أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


انقلاب كامل في المشهد لمصلحة محور سوريا – إيران ـ «حزب الله» برعاية روسية

nasrallah-putin

– ماذا في الوقائع – ماذا في العقبات – ماذا في المعلومات؟

قبل 8 تشرين الثاني المقبل يجب أن يُحسم ملف الانتخابات الرئاسة اللبنانية، وقبل نهاية الشهر المقبل ينبغي حسم مصير حلب. لو حصل هذا فعلا، يكون الرئيس السوري بشار الأسد قد نجح في البقاء رئيساً الى فترة غير محددة، ويحقق الجنرال ميشال عون حلمه وحلم كثيرين معه في الوصول الى سدة الرئاسة آخر الشهر. هكذا تكون المنطقة اذاً أمام انقلاب كامل في المشهد لمصلحة محور سوريا – إيران ـ «حزب الله» برعاية روسية. بالمقابل، يستطيع حينها الرئيس باراك أوباما توديع آخر أيامه في الحكم بتقديم تحرير الموصل على أنه انتصار أميركي كبير على «داعش».

لكن ماذا لو لم يحصل ذلك؟ هل تتعقد الأمور وتعود الى نقطة الصفر مع الفوز المتوقع لهيلاري كلينتون التي ستضع الملف السوري في أولوياتها؟

ماذا، أولاً، في الوقائع؟
ختم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الأسبوع المنصرم بالحديث عن «الانتصار». قال «إن معالم فشل المشروع الآخر بدأت تتضح وإن هزيمته باتت قريبة ونتطلع الى الانتصار الحقيقي». يستطيع قول ذلك لو بقي حليفه السوري ولو فاز حليفه اللبناني.

ما قاله نصرالله ينطبق تماماً مع ما صرّح به السفير الأميركي السابق في سوريا والسعودية ريتشارد مورفي بقوله لصحيفة «الأخبار» حرفياً: «إن الأسد ليس على وشك ترك السلطة. يقول البعض إن على الأسد الرحيل، قبل البدء بأي عملية مصالحة. أعتقد أن واشنطن غيّرت موقفها، وهي تقول إن ذلك لن يحصل على أرض الواقع، ويجب إطلاق مفاوضات يمكن أن تؤدي إلى الاعتراف بالأسد رئيساً انتقالياً». يقول مورفي ما يفكر به كثيرون هذه الأيام مقابل بعض الصقور الذين وصلوا الى حد الحديث عن احتمال اغتيال الأسد (راجع الفورين بوليسي).

ما قاله مورفي ونصرالله يلتقي تماما مع كلام مفاجئ من الناطق باسم الكرملين ديمتري بسكوف الذي قال إن «التدخل العسكري الروسي في سوريا يهدف الى تحريرها من الإرهابيين وبقاء الأسد». هذا تطور مهم في الموقف الروسي الذي كان يتجنب الحديث عن شخص الأسد.

أوروبياً، حققت زيارة وزير الخارجية التشيكي الى دمشق تقدماً في سياق بعض الانفتاح الغربي على سوريا، خصوصاً أن قدوم الزائر الأوروبي لم يحصل إلا بعد التنسيق الدقيق مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني وفق معلومات دقيقة من الاتحاد.

عربياً، كشف التصويت المصري لمصلحة مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن، ثم الإعلان السوري شبه الرسمي عن زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي المملوك الى القاهرة، ثم نشر السفير السوري في القاهرة د. رياض سنيح مقالة في « الأهرام» بعنوان «مصر وسوريا رسالة الحق للبشرية»، أن ثمة موقفاً مصرياً يتغير يوماً بعد آخر حيال دمشق حتى ولو تخطى بعض الخطوط الحمراء الخليجية.

ولو توقفنا مع الخطاب الأخير للرئيس سعد الحريري نجد عنده أيضاً رغبةً في تحييد لبنان عن سوريا (خلافاً للانخراط السابق) ولكننا نجد أيضا تمهيداً لإعادة فتح العلاقات معها. هو قال: «إذا ما انتهت الأزمة واتّفق السوريون على نظامهم وبلدهم ودولتهم، نعود إلى علاقات طبيعية معها». ماذا لو اتفق السوريون على بقاء الأسد؟

ماذا، ثانياً، في العقبات؟
فيما كانت كل هذه الأجواء الإيجابية توحي بشيء من الأمل في المنطقة، وبينما كان الجيش السوري يرسل تعزيزات كبيرة الى جبهة حلب ومعه «حزب الله» بغطاء روسي كبير، بدأ وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر يتصدر واجهة المشهد الأميركي ويتحدث عن حتمية الدور التركي في العراق وسوريا. هل جاء يهدئ اندفاعة الأتراك نحو الموصل والتي تعارضها الحكومة العراقية، أم جاء يعيد احتضان تركيا في مسعى لسحبها من سياق التقارب الكبير من روسيا ووضع أسس جديدة للتوازن العسكري مع الروس في سوريا؟ الأرجح أن يكون هدفه الأول إعادة احتواء هذه الدولة الأطلسية على حساب المحيط العربي وألا يسهل عمل الروس.

ما إن ودّع كارتر تركيا، حتى وصل اليها أمير قطر الشيخ تميم، على أن يزور وزير الخارجية التركي غداً الثلاثاء الدوحة. هذه اللقاءات القطرية التركية أعقبت لقاءات تركية خليجية حصلت على خلفية التصادم الخطابي بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس وزراء العراق حيدر العبادي.
ترافقت هذه التحركات الديبلوماسية والأمنية مع محاولات حثيثة لتوحيد الفصائل المقاتلة في سوريا، تماماً كما تزامنت مع اختراق «داعش» لكركوك في العراق ولمناطق في دير الزور وغيرها. واضح اذاً أن محاولة استكمال الدولة السورية السيطرة على حلب بالتعاون مع ايران و «حزب الله» وروسيا ستصطدم بمواجهة قد تكشف عن وجود صواريخ مضادة للطائرات.

أما على صعيد العلاقات الروسية الأميركية، فالواضح من تبادل الاتهامات الأخيرة بين الطرفين على خلفية الرغبة الروسية بمراقبة الانتخابات الأميركية، وما تخللها من تلويح أميركي بريطاني بفرض عقوبات جديدة على روسيا وسوريا، أن نهاية عهد أوباما لن تحمل جديداً كبيراً باستثناء تهدئة متقطعة في حلب وتقديم مساعدات إنسانية، وهي خطوات قد تنهار جميعها لو بدأت المعركة الكبرى لاستعادة شرق حلب قريباً.

ماذا، ثالثاً، في المعلومات:
لا شك بأن لقاء الحريري مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركية والسفير الروسي في لبنان عشية إعلانه ترشيح عون كان استمزاجاً إيجابياً لرأي البلدين. لكنّ ثمة انقساماً واضحاً عن الأميركيين حيال وصول «حليف حزب الله» الى الرئاسة. فالبعض يعتبر أنه ما عاد مهماً من يصل، ما دام لبنان قد تحوّل الى «مخيم كبير للاجئين السوريين» ويجب مساعدته، والبعض الآخر يرى أن وصول عون سيعزز فرص «حزب الله» وإيران وروسيا في المنطقة. لعل التحفظ الذي أبداه وزير الخارجية الأميركي جون كيري لم يكن صدفة حتى ولو تم توضيحه لاحقاً من الخارجية الأميركية بالقول إن أميركا ستؤيد ما يختاره الشعب اللبناني. (لا ندري أين ترى للشعب كلمة في هذا البازار؟).

تفيد بعض المعلومات بأن جيفري فيلتمان نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية سابقاً، عبّر منذ فترة وعبر قنوات اتصال مع مسؤولين لبنانيين وبعضهم من أصدقائه عن تحفظ حيال خطوة الحريري بترشيح عون. لعله بذلك يعبّر عن وجهة النظر الأميركية الرافضة أو المتحفظة. لعل هذا ما جعل رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط أقرب الى التحفظ بشأن عون بالرغم من تواصل إيجابي حصل يوم الثلاثاء الماضي بين الطرفين عبر مبعوث جنبلاطي الى الرابية. حين تعود السفيرة الأميركية من واشنطن ستحمل جواباً يعرف بعض تفاصيله لا شك قائد الجيش الجنرال جان قهوجي الموجود هناك.

أما على الصعيد الأوروبي فتقول مصادر من داخل الاتحاد إن «الجميع يتابع بدقة ترشيح عون مع حرص على عدم إبداء أي موقف لا سلبي ولا إيجابي، وإن الشعور الطاغي هو وجوب ملء الكرسي بأي ثمن باعتبار أن الدخول في تقييم المرشحين هو ترف في الوقت الراهن. وإن الأولوية للأمن والاستقرار ومعالجة موضوع اللاجئين».

ثمة تطور مهم حيال الأزمة السورية داخل الاتحاد الأوروبي يفيد أنه من الضروري انتظار الانتخابات الأميركية قبل أن ينخرط الاتحاد بتنشيط دوره في الأزمة السورية ووضع استراتيجية أوسع للمرحلة النهائية لكونها تجعل المرحلة الانتقالية أكثر سهولة. هنا يبرز رأيان، ففرنسا وبريطانيا تحاولان كبح جماح الاتحاد الراغب بالانفتاح على كل الفرقاء (بمن فيها الأسد نفسه) والذي كان من نتيجته إرسال وزير الخارجية التشيكي الى دمشق. تريد باريس ولندن مزيداً من التشدد حيال سوريا وروسيا. يقول مسؤول أوروبي إنه «إذا تمكّن الروس من تهدئة احتقان الرأي العام الدولي بخصوص حلب من خلال الهدنات التجميلية، يمكن أن يساعدوا أوباما في تمرير الشهرين الباقيين كما يرغب، أي من دون خطوات دراماتيكية. أما مسار لوزان الذي يجري استكماله فما هو إلا لإنقاذ ماء وجه الجميع عبر التسلي باقتراح ستيفان دي ميستورا بالفصل بين «النصرة» وبقية الفصائل. فالاقتراح يلقى تشكيكاً أوروبياً باعتباره غير قابل للتنفيذ…».

المنطقة اذاً تبدو في سباق مع الوقت، فإما أن تحسم الأمور في الأسبوعين المقبلين في لبنان وحلب، أو اننا سندخل في مرحلة من إدارة الأزمة والحروب. ربما لذلك ثمة من يسارع الى حسم الرئاسة اللبنانية في 31 الجاري والانتهاء من شرق حلب في الأسابيع القليلة المقبلة… هذا بالضبط ما يعنيه نصرالله بقوله للطرف الآخر: «إن الحالة الوحيدة التي تعيدنا الى لبنان هي انتصارنا في سوريا». هل ثمة أكثر من هذا الربط بين الملفين؟ أوليس هذا شرطاً مسبقاً أمام الحريري مقابل الكلام عن «الحياد»؟ وهل كلام الرئيس نبيه بري عن «قانون جاستا» وتلميحاته الإيجابية حيال السعودية في جنيف سوى محاولة لترطيب الأجواء قبل الدخول في نفق ما بعد الانتخابات الأميركية؟

سامي كليب – السفير