تتصاعد للأسف الخطابات العنصرية في يوم محاكمة حبيب الشرتوني، كما يعمل البعض على نبش الماضي بمآسيه،
لمرحلة ظننا انها اصبحت وراءنا فبغض النظر عن رأيي الشخصي بحبيب الشرتوني وتوجهاته العقائدية والحزبية وخلفيات فعله بتنفيذ عملية اغتيال الرئيس بشير الجميل، وبغض النظر ايضا عن رأيي الشخصي ببشير وتجربته، إلا انني أنظر الى الاغتيال كفعل بذاته وأرفض منطقه الدموي، وانا هنا منسجم مع فكري برفضي تقاتل اللبنانيين بين بعضهم البعض، وإلا ماذا تنفع الخطابات برفض الحرب الأهلية، أوليس قتل لبناني أي لبناني آخر على خلفية سياسية، هو المصنف حربا أهلية وأوليس المفاخرة بقتل شخص تعتبره شريحة لبنانية أخرى قائدا، يدخل في إطار زرع بذور الحرب الأهلية وإحيائها مجددا ؟
فتصوير منفذ عملية الاغتيال كبطل، يدخل في إطار التحدي في حين ان المعطيات تشير الى ان الشرتوني ليس إلا منفذ لمخطط تصل امتداداته الى خارج حدود لبنان، فالمنفذ شيئ والمخطط الذي يهدف من وراء اغتيال رئيس للجمهورية الى تغيير المعادلات، شيئ آخر، فالمنفذ يبقى منفذا بدوره المحدود المقتصر على التنفيذ، مهما كانت حماسته والتزامه بمشروعه السياسي وعقيدته وحزبه، وهو ليس صاحب فكر عظيم وقائد ثوري كما يحلو للبعض ان يصوره، وربما على من يقارب الموضوع بهذه السطحية ان يبحث عن المخطط والجهة المستفيدة من قتل بشير الجميل بهدف تغيير مسار الحرب اللبنانية لتتلاءم مع توجهاته واهدافه.
أما في فعل ارتكاب عملية الاغتيال، فهو غير مبرر مهما كان رأينا ببشير الجميل، اكان عميلا لدى البعض او يعتبر بطلا لدى البعض الآخر، فنحن لسنا مع قتل لبناني أي لبناني آخر لأننا نسعى الى بناء دولة تملك قضاء عادلا يحاكم العملاء، كما يحاكم المجرمين، وليس من حق أي حزب او فريق أن يقرر تنفيذ العدالة بنفسه، فيطلق الأحكام ويصنف اللبنانيين هذا عميل وهذا بطل، ومن ثم ينفذ حكمه بالاعدام، فيطلق شعار “لكل بشير حبيب”ـ في حين ان القضية اليوم امام القضاء ليست سياسية ولن تبرء او تجرم فكر الشرتوني او عقيدته القومية، بل الحكم سيكون على فعل الاغتيال بذاته وعلى الشرتوني نفسه، ولن يكون كتابة للتاريخ كما يأمل محبو بشير الجميل ومحبو الشرتوني، على حد سواء.
إن كتابة التاريخ في أي بلد في العالم تحصل بعد فترة زمنية طويلة، بعدما يتم الخروج من حالة الحرب وتبريد المشاعر، ولنتمكن من الحكم الصحيح على الأشخاص الذين كانوا فاعلين في تلك المراحل، يجب ان نعرض امامنا كل الأحداث وما سبقها وما لحقها وعرض الظروف والمسببات التي دفعت أي شخص فاعل في الأحداث ومؤثر في مسارها، بالقيام بفعله وأخذ قراره، فلا يجوز النظر الى تجربة بشير الجميل من جهة واحدة، وربطها وحصر مسارها بحدث واحد منذ حمله السلاح ضد الفلسطيني لحماية نفسه ومجتمعه في بداية الحرب اللبنانية مرورا بتصديه للإحتلال السوري في الأشرفية وصولا الى تبوئه منصب رئاسة الجمهورية، كما لا يصلح ربط كل ما دار حينها من أحداث بتشعباتها وتعقيداتها، بعلاقة بشير الجميل بإسرائيل التي لا أحد في لبنان اليوم، مهما كان توجهه السياسي يقبل بها وحتى محبو بشير ليسوا معها، وأظن اننا كلبنانيين وصلنا الى قناعة بأن إسرائيل عدو وتضمر الشر للبنان طالما وجدت في فلسطين، ومحبو بشير الجميل هم بالتأكيد من ضمن هذه القناعة تجاه العدو الاسرائيلي، غير ان نظرة هؤلاء لبشير تستند الى كونه شكل الأمل بإخراج لبنان من أتون النار في تلك المرحلة الصعبة والخطرة على وجود لبنان وسعيه لإخراج جميع المحتلين للحفاظ على ارضه موحدة.
إلا ان الأهم هنا ان ليس بالانتقام وتوجيه الاتهامات والاستخفاف بشعور شريحة كبرى من اللبنانيين، ننقل لبنان من زمن الانقسامات والتقاتل والحروب الى زمن ترسيخ دعائم هذا الوطن كما انه ليس بالاستمرار ببث روح الكراهية تجاه بعض اللبنانيين نبني الدولة على أسس متينة تبدأ بالمصالحة بين اللبنانيين وتنتهي بتنقية الذاكرة والاعتراف ببعضهم البعض، ففي المحصلة، إن المشروع السياسي الذي كان يحمله بشير الجميل سقط ولم يعد صالحا لزمننا هذا، ولا يستفيد الوطن من الاستمرار بمقاربة عملية اغتيال شخصية مفصلية في تاريخ لبنان كالرئيس بشير الجميل، بهذه السطحية وروح الالغاء ومنطق الانتقام وتأجيج الكراهية وفرض الهيمنة الفكرية على الشركاء الآخرين في الوطن.
الكاتب: نسيم بو سمرا