– واجه ميشال عون الجميع بشجاعة: البعض ينظر الى أميركا دولة عظمى وسيِّدة القرار الدولي، والبعض الآخر ينظر إليها من خلال شعوره بعظمة بلاده وقرارها السيادي الحرّ…
***
أخبار عالنار – كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من على منبر الأمم المتحدة، كان لها وقعها على زعماء الدول، بقدر اهتمامات كل دولة وحجم هذه الدولة وموقعها على الساحة العالمية، مع مفارقة كبيرة، أن البعض ينظر الى أميركا دولة عظمى وسيِّدة القرار الدولي، والبعض الآخر ينظر إليها من خلال شعوره بعظمة بلاده وقرارها السيادي الحرّ، الذي ترجمه فخامة الرئيس ميشال عون بكلمته.
ترامب طرح نظريته أنه “بكلفة لاجىء في الولايات المتحدة الأميركية، يمكننا مساعدة عشرة لاجئين في مناطقهم”، وربما كان أجدى بالرئيس الأميركي، وقف تهجير سكان الولايات المتحدة طالبي اللجوء من جيرانه المكسيكيين، الذين يبني جدار فصل عنصري بينه وبينهم، قبل أن يطرح نظريات حقوق الإنسان ويجتهد توطين النازحين في الدول التي تستقبلهم.
كان على ترامب استيعاب حقيقة أن لبنان يستوعب أكثر من ثلث سكانه من الفلسطينيين والسوريين، أي ما يُعادل 90 مليون نسمة، لو افترضنا أنهم نزحوا الى الولايات المتحدة أو طلبوا اللجوء إليها، وكان على ترامب أن يُدرك، أن لبنان، عبر شارل مالك، هو أحد أبرز مؤسسي شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وإذا أراد ترامب مثالاً أقرباً بالزمان والمكان والواقع المحسوس عن لبنان والنازحين، فها هو المغترب اللبناني نبيل باسيل، صاحب مطعمٍ في فلوريدا، والمعروف بسخائه غير المحدود على المحتاجين، أطعم مجاناً المئات من النازحين عن بيوتهم خلال إعصار “إيرما” الأخير، وسبق له أن أطعم 4400 إطفائي ورجل إنقاذ خلال إخماد حرائق فلوريدا في نيسان الماضي، وترامب سبق له وأن فاخر باللبنانيين وعصاميتهم وعطائهم خلال حملاته الإنتخابية، ونبيل باسيل هو مجرَّد نموذج عنهم وعن بلد الكرم والكرامة والإيمان بحقوق الإنسان.
على منبر الأمم المتحدة وقف الرئيس ميشال عون، وكان له الردّ السيادي العابر للقارات والأمم، حاملاً بيمينه صكَّ احتضان النازحين، وبيساره صكَّ الإنتصارات اللبنانية على العدوان والإرهاب جنوباً وشرقاً، في سابقة لم تحققها أية دولةٍ أخرى.
وقف عون على المنبر الأعلى في العالم، كما لا يستطيع أي رئيس دولة الوقوف بهذا الكمّ من الرصيد المعنوي، لوطنٍ أصغر من أصغر ولاية أميركية بجغرافيته، وانطلق بكلمته جغرافياً من حيث هُم في نيويورك، وتاريخياً الى أحداث سبتمبر/ أيلول قبل ستة عشر عاماً عندما ضرب الإرهاب هذه المدينة، وبتسلسلٍ مدروس في كلمته، اقتفى خطوات الإرهاب الذي انتقل الى الشرق، ومن معاناة سوريا ونازحيها، ردّ بالأرقام والنسب المئوية والوقائع الإقتصادية والإجتماعية والأمنية على طروحات التوطين، وما يُعانيه لبنان نتيجة النزوح، والتقصير الدولي في المساهمة بالنفقات وعجز منظمات الأمم المتحدة ذات الشأن.
وإذ أعلن الرئيس عون النصر اللبناني على الإرهاب، أشار مطولاً الى أساس وجوده في المنطقة ورفض ارتداداته على لبنان قائلاً:
“الحروب الإسرائيلية أثبتت أن المدفع والدبابة والطائرة لا تأتي بالحلول ولا بالسلام، فلا سلام من دون عدالة، ولا عدالة إلا باحترام الحقوق، ولا شك أن جريمة طرد الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم لا يمكن أن تصحح بجريمة أخرى ترتكب بحق اللبنانيين عبر فرض التوطين عليهم، …وقالها واضحة: “ليس تعطيل دور مؤسسة الأونروا إلا خطوة على هذه الطريق، تهدف الى نزع صفة اللاجئ تمهيداً للتوطين، وهو ما لن يسمح به لبنان، لا للاجئ أو لنازح مهما كان الثمن، والقرار في هذا الشأن يعود لنا وليس لغيرنا.”
لم يعتمد الرئيس عون أسلوب العموميات في خطابات رؤساء الدول، بل عَرَض المشاكل واقترح الحلول العملية، وما أغفل جزئية قانونية أو سياسية ترتبط بالمواثيق الدولية حول وضعية النازح واللاجىء، وميَّز بين اللاجىء السياسي والنزوح الجماعي نتيجة أوضاع أمنية، وبين العودة الطوعية والعودة الآمنة، وإمكانية المباشرة بعودة النازحين السوريين طالما أن نسبة 85% من الأراضي السورية باتت تحت سلطة الدولة.
ومن تأثير الفقر والعوز على الشعوب في المنطقة، وضرورة التفكير جدياً في مشروع إقامة سوق اقتصادية مشرقية مشتركة لضمان لقمة العيش في ظل الحرية، اختتم الرئيس عون كلمته الواقعية كما بدأها، بأن محاربة الإرهاب لن تكون إلا بتغيير فكري وثقافي، وان الحاجة ملحّةً الى مؤسسة تعنى بتربية السلام وتُقرّب الإنسان من الإنسان وتساعد على اعتماد لغة الحوار وسيلة لحلّ النزاعات، وشدد على أن دور لبنان، لا بل رسالته، هو في الحرب على أيديولوجية الإرهاب، وطرح ترشيح لبنان ليكونَ مركزاً دائماً للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق، مؤسسةً تابعة للأمم المتحدة.
ختاماً، من “براغماتية فوضوية حائرة” لدى دونالد ترامب، القادم من عالم الأعمال والصفقات والتقلُّبات السياسية داخلياً وخارجياً، الى واقعية قائد جيش سابق وسياسي واقعي مُنسجم مع تركيبة شعبه، وصفقة عمره أن يكسب وطنه السيادة، واجه ميشال عون الجميع بشجاعة، ما يُشجِّعنا أن نكرر لأميركا والعالم، ما ورد في “كلمة الفخامة في المواقف”: القرار لنا نحن اللبنانيين وليس لغيرنا..