نظراً إلى الظروف التي تمرّ فيها المنطقة، وبسبب التعقيدات في الوضع الإقليمي، تعاني مدينة طرابلس نوعاً من خلل في التوازن في المرحلة الراهنة، نتيجة تخلي الإدارة الخارجية، خصوصاً الأميركية والخليجية، عن بعض التيارات السياسية الطرابلسية التي تدور في فلكهما، لانشغالهما بالتطورات الانسيابية في العراق وسورية، لاسيما الضربات التي يتلقاها تنظيم “داعش” وأخواته على يد محور المقاومة، آخرها كان تحرير جرود عرسال، والموصل، والتقدُّم الكبير للجيش السوري في البادية السورية، بالإضافة إلى نجاح الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية بتوجيه الضربات النوعية لرؤوس الإرهاب على امتداد الجغرافيا اللبنانية.
ونتيجة هذا الخلل، وفقدان الرعاية التي اعتادت عليها التيارات المذكورة، وبسبب التغيُّرات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً لجهة تقدم محور المقاومة فيها، وانعكاس ذلك على الوضع الداخلي اللبناني، بدأت ترتفع أصوات بعض الجهات الرسمية مطالبة بإعادة تفعيل العلاقات مع دمشق، ترافق ذلك مع انفتاح عربي – دولي عليها، تجلّى من خلال 23 دولة في “معرض دمشق الدولي 59″، فقد دفع هذا التطور بعض الشخصيات الطرابلسية إلى خفض مصاريفها الانتخابية والخدماتية في طرابلس، تحديداً الرئيس نجيب ميقاتي، والنائب محمد الصفدي، والوزير أشرف ريفي، و”تيار المستقبل”، لثلاثة أسباب:
أولاً: للحد من إهدار الأموال، خصوصاً أن الانتخابات النيابية مؤجَّلة على الأقل نحو ثمانية أشهر، هذا في حال حصولها.
ثانياً: تترقب هذه الشخصيات المتغيّرات في المنطقة، وانعكاسها على الداخل اللبناني، لكي تحدد تموضعها السياسي الانتخابي، الذي قد يؤهّلها للفوز في الانتخابات المرتقَبة.
ثالثاً: لشُحّ الدعم المالي الخارجي للقوى المذكورة آنفاً، حسب ما أكد مصدر طرابلسي واسع الاطلاع.
وسط هذه المتغيّرات، خصوصاً الإنجازات التي يحققها محور المقاومة في لبنان والمنطقة، تتجه بعض القوى “السَّلَفية” إلى تلطيف خطابها تجاه حزب الله، والمضيّ نحو “تدوير الزوايا” معه، رغم الخلاف السياسي والعقائدي الكبير بين الفريقين، عملاً بصيغة الشراكة في الوطن.
وفي هذا الصدد كشفت معلومات لـ”الثبات” أن أعضاء من هيئة العلماء المسلمين أجروا اتصالات مع قيادي إسلامي شمالي مقرَّب من حزب الله، بهدف التواصل مع المقاومة، لتليين الأجواء معها، مرتكزين بذلك إلى وقائع وأحداث تاريخية، تؤكّد “جنوح المسلمين إلى السِّلم”.
لاشك في أن هذا السلوك يؤشر إلى اقتناع “الهيئة” بأن مشروع إسقاط محور المقاومة في المنطقة يتهاوى، وبالتالي بدأت تبحث عن مخرج يحدّ من خسارتها، خصوصاً أن التيارات “الوهابية” كانت مجرد وقود للمعركة، من دون تحقق أي استثمار سياسي يُذكر، تحديداً في لبنان، فهي التي أرسلت المسلحين والانتحاريين إلى سورية، وشاركت بقوة في الاقتتال بين أبناء عاصمة الشمال (باب التبانة – جبل محسن)، بدعم من “التيار الأزرق” في حينه، بقيادة ريفي والعقيد المتقاعد عميد حمود، ليتم بعدها زجّ كوادرها في السجون، ويذهب “تيار المستقبل” وسواه إلى الشراكة مع حزب الله في حكومة واحدة.
ويختم المصدر المذكور بالقول نقلاً عن قيادي “سَلَفي”: “كنا نحن من يدفع الأثمان، وغيرنا من يستثمر، خصوصاً تيار المستقبل.. فلن نبقى على هذا المنوال”.
-الثبات-