أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


السعودية تنشط في الساحة السنية اللبنانية.. إنتاج مصالحات وصياغة تحالفات

حسان الحسن – الثبات

من المسلّم به أن المملكة السعودية لم تحقق أهدافها في المنطقة التي تحوّلت الى بؤرٍ ملتهبة بإسهام مادي ولوجستي وبتوجيه “عقائدي” من المملكة نفسها، لكنها لم تحسم الوضع لمصلحتها في أي ساحة صراع دخلتها، من اليمن الى البحرين الى العراق الى سورية وصولاً الى لبنان. ففي لبنان وافقت المملكة مرغمةً على تسوية أوصلت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، وأعادت الرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومية على وقع انتصارات محور المقاومة في حلب في خريف العام 2016، بعدما ضاقت بها السبل، وفشلت في المراهنة على إسقاط الحكم في دمشق، والذي يشكل العمود الفقري للمقاومة. وهكذا سقط “الحلم السعودي- المستقبلي” بهزيمة حزب الله، وفرض رئيس جمهورية على لبنان منضوٍ تحت لواء المملكة، وهو ما يُفسّر تمسّك فريق الحريري بترشيح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الى الرئاسة الأولى إلى حين انسداد الأفق أمام هذا الفريق بعد الإنجازات التي حقّقها محور المقاومة في لبنان وسوريا، خصوصاً بعد تقطيع أوصال المجموعات التكفيرية المسلحة في جرود عرسال في العام 2015، وبالتالي شلّ قدرتها على التحرّك وإرسال السيارات المفخخة الى المناطق الآمنة، ثم إستعادة الشهباء في العام التالي.
بعد سلسلة الخيبات التي تلقّاها الفريق السعودي في المنطقة، يسعى جاهداً الى الحفاظ على اتفاق الطائف في لبنان، المكسب الوحيد المتبقّي له فيها، ويحاول من خلال هذا الاتفاق تعزيز وجوده في السلطة اللبنانية، عبر إيصال أكبر عدد ممكن من المرشحين الى الندوة البرلمانية، للتحكّم في مقاليد الحكم، والسعي الى استنساخ حقبة العام 2000 في عهد الرئيس إميل لحود، حين اجترح اللواء غازي كنعان قانوناً، أعاد به الرئيس الشهيد رفيق الحريري وفريقه السياسي الى الحكم، بعد خروجه منه في العام 1998، خصوصاً أن الحكومة التي ستنبثق عن المجلس النيابي الجديد، ستكون مولجةً بإعادة صياغة العلاقة مع سورية.
وبما أن الشارع السني اللبناني، يشكّل الملعب الأساسي للمملكة، تكثّف اتصالاتها مع مختلف الأفرقاء والشخصيات المؤثّرة في هذا الشارع، باستثناء النائب السابق أسامة سعد والعميد مصطفى حمدان، في محاولةٍ لتوحيد السنة في لبنان تحت رايتها، خصوصاً إثر تراجع حضور التيار الأزرق في هذا الشارع بعد التصدّع الذي أصابه والانشقاقات التي ضربت صفوفه. وكان من أبرز نتائج هذه الانشقاقات بروز حركة اللواء أشرف ريفي التي تحاول السعودية رأب الصدع بينه وبين الحريري، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية طرابلسية، للغاية أعلاه.


وتكشف المصادر أن المملكة وفريقها الداخلي اتّخذا هذا المنحى، بعد فشلهما في تأجيل الانتخابات النيابية المرتقبة إفساحاً في المجال أمام الحريري لإعادة لململة شارعه، أو محاولة تعديل قانون الانتخاب النسبي الذي يلغي الاحتكار. فتأجيل الانتخابات لم يعد ممكناً بعد تأكيد كلٍّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إجراء الانتخابات في موعدها، وفقاً للقانون النسبي، وبالتالي بات في حكم المؤكد أن “المستقبل” لن يعود في وسعه أن يحتكر تمثيل المسلمين السنة في لبنان.
لا شكّ أن القانون الجديد سيفرض متغيّرات تحديداً في الشارع السني الذي احتكر آل الحريري تمثيله لنحو عقدين من الزمن تقريباً، تارة عبر قانون العام 2000 الذي عُرف بـ”قانون غازي كنعان” وتارة أخرى من خلال الاستثمار بدم الشهيد رفيق الحريري وطوراً بفضل أموال البترودولار وإثارة النعرات المذهبية. وأمام الواقع الجديد، لن يجدي هذا السلاح نفعاً، ولم يعد بوسع أي من القوى المؤثّرة في الشارع السني قدرة التحكّم فيه، لذا شهد حركة اتصالات ولقاءات داخلية، كزيارة ريفي للوزير السابق فيصل كرامي، وإقرار الرئيس نجيب ميقاتي بالحضور الشعبي للنائب السابق وجيه البعريني في عكار، على سبيل المثال لا الحصر.
كل هذه الوقائع والحقائق، تدفع السعودية إلى أن تنشط من جديد على خط الساحة السنية لإنتاج مصالحات وصياغة تحالفات، علّها تتمكّن من مواكبة المرحلة الجديدة في المنطقة والتي ستشهد إعادة تفعيل العلاقات اللبنانية- السورية. فهل تنجح المملكة في ذلك، أم أن الأوراق التي ستَسقط في صناديق الانتخابات في أيار المقبل ستُسقط مشروعها ومخططاتها؟