– زيارة “الكُفار” الى المملكة تحصل لدواعٍ عاجلة؛ وعن مقولة “أنتم بلبنان لا تفتهمون سياسة”، و”إنطيهم الشيك”
***
أخبار عالنار- أحد أنصار سياسي لبناني من الدرجة الثانية، سافر مع مُعلِّمه الى السعودية بصفة مرافق عام 2012، وكان بندر بن سلطان ممسكاً بالملف اللبناني، وروى تفاصيل الزيارة:
وصلنا قبل يومٍ من الموعد، دون معرفتي من هي الشخصية السعودية التي سوف نُقابلها، نزلنا في فندق، وعند الحادية عشرة من صبيحة اليوم التالي حضرت سيارة وذهبت بنا الى قصر صغير، وبعد انتظار نحو عشر دقائق حضر مضيفنا السعودي الذي لم نعرف من هو، ومعه ثلاثة مرافقين، وكان سلامه فاتراً وصافحنا باستعلاء، ودامت المقابلة ثلاث دقائق من التوجيهات الإنفعالية، ولم أفهم من اللهجة السعودية سوى عبارة: “أنتم في لبنان لا تفتهمون سياسة“، ووجَّه كلامه الى أحد مرافقيه: “إنطيهم الشيك، ويتغدُّون وبالسلامة“، وغادر مع مرافقيه دون مصافحتنا، وحضر شخص هندي ودعانا الى قاعة الطعام، وجلسنا وحيدَين على طبق كبسة سعودية، والهندي المُكلَّف بخدمتنا يقف مبتسماً لنا ببلاهة، أو أنه يبتسم على بلاهتنا، وعدنا الى لبنان وأنا لم أفهم من المقابلة سوى أننا نحن اللبنانيين “لا نفتهم سياسة”!ّ
وإذا كان من أحد فَهِم شيئاً من حكاية هذه الزيارة، بإمكانه أن يفهم كل زيارات “الحج” الى المملكة، ولا حاجة للتكهُّن عن سبب دعوة السعودية للدكتور سمير جعجع والنائب سامي الجميل لزيارتها، وحرام أن نرمي الحرام على من يزورون بلاد المسجد الحرام، رغم أن زيارة “الكُفار” الى المملكة لا تحصل سوى لدواعٍ عاجلة، والسعوديون “يفتهمون” سياسة، لأنهم يضربون على وتر يُطرب له اللبنانيون وينتفخون من “الطرب”، ولعل أهم ما في زيارة الزائرَين أنها مُتزامنة والمطلوب واحد، وحتماً لا علاقة لها بالإستحقاق الإنتخابي المقبل، لأن لا تماس إنتخابي في أية منطقة بين القوات اللبنانية والكتائب مع حزب الله، ويُمكن وضعها في إطار العموميات التي نَطَق بها أشرف ريفي خلال احتفال السفارة السعودية بالعيد الوطني: “نحن والمملكة في خندقٍ واحد“، أيّ خندق، وبمواجهة مَن هذا الخندقة، لا ضرورة لتوضيح ما هو واضح، لأن كل الخنادق الداخلية والإقليمية والدولية، لن تُفيد في مواجهة “سلاح غير شرعي” بالنسبة للأبواق السعودية، لأن هذا السلاح بنظر الغالبية الساحقة من اللبنانيين هو سلاح مُقدَّس، لا بل أقدس من كل المقدَّسات وهو مع سلاح الجيش ضمانة وجود “الكُفار” في لبنان قبل سواهم.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، رفضت السعودية في العام نفسه 2012، إستقبال بطريرك “الكفار” في أنطاكيا وسائر المشرق، مار بشارة بطرس الراعي، وأحالت وزارة الخارجية السعودية كتاباً واضحاً ملأ صفحات الإنترنت، تُحِيل طلب الراعي الى سفارتها في بيروت بذريعة إرتباطات المسؤولين السعوديين التي لا تسمح لهم باستقبال الراعي.
يومذاك، كشفت أوساط سياسية موثوقة وقريبة من 14 آذار”، أن السعودية رفضت استقبال البطريرك الراعي قبل زيارته قطر، التي استقبلته على مضض، لأن تصريحاته وتصرفاته منذ تسلمه منصبه، صبَّت كلها ضد سياسة قطر المعارضة لنظام بشار الاسد والداعمة لكل الثورات العربية، على عكس مواقف الراعي المعادي لهذه الثورات والداعم للأسد.
وذكرت صحيفة “السياسة” في لندن ان “رجُليّ دين مارونيين كبيرين، زارا السفارة القطرية في بيروت خلال كانون الثاني 2012، في محاولة لتأمين استقبال لائق للراعي في الدوحة، وأن الجواب القطري جاء مشروطاً أن يعلن البطريرك بأن زيارته راعوية أي الى الجالية المارونية في قطر، لأن الجاليات الاخرى اللبنانية وخصوصا السنية والدرزية رفضت هذه الزيارة، ووصفتها بأنها ليست لصالح اللبنانيين، وإنما هي محاولة لإعادة تسويق الاسد والسيد حسن نصر الله، والراعي التزم خلال كلماته التي ألقاها أمام بعض من استقبلهم من الجالية المسيحية اللبنانية في الدوحة، بما كان وَعَد به كشرط لاستقباله هناك، ولم يُقارب الوضع السوري، إلا أن ذلك الالتزام لم يشفع له لدى السعوديين بالتراجع عن رفضهم استقباله، وكان لفريق 14 آذار الدور الفاعل في رفض السعودية استقباله، وأيضاً في التأثير على كافة الجولات التي كان ينوي البطريرك القيام بها الى كندا والولايات المتحدة، نتيجة عدم خضوعه للإملاءات السعودية ورفضه المجاهرة بتأييد مواقف المملكة، وكانت لجعجع وقادة ثورة الأرز يومذاك، اليد الطولى في التشويش وعرقلة جولات البطريرك.
وعلى نفس الوتيرة، تستمر شروط استقبال اللبنانيين في السعودية، سواء كانوا برتبة بطريرك أم قادة أحزاب أم وزراء ونواب، “يفتهمون” سياسة أم لا “يفتهمون”، لأن زيارة مملكة المكرمات هي لسماع الإملاءات، والمطلوب هو رفع “دوز” الهجوم على المقاومة وعلى العهد أيضاً، دون الحاجة الى ذكر تفاصيل “شوفة الخاطر”، التي تبقى سراً مدفوناً في قبر “الشيخ زنكي” على طريق العودة من “الحج المبرور”…