود من جهة لاختيار وزير سني من الإقليم في الحكومة وإلى الحيثية الشعبية للوزير الخطيب من جهة أخرى، فإن استقبال شحيم الذي شكل مهرجاناً تجاوز بمدلولالته السياسية أكبر التوقعات تفاؤلا، فالمدينة الأكبر في الإقليم والتي تضم أكبر عدد من السنة استقبلت رئيس التيار الوطني الحرالوزير باسيل بحفاوة كبيرة.
أما مسك الختام فكان في الدامور حيث انتظر الأهالي ساعات في انتظار وصول معاليه وصحبه والذي تأخر أكثر من ساعتين بفعل الضغط الشعبي الكبير الذي تعرض له في كل محطة من محطات الجولة.
هذا في الشكل، فماذا عن المضمون؟
قد يعتقد البعض أن الوزير باسيل قد غير من قناعاته أو بدل بمواقفه، وذلك للخصوصية التي يتمتع بها قضاء الشوف ووجود دار المختارة، مقر الزعامة الجنبلاطية فيها من جهة، ومن جهة ثانية للطريقة الإيجابية التي تعامل فيها الحزب مع الزيارة. حتى إن البعض يعتقد أن ملائكة وليد بك كانت حاضرة حتى في المحطات التي غاب ممثلوه عنها.
باسيل رجل دولة
ربما هو الأسلوب عند الوزير باسيل قد تلاءم أو توالف أكثر مع جو الشوف، فلقد بدا معاليه أقرب منه إلى رجل دولة منه إلى رئيس التيار الوطني الحر، ولكنه وفي المقابل لم يحد قيد أنملة عن قناعاته ومبادئه، لا سيما التصاقه بمطالب الناس وهمومهم ومشاغلهم وتطلعاتهم إلى شوف قوي في جبل قوي ولبنان قوي. أعرب وبكل صراحة عن الخيبة التي يعاني منها أبناء الشوف بسبب العودة الخجولة التي لم تكتمل، وتساءل قائلاً أنه وبالرغم من ميزانية الملياري دولار في حينه والتي خصصت لعودة المهجرين إلا أن هذه العملية لم تأتي بالثمار المرجوة منها، في الوقت الذي رصد لإعمار كل لبنان حوالي أربعة مليارات ونصف مليار دولار.
كذلك كرر مطالبته بإعطاء العودة مقومات النجاح من طريق التمثيل الصحيح لكل شرائح المجتمع، ومن خلال التنمية التي لا بد منها، فإعمار الحجر لا تكفي لتوفير شروط العودة الكاملة، وكرر تعلقه بمصالحة الجبل وذلك بالرغم من عدم كون التيار مشاركا في الحرب، هذه المصالحة التي جرت بين غبطة البطريرك صفير ووليد بك جنبلاط في العام ٢٠٠١ والتي دفع التيار الوطني الحر ثمنا كبيرا لها وهي ما عرف في حينه بأحداث السابع من أب، هذه المصالحة بحاجة إلى استكمال وتحصين ونعم لمصالحة حقيقية بين كل أهل الجبل.
لقد كرر الوزير باسيل مطالبه بكل مسؤولية، ربما لبس في بعض المحطات كفا مخملياً ولكنه ضرب بقوة منادياً بحقوق شعب ذاق الأمرين من التهجير والحرمان والإقصاء وأنه قد آن الآوان لإعادة كل حقوقه وبصورة خاصة السياسية منها، سيما ونحن نعيش في عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون.
*كاتب سياسي