أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


الأب يوسف يمين: الظمأ إلى المطلق يوحّد جميع الكائنات

بإمكان الموسيقى وحدها أن توصل الى الأعماق الناصتة”

ماري مراد –
عالم، شاعر، مؤرّخ، موسوعة في رجل أم رجل خرج من موسوعة الكون ليدخل الكلّية والنظام الكونيّ، مفجّراً عبث الزمان؟ وصفه جورج يمين بأنّه عالم ذرّة يكتب شعراً، وأزيد على ذلك أنه صاحب الشعر الذرّي، المصفّى في غربال الذات والوجود.

تلتقي فيه عناصر الطبيعة الماديّة والطبيعة الأنسانيّة التي تخترق حدود الزمان والمكان. إنّه الأب يوسف يمين. التقيته، منذ أيام، في عرين سكينته الأزليّة، في مكتبته التي تفيض بعبق الحياة. وكان لي معه الحوار الآتي:

حضرة الأب الفاضل، أشكرك لأنك سمحت لي أن أقابلك، وأنت المنهمك، في نسكك الدائم. فهل يمكن أن يتسع صبرك لتجيبني على بعض الأسئلة .

-أهلا بك عزيزتي. قلبي ومكتبتي مفتوحان لك في أيّ وقت.

حدّثني إذا سمحتَ عن يوسف يمين الطفل…
– يوسف يمين طفل حالم. بماذا يحلم؟ بماذا ينعم؟ هو وحده يعلم… أمضيت طفولتي أدلّ الفراشات على الزهور.. أمّي كانت عالمي كلّه. عندما يهوي الطفل على صدر أمّه يتجمّع الكون بأكمله في صدر الأم.

وعندما كبرت، كيف كانت حياتك؟
– أنا ولد جرديّ، وسوف أظلّه.. وعندما كبرت، حملت الجرد معي ، ونزلت..

إلى أين؟
– نزلت إلى زرقة السماء.. آه ما أنقى زرقة السماء!

نزول إلى أعلى؟ لم أفهم قصدك؟
– إنّ التأمّل بزرقة السماء لا مادة له ولا موضوع ولا شكل: إنّه إعلاء وتصعيد.

– ما هو مفهوم الزرقة بالنسبة إليك؟
– أتساءل أحيانا: هل الأزرق.. هو لون العمق المطلق؟

وهل وصلت إلى جواب؟
– عندما تصبح عينك بحجم الفضاء ترى عندئذ أن الفجر هو الجفن الناريّ للسماء ذات الحدقة الزرقاء!

يقودنا تفكيرك إلى الحقيقة المطلقة؟
– نعم. نحن ننظر من بعيد إلى عين كبيرة تحدّق بنا.

تحدّثت عن النور والنار. هل أنت مسكون بعناصر الطبيعة الأربعة؟
– يمكنك أن تقولي ذلك. في اللحظة التي تولج فيها النار تنطفئ أشواق كثيرة كامنة في العناصر الكونيّة… النار مسكونة فقط، بالبدايات والنهايات… النار هذا المهندس الكونيّ الأصيل الذي يبني وينظّم ويجدّد.

والماء؟ أليس له دور في فلسفتك الكونيّة؟
– البحار أيضاً.. تتنفّسُ وتشتاق وتحنّ. الماء والتراب عنصران متكاملان: من قال إنْ ليس للتراب أحلام، تسكن في الماء؟

والريح؟
– الريح في فم الطبيعة، والهواءُ في فم الإنسان، يرمزان، كلّ على طريقته، إلى توسّع وتمدّد وتطوّر الأشياء والكائنات إلى ما لا نهاية.

لاحظت انك ترى في عناصر الطبيعة نوعاً من الفرح. هل تحاول ان تعلن رفضك لمقولة ان التراب ممزوج بالألم والحزن؟
– فلسفتي تعلن ان الفرح ممكن على هذه الأرض، وفي جميع عناصرها. هو فرح متكامل:
الفرح الترابيّ: جاذبيّة وثقل
الفرح المائيّ: ليونة وراحة
الفرح الناريّ: شوق والتهام
الفرح الفضائيّ: انطلاق وحرّية.

وما الذي يوحّد بين هذه العناصر، ويبعث الفرح؟ أهو حالة شعوريّة أم ثورة على الحزن الذي رافق حياة البشر، على مرّ العصور؟
– في الحقيقة، أنّ الذي يوحّد جميع الكائنات هو الظمأ إلى المطلق، في الداخل.
وما افضل الطرق للوصول الى عمق المطلق الذي تبحث عنه الكائنات؟
– بإمكان الموسيقى والموسيقى وحدها أن توصل الى الأعماق الناصتة.

ظننتك ستذكر الشعر. أليس الشعر وسيلة للوحدة بين الكائنات؟
– في بيت شعريّ واحدٍ أبدعه
يسكن جميع الناس تعدو جميع الخيول تتفتّح جميع الزهور وتحلّق جميع الطيور.

ما هي نظريتك في الشعر؟
– الشعر حلم النهار النيّر. عليه أن يعكس الواقع اليوميّ. وعلى الشعر الحديث أن يستمدّ غذاءه من مقالع الشعر البدائي في عناصر الطبيعة.

هل من كلمة أخيرة تقولها؟
– الخيال والشعر والموسيقى هي وحدها التي تكشف لحن الوجود الأوّل فتسير على إيقاع واحد مع الحركة الأصليّة الأولى للأشياء والكائنات.

شكراً لك أب يوسف يمين.
أتمنى لك العمر الطويل والإبداع الدائم.
– أنا أشكرك عزيزتي، لأنك تجيدين ارتياد ممالك الصمت الواسعة في أعماق الكائنات.

المصدر: الأنوار
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)